تربية وتعليممجرد رأي

 ” منطق الإصلاح في النظام الأساسي”

بقلم:د.محمد غولي

عجيب منطق الإصلاح في وزارة التربية الوطنية والرياضة والتعليم الأولي ، فبعد جلسات طوال ، ومحاضر عديدة ، وردود أقل مايقال عنها _من لدن رجال ونساء التعليم ولاسيما هيئة التدريس- استثنائية وغير مسبوقة اتجاه النظام الأساسي المؤرخ بتاريخ 6 أكتوبر 2023 ، وبعد الوعود بالتجويد والتعديل والمراجعة الشاملة ، وأخيرا بالنسخ من لدن الوزارة الوصية لمواد هذا النظام التاريخي في منظومة التربية والتكوين ، وبعد التصعيد والتهديد بمزيد من التصعيد من لدن التنسيقيات التعليمية الميدانية المفتقدة للشرعية القانونية – حسب منظور الحكومة- ، وبعد مد وجزر من لدن مكون نقابي له تمثيلية مركزية في المشاركة من عدمها في صياغة مواد النظام الأساسي الناسخ للنظام الأساسي المنسوخ – حسب درجة قربه أو بعده من منطق الإصلاح الذي ترتضيه الحكومة – ، وبعد أن أصبح الحديث عن المدرسة العمومية وإضرابات هيئة التدريس عن العمل ، حديث الخاص والعام ، بل أصبح حديث من لاحديث لديه عند العامة…هاهي اللجنة الوزارية المشكلة من لدن رئيس الحكومة تطالعنا باتفاق جديد بينها وبين النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية ، حول النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية…حاولت الوزارة الوصية تجويد بعض المواد والنصوص القانونية المتضمنة في النظام الأساسي المنسوخ ، لعلها تلقى الآذان الصاغية ، والتفاعل الإيجابي المنشود من لدن مختلف الهيئات التعليمية…
وكقراءة متمعنة لمحضر هذا الاتفاق المؤرخ بتاريخ 26 دجنبر 2023 , مع مختلف المطالب التي أخرجت نساء ورجال التعليم للاحتجاج والتنديد ، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية :
أولا مطلب الإدماج وإلغاء التعاقد : فرغم مجهود الحكومة في تجويد المصطلحات كإلغاء مصطلح “الموارد البشرية” وتعويضه بمصطلح “الموظفين” فما زال التعاقد قائما رغم تغيير المصطلح ، ورغم تغيير المنصب المالي من الجهوي إلى الممركز ، ورغم خضوع من كان يطلق عليهم بأطر الأكاديميات سابقا لمواد هذا النظام المؤطر بنظام الوظيفة العمومية ، مع ذلك كله لازالت هذه الفئة تخضع لمرسوم إحداث الأكاديميات 00.07…وهذا ماتنص عليه المادة 3 التي تقسم عناصر هذا النظام الأساسي إلى قسمين ، قسم يخضع لوزارة التربية الوطنية ، وقسم آخر يخضع للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بتسمية المادة 3 لها : “أو السلطة المختصة”….
ثانيا تحسين الوضع المادي لهيئة التدريس : فالبرغم من مجهود الوزارة في زيادة 1500 درهم على سنتين متتاليتين لكافة نساء ورجال التعليم ، إلا أن الملاحظ أن الزيادة عامة لكل المنتسبين لوزارة التربية الوطنية ،ولا تخص هيئة التدريس لوحدها ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على منطق الوزارة في الإصلاح المرتقب ، حيث أن هذا الإصلاح يعتمد على شكل هرمي تتكون قاعدته من هيئة التدريس ، ثم هيئة الإدارة التربوية ،ثم هيئة التفتيش ، وأخيرا هيئة الأساتذة الباحثين ، بمعنى آخر من أراد أن يحسن من دخله المادي ، عليه أن يتخلص من وضعية التدريس ، ويبحث عن مسار مهني آخر يأتي لزوما بعد التدريس ، كالإدارة التربوية أو التفتيش أو التوجيه أو التخطيط وهكذا… يعني الانطلاق من القاعدة والارتقاء لمسار آخر غير التدريس ، في حين أن أصعب هذه المسارات على الإطلاق هو مسار التدريس ، الذي بدونه لن ينجح أي إصلاح مرتقب كيفما كانت فلسفته ومنهجه….
ثالثا مطلب رد الاعتبار واسترجاع الحقوق للملفات الفئوية : تناسل الملفات المطلبية ابتدأ منذ النظام الأساسي لسنة 1985 ، ومنذ ذلك الحين ومنسوب المظلومية يتزايد لدى نساء ورجال التعليم ، إلى أن وصل السيل الزبى ، ويكفي هنا ذكر ملفات :” ضحايا النظامين ، الزنزانة 10 ، المقصيون من خارج السلم ، أصحاب الشواهد العليا ، الدكاترة ، المبرزون ، المستبرزون ، المتصرفون التربويون ، المساعدون التقنيون والإداريون، محضرو المختبرات العلمية ، أطر الدعم التربوي والاجتماعي والإداري ، المعفيون من التدريس…وغيرهم كثير لايسع المقال لعدهم وإحصائهم….الملاحظ في كل هذه الملفات هو القاسم المالي الذي يجمعهم ، بل هناك من له مظلومية سابقة وبمحاضر رسمية ، تستدعي جبر الضرر ، لكن الوزارة الوصية تتنصل من ذلك كله ، رغم المجهود المبذول في هذا الصدد ، وتدعي دائما ضعف الاعتمادات المالية بالقياس للمبالغ الواجب صرفها لكل هذه الملفات المطلبية العادلة ، ولهذا على الوزارة الوصية أن تعي أن المطالب العادلة لاينبغي لها التأجيل والتأخير ؛ لأنها حتما ستترتب عنها مستحقات مالية ضخمة تزداد بتوالي السنين ، وهي غير قابلة للتقادم والنسيان…
رابعا مطلب رد الاعتبار بتحسين ظروف العمل وتجويد الخدمات : مازال مخطط الإصلاح يراوح مكانه ، وهو يرتكز بالأساس على مايسمى بالمدرسة الرائدة ، التي يعول عليها منطق الإصلاح في تحقيق قفزة نوعية للمدرسة العمومية ، في أفق تحقيق نموذج تنموي جديد يعتمد روح الابتكار والتحفيز والمبادرة والمواكبة لكل الثورات العلمية الخلاقة في عالم الألفية الثالثة ، لكن ولتحقيق هذا التحدي لابد من خلق بيئة مناسبة ومحفزة تنطلق من الأستاذ ثم التلميذ ثم الإدارة التربوية ، وتنتهي بدمج كافة الفاعلين الترويين من مجتمع مدني ، ونسيج اقتصادي وحقوقي ، يكون بمثابة الرافعة التي تنطلق منه المدرسة العمومية لترتقي به سلم المجد والمعرفة والإبداع والابتكار…أما والأستاذ يعاني من الضغوطات المادية والاعتبارية ، والتلميذ يعاني من الهشاشة والفقر ، والمدرسة العمومية من التهميش والخصاص في توفير المعدات اللوجستية والبنيات التحتية…فأعتقد أننا مازلنا بعيدين أشد البعد عن تحقيق المبتغى في تجسيد المدرسة الرائدة على أرض الواقع ، وفي تحقيق نموذج تنموي حقيقي يقطع مع كافة النماذج السابقة الفاشلة ، وإلى حين ذلك تحيا المدرسة العمومية بكل إكراهاتها وتحدياتها ، وإخفاقاتها وإنجازاتها…ودام رجال ونساء التعليم رعاة لها من الزوال أو الذوبان في كل هذه السياقات الاقتصادية الصعبة…

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى