أزلو محمد يكتب: انخفاض أسعار زيت الزيتون في إسبانيا: بين التحولات الاقتصادية وتأثيرها على الأسواق المغربية.

مع نسمات الفجر الأولى، حيث تمتزج رائحة الزيتون بنكهة التربة المبللة في إسبانيا، شهدت أسواق زيت الزيتون، التي لطالما عُرفت بتألقها، تراجعاً حاداً في الأسعار، ليصل الطن من زيت الزيتون البكر الممتاز إلى 3800 يورو، بعدما كان قد لامس حاجز 9000 يورو في العام الماضي. مشهد اقتصادي يعكس قصة معقدة من التحولات المناخية، والسياسات الجمركية، والتوقعات الزراعية، في عالم حيث الزيتون ليس مجرد محصول، بل هو إرث حضاري وثقافة متأصلة.
هذا الانخفاض المفاجئ في الأسعار جاء نتيجة سلسلة من المتغيرات المتشابكة، أبرزها القرارات الجمركية الأمريكية الجديدة التي خففت من حدة التكاليف، إضافة إلى هطول أمطار غزيرة جاءت كهدية طال انتظارها للمناطق الإسبانية المتعطشة للماء، لتنقذ بساتين الزيتون التي طالما واجهت قسوة الجفاف. ومع التفاؤل الذي يلوح في الأفق حول الموسم الزراعي المقبل، يبدو أن الأسواق قد استجابت لتلك الإشارات الإيجابية، مما أدى إلى وفرة في الزيتون وانخفاض في أسعاره.
وفقاً لبيانات حديثة نشرتها منصات مختصة بتتبع حركة أسعار السلع الزراعية في إسبانيا، استقر سعر زيت الزيتون البكر الممتاز عند 3800 يورو للطن، بينما بلغ سعر زيت الزيتون البكر العادي 3092 يورو، وسجل زيت “اللامبانتي” أقل من ذلك عند 2791 يورو. هذه الأرقام ليست مجرد أرقام جامدة، بل هي انعكاس لتحولات اقتصادية عميقة تعصف بأسواق السلع، حيث لم يقتصر الانخفاض على زيت الزيتون وحده، بل امتد ليشمل محاصيل أخرى كالحبوب والبيض.
في مدن مثل سالامانكا وطليطلة، تعرضت أسعار الحبوب كالقمح والشعير لضغوطات كبيرة نتيجة وفرة الإنتاج وتنامي الاستيراد من مصادر أرخص تكلفة، مما ساهم في زيادة العرض مقابل انخفاض الطلب. حتى قطاع البيض في أوروبا لم يسلم من هذه الموجة التراجعية، حيث انخفضت الأسعار إلى مستويات قياسية بفعل تفشي إنفلونزا الطيور، التي تسببت في اضطراب كبير في إنتاج الدواجن.
على النقيض من هذا الاتجاه التراجعي، برزت منتجات أخرى كاستثناء مثير للتأمل، مثل اللوز والماشية، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها. هذا الارتفاع جاء مدفوعاً بتزايد الطلب من المغرب والجزائر على واردات الأغنام والأبقار، استعداداً لموسم عيد الأضحى. إلا أن هذه الحركة الاقتصادية اصطدمت بقرار تاريخي أصدره العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الذي دعا المواطنين إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي هذا العام بسبب شح الماشية نتيجة الجفاف المستمر الذي يضرب المملكة للسنة السابعة على التوالي.
قرار الملك لاقى استحساناً واسعاً بين مختلف فئات المجتمع المغربي، حيث اعتُبر خطوة حكيمة تراعي الظروف الاقتصادية والبيئية الصعبة.
مع هذا الانخفاض في أسعار زيت الزيتون الإسباني، يبرز تساؤل محوري: هل ستصل هذه التخفيضات إلى المستهلك المغربي، أم أنها ستتلاشى في دهاليز الوسطاء والمضاربين؟ الواقع يشير إلى أن السوق المغربية لطالما عانت من حلقات وسيطة تسهم في ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يجعل المستهلك البسيط بعيداً عن الاستفادة من الانخفاضات العالمية.
كثيراً ما تتحول مثل هذه الفرص إلى مكاسب للوسطاء والمستوردين الذين يستغلون الفجوة بين العرض والطلب لتعظيم أرباحهم، في حين يبقى المواطن المغربي يرزح تحت وطأة الأسعار المرتفعة. إلا أن الأمل يظل قائماً في أن تشهد الأسواق المغربية إصلاحات هيكلية تعزز من الشفافية، وتضمن وصول التخفيضات إلى المستهلك النهائي.
الزيتون، هذا الثمر البسيط الذي يحمل في طياته عبق التاريخ وحضارة البحر الأبيض المتوسط، ليس مجرد محصول اقتصادي، بل هو رمز للسلام والتواصل بين الشعوب. في كل قطرة زيت، هناك قصة تُروى عن الفلاحين الذين يكدحون في الحقول، عن المناخ الذي يقرر المصائر، وعن الأسواق التي تعكس تعقيدات السياسة والاقتصاد.
اليوم، وبينما تنخفض الأسعار في إسبانيا، وتتعالى الأصوات في المغرب مطالبة بالإصلاح، يظل الزيتون شاهداً على تحولات لا تتوقف. هو مرآة تعكس أزماتنا، طموحاتنا، وربما أحلامنا بمستقبل أكثر عدلاً واستدامة.