إحداث مرصد مغربي للطلبيات العمومية: خطوة نحو تعزيز الشفافية والحكامة الجيدة

أزلو محمد:
في خطوة تعكس التزام المغرب بتطوير منظوماته التشريعية والاقتصادية، كشفت مصادر مطلعة عن شروع وزارة الاقتصاد والمالية في إعداد مشروع رائد يهدف إلى إحداث مرصد مغربي للطلبيات العمومية. هذا المشروع الطموح يأتي ليضع أسسًا جديدة لتأهيل وتطوير منظومة الصفقات العمومية، تلك التي تعد رافعة أساسية للنمو الاقتصادي والتحديث الإداري.
يهدف المرصد المرتقب إلى تجاوز الإشكالات التي تواجه تنفيذ مقتضيات مدونة الصفقات العمومية، التي ظلت لعقود تشكل محورًا جوهريًا في علاقة الدولة بمحيطها الاقتصادي. فهو ليس مجرد آلية إدارية إضافية، بل خطوة استراتيجية تتوخى سد الثغرات القانونية والتنظيمية التي قد تفرزها الممارسة الميدانية، إلى جانب توفير مرجعية مؤسساتية تتيح معالجة النزاعات المتعلقة بتفسير بعض الإجراءات القانونية.
في هذا السياق، شدد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، السيد فوزي لقجع، خلال جلسة أمام مجلس المستشارين، على أهمية تعزيز الجهود التشريعية والمؤسساتية التي تواكب الدينامية المتجددة للمقاولة المغربية. وأشار إلى أن إحداث المرصد المغربي للطلبيات العمومية يمثل محطة محورية نحو تكريس مبادئ الحكامة الجيدة، من خلال إعادة صياغة الآليات المؤطرة للصفقات العمومية بما يضمن الشفافية، النزاهة، والمنافسة العادلة.
وأوضح الوزير أن المرصد المزمع إنشاؤه لن يقتصر على دور استشاري فقط، بل سيتولى كذلك متابعة تنفيذ الصفقات العمومية داخل مختلف المؤسسات، ورصد التحديات التي تعترض أصحاب المشاريع. هذه الآلية ستسمح بتوفير صورة دقيقة وشاملة حول نجاعة السياسات العمومية في هذا المجال، كما ستسهم في تقديم توصيات عملية لتحسين الأداء وضمان تحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
لطالما شكلت الحكامة الجيدة ركيزة أساسية لأي إصلاح مؤسساتي يسعى إلى تعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين. ومن هذا المنطلق، سيكون المرصد المغربي للطلبيات العمومية فضاءً للتقاطع بين مختلف الفاعلين، سواء كانوا من القطاع العام أو الخاص، حيث سيتمكن الجميع من الإسهام في إثراء النقاش حول كيفية تطوير المنظومة بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.
كما أن هذا المشروع يحمل في طياته أبعادًا أعمق، فهو يعكس إرادة سياسية واضحة لإعادة هيكلة العلاقة بين الإدارة والمقاولة، وجعلها علاقة قائمة على الشفافية والشراكة. فالتدبير الرشيد للصفقات العمومية لا يقتصر فقط على توفير الموارد المالية، بل يتعداه ليشمل تعزيز الكفاءة وتحقيق العدالة في توزيع الفرص بين مختلف الفاعلين.
لا شك أن إحداث هذا المرصد سيشكل قفزة نوعية في مسار تحديث الإدارة المغربية، حيث سيكون بمثابة منصة لرصد التحديات التي تواجه أصحاب المشاريع، وتحليل المعطيات المتعلقة بتنفيذ الصفقات، وتقديم توصيات عملية لتحسين الأداء. كما سيسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، وهما عنصران لا غنى عنهما لتحقيق التنمية المستدامة.
وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، يمثل هذا المشروع خطوة حاسمة نحو خلق بيئة ملائمة للاستثمار، حيث يسهم في تقوية ثقة الفاعلين الاقتصاديين في منظومة الصفقات العمومية. ومن شأن ذلك أن ينعكس إيجابًا على تنافسية الاقتصاد الوطني، ويعزز مكانة المغرب كوجهة جاذبة للاستثمارات.
إن إحداث المرصد المغربي للطلبيات العمومية ليس مجرد إجراء إداري، بل هو رؤية متكاملة تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإدارة والمقاولة، وجعلها أكثر شفافية وكفاءة. هذا المشروع الطموح يعكس إيمان المغرب بقدرته على تطوير منظوماته بما يتماشى مع التحديات الراهنة، ويؤكد التزامه بمسار إصلاحي شامل يضع المواطن والمقاولة في صلب اهتمامات السياسات العمومية.