أزلو محمد يكتب: العقوبات الاقتصادية”أداة سياسية أم وسيلة ضغط غير فعّالة؟”

تعتبر العقوبات الاقتصادية إحدى الأدوات البارزة التي تلجأ إليها الدول والمنظمات الدولية في سبيل تحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية دون الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية. وعلى الرغم من انتشار استخدام هذه الأداة في العلاقات الدولية، إلا أن فعاليتها وتأثيرها يثيران جدلاً واسعاً بين الخبراء وصانعي القرار.
العقوبات الاقتصادية هي إجراءات تُفرض على دولة أو مجموعة من الدول أو حتى كيانات وشركات، بهدف تقييد التجارة، تجميد الأصول، منع الاستثمار، أو فرض قيود على التصدير والاستيراد. غالباً ما تُبرر هذه العقوبات بأنها وسيلة للضغط على الحكومات المستهدفة لتغيير سياساتها أو الامتثال للقوانين الدولية، خاصة في قضايا مثل حقوق الإنسان، منع انتشار الأسلحة النووية، أو إنهاء النزاعات.
منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت العقوبات الاقتصادية أداة مفضلة للدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فهي تتيح ممارسة تأثير قوي دون الحاجة إلى التدخل العسكري. مثالاً على ذلك، العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، والتي هدفت إلى دفع طهران للجلوس على طاولة المفاوضات.
تستخدم الدول العقوبات كوسيلة لإظهار مواقفها السياسية، وفي بعض الأحيان تكون رسالة حازمة للأنظمة المستهدفة. كما أنها تُعتبر وسيلة لتجنب الانتقادات الدولية المتعلقة بالتدخل العسكري، حيث تبدو وكأنها خيار “أقل عنفاً”.
رغم النوايا السياسية الواضحة، فإن فعالية العقوبات الاقتصادية كثيراً ما تكون موضع تساؤل. تشير الدراسات إلى أن العقوبات غالباً ما تؤثر على الشعوب أكثر من الأنظمة الحاكمة؛ إذ يتحمل المواطنون وطأة التدهور الاقتصادي الناتج عن العقوبات من خلال ارتفاع الأسعار، نقص السلع الأساسية، وتدهور البنية التحتية. في المقابل، قد تجد الأنظمة الحاكمة طرقاً للتأقلم أو الالتفاف على هذه العقوبات.
على سبيل المثال، ورغم العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية منذ عقود، لم تحقق تلك العقوبات تغييراً جذرياً في سياسات النظام. بل على العكس، أدت إلى تفاقم معاناة السكان مع استمرار النظام في سياساته دون تغيير كبير.
يرى بعض المراقبين أن العقوبات قد تنقلب على الدول التي تفرضها. إذ يمكن أن تدفع الدول المستهدفة إلى بناء شراكات جديدة بعيداً عن النفوذ الغربي، كما حدث مع روسيا التي عززت تعاونها مع الصين ودول أخرى بعد العقوبات الغربية عليها. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي العقوبات إلى تعزيز المشاعر الوطنية داخل الدولة المستهدفة، ما يجعل الشعوب أكثر دعماً لحكوماتها رغم التحديات الاقتصادية.
في ظل التحديات التي تواجه فعالية العقوبات الاقتصادية، يدعو بعض الخبراء إلى الجمع بين العقوبات وأدوات دبلوماسية أخرى، مثل الحوار المباشر، تقديم حوافز اقتصادية، أو حتى التعاون الإقليمي. هذه الوسائل قد تكون أكثر فعالية في تحقيق الأهداف دون التسبب بمعاناة إنسانية كبيرة.
خلاصة القول تبقى العقوبات الاقتصادية مسألة معقدة ومثيرة للجدل. فهي أداة سياسية قوية تُستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية، لكنها في الوقت ذاته قد تكون وسيلة ضغط غير فعّالة إذا لم تُصمم بعناية أو لم تُدمج مع أدوات دبلوماسية أخرى. وبينما تستمر الدول الكبرى في استخدامها، تبقى الشعوب هي الخاسر الأكبر في كثير من الأحيان.