أزلو محمد يكتب: زيادة معاشات المتقاعدين: صون للكرامة الإنسانية واستثمار في الوفاء الوطني

في ظل تعاظم التحديات الاقتصادية وتفاقم أعباء المعيشة اليومية، تبرز قضية المتقاعدين كواحدة من أبرز القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تستدعي تدخلاً عاجلاً وحلاً شاملاً. هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن، وقدموا عطاءاتهم في مختلف الميادين، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة واقع اقتصادي مرير، تتزايد فيه تكاليف الحياة بشكل يهدد استقرارهم وكرامتهم.
وفي هذا السياق، وجه النائب البرلماني محمد صباري سؤالاً شفوياً إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، تناول فيه التدابير الممكنة لإقرار زيادة في معاشات المتقاعدين، مشدداً على أن هذه الفئة تعاني من أوضاع اجتماعية صعبة تتطلب استجابة جادة، تتجاوز الحلول الجزئية إلى خطوات ملموسة تضمن لهم العيش الكريم.
المتقاعدون ليسوا مجرد أرقام في لوائح المعاشات أو إحصائيات اقتصادية؛ بل هم الذاكرة الحية للوطن، والشهود على مراحل تطوره وبنائه. هم أساتذة علموا الأجيال، وأطباء أنقذوا الأرواح، وعمال بنوا المصانع، وجنود دافعوا عن الحدود. كل واحد منهم يحمل قصة عمر من الجهد، ويستحق أن يُعامل بما يليق بمكانته كركيزة من ركائز المجتمع.
لكن، ومع ذلك، يعاني معظم المتقاعدين من معاشات هزيلة لا تواكب الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأساسية، ولا تكفي لتغطية الاحتياجات اليومية الأساسية، فضلاً عن النفقات الصحية التي تزداد مع تقدم العمر.
أشار النائب البرلماني إلى أن بعض الخطوات الإيجابية قد تم اتخاذها مؤخراً، مثل الإعفاء الضريبي الكلي لبعض المعاشات من الضريبة على الدخل، وهو إجراء يستحق الإشادة. غير أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، لا تعالج جوهر المشكلة. فالإعفاء الضريبي، في حد ذاته، لا يعالج الفجوة بين المعاشات الحالية واحتياجات المتقاعدين الفعلية.
إن الحل الحقيقي يكمن في زيادة فعلية ومستدامة في قيمة المعاشات، تستند إلى دراسة دقيقة لتكاليف المعيشة، وتأخذ بعين الاعتبار التضخم الاقتصادي وارتفاع الأسعار. إن تحقيق هذا الهدف لن يكون مجرد التزام اجتماعي، بل هو أيضاً رسالة وفاء وعرفان لأولئك الذين ساهموا في بناء هذا الوطن.
قد يعترض البعض بأن رفع المعاشات سيمثل عبئاً إضافياً على ميزانية الدولة، لكن الحقيقة أن المسألة تتجاوز الحسابات الاقتصادية البحتة. إنها قضية إنسانية في المقام الأول. فلا يمكن لمجتمع أن يدعي التقدم والعدالة إذا كان يترك كبار السن ممن خدموه لعقود يعانون من الفقر والهامشية.
إن الاستثمار في تحسين ظروف المتقاعدين هو استثمار في القيم الإنسانية التي يجب أن تسود أي دولة. فهو يعكس اعتراف الدولة بجهود أبنائها، ويعزز من لحمتها الاجتماعية، ويبعث برسالة أمل إلى الأجيال الصاعدة بأن العطاء للوطن لا يضيع هباءً.
تحية للنائب محمد صباري الذي حمل هذه القضية إلى قبة البرلمان، ليكون صوتاً يدافع عن هذه الفئة التي غالباً ما تُنسى بين زحام الملفات السياسية والاقتصادية. لكن، يبقى السؤال: هل ستجد هذه المبادرة آذاناً صاغية واستجابة فعلية من الجهات المسؤولة؟
إن الكرة الآن في ملعب الحكومة، التي يقع على عاتقها اتخاذ خطوات جريئة وعملية لإقرار زيادة عادلة في معاشات المتقاعدين. خطوات تعكس التزامها بالدور الاجتماعي للدولة، وتُظهر أن الإنصاف والعدالة ليست شعارات تُرفع، بل سياسات تُنفذ.
ختاماً، إن المتقاعدين ليسوا فقط فئة تحتاج إلى الرعاية، بل هم مرآة تعكس مدى تقدم المجتمع وإنسانيته. زيادة معاشاتهم ليست مجرد مطلب اقتصادي، بل هي حق من حقوقهم الأساسية، وواجب على الدولة والمجتمع بأسره.
إن إقرار زيادة في معاشات المتقاعدين هو خطوة نحو غدٍ أكثر إنصافاً، ووطن أكثر احتضاناً لأبنائه. فليكن صوت البرلمان بداية الطريق، ولتكن استجابة الحكومة تجسيداً حقيقياً لقيم العدالة والكرامة الإنسانية.





