إسدال الستار على الدورة 16 لمهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل
تطوان تُجدد العهد مع الطفولة والإبداع في تظاهرة تربوية ثقافية رفيعة

محمد العاقل – تطوان
في مشهد فني باذخ بالمعنى والجمال، عاشت مدينة تطوان على إيقاع الدورة السادسة عشرة من مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل، المنظم من طرف مؤسسة مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل، ما بين 8 و11 ماي 2025، تحت شعارٍ وازن: “مسرح الطفل جسر للحوار والثقافة”.
ولم تكن هذه الدورة مجرد موعد ثقافي، بل محطة إنسانية رفيعة تتقاطع فيها الطفولة بالفن، والتربية بالإبداع، والحوار بالتنوع، لتؤكد مرة أخرى أن المسرح وسيلة أصيلة لترسيخ القيم، وبناء جسور التفاهم بين الأجيال والثقافات.
في حضرة الفرحة الوطنية: الذكرى 22 لميلاد ولي العهد
انطلقت فعاليات المهرجان في أجواء اعتزاز وطني عميق، تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الثانية والعشرين لميلاد صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الجليل مولاي الحسن، وهي لحظة رمزية بامتياز، تترجم المحبة التي يكنها الشعب المغربي لأمير الطفولة، وتعكس تشبث المغاربة بمؤسستهم الملكية، ورهانهم على مستقبل يزدهر بالعلم والثقافة والانفتاح.
وقد منح هذا التزامن روحًا استثنائية للدورة، بما يعزز الرسائل التربوية التي يسعى المهرجان إلى ترسيخها، انسجامًا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى جعل الطفل محور السياسات العمومية.
دورة “عبد الخالق الطريس”: وفاء لذاكرة وطنية مقاومة
تميّزت دورة هذا العام باختيار اسم عبد الخالق الطريس، الصحافي والمفكر والمناضل الوطني، عنوانًا لها، في مبادرة تنهل من روح الوفاء لرواد ساهموا في بناء الوعي الجماعي، وحرّكوا الكلمة في وجه الصمت، والثقافة في وجه الاستعمار.
إن تخليد اسم الطريس في مهرجان مسرحي موجه للطفل، ليس مجرد تكريم رمزي، بل فعل ثقافي عميق، يربط الماضي بالحاضر، والذاكرة بالفعل الإبداعي، ويمنح الأجيال الناشئة فرصة للتعرف على رموز رسّخوا الكلمة الحرة كأداة للمقاومة والتحرر.
الحسين الشعبي: تكريم لقيمة فنية ونقابية نادرة
في لحظة وفاء أخرى، احتفى المهرجان بمسار الحسين الشعبي، الفنان والمثقف والنقابي البارز، الذي جمع بين التمثيل الملتزم، والدفاع عن الحقوق الثقافية للمبدعين.
لقد شكّل تكريم الشعبي محطة ذات رمزية عالية، باعتباره صوتًا أصيلاً في المشهد المسرحي المغربي، وأحد الفاعلين القلائل الذين مزجوا بين الفعل الإبداعي والنضال المؤسساتي، بما يخدم صورة الفنان كمثقف ملتزم ومؤثر.
حضور مصري لافت: تجارب رائدة تحلّ ضيفة على تطوان
تألقت الدورة بحضور شخصيات فنية بارزة من جمهورية مصر العربية، التي شكلت إحدى أبرز محطات التألق المسرحي العربي. ومن بين الأسماء اللامعة التي أضفت على المهرجان بريقًا خاصًا:
وفاء الحكيم: سيدة مسرح الطفل المصري، المعروفة بعطائها الإبداعي الخالص
إنتصار موسى: صاحبة الحضور المسرحي القوي والرؤية الفنية الواعية.
رياض الخولي: النجم الذي مزج بين المسرح والتلفزيون بحضور رمزي استثنائي.
حمزة العيلي: صوت شبابي مصري واعد يُجسّد تواصل الأجيال الفنية.
لقد مثّل هذا الحضور المصري البهيّ جسرًا حيويًا بين تجارب عربية متقاطعة، وأعاد تأكيد عمق الروابط الثقافية بين ضفتي المتوسط.
تسع فرق من العالم تحتفي بالمسرح والطفولة
شهدت دورة 2025 مشاركة تسع فرق مسرحية محترفة، قادمة من بلدان تمثل تقاطعات جغرافية وثقافية متعددة، حملت معها تجارب بصرية وتربوية متنوعة، في عروض احتضنتها فضاءات مسرح سينما إسبانيول، المركز الثقافي بتطوان، والمركز الثقافي إكليل.
وشكل هذا التنوع الفني والجغرافي أحد أبرز ملامح الدورة، حيث تقاطعت العروض القادمة من الصين، تركيا، العراق، سلطنة عمان، بلجيكا، إيطاليا، مع تجارب مغربية رصينة، ما خلق فسحة فنية عابرة للحدود واللغات، منفتحة على جمهور طفولي تواق للتجديد والانبهار.
التميز التربوي في قلب المهرجان: تكريم الأستاذ هشام الكسريوي
وفي بادرة تنم عن وعي عميق بالدور التربوي للمهرجان، تم تكريم الأستاذ هشام الكسريوي، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بتطوان، بجائزة التميز التربوي، تقديرًا لمسيرته الحافلة بالعطاء، ودعمه الموصول للمشاريع الثقافية والفنية داخل الفضاءات المدرسية.
جاء هذا التكريم ليؤكد على أهمية الانفتاح على المدرسة العمومية، وتكريس المسرح كرافعة بيداغوجية تصقل شخصية الطفل، وتُحفّز فيه روح المبادرة والخيال والنقد البناء.
تطوان… عاصمة متجددة للطفولة والمسرح
في امتداد طبيعي لرسالتها الثقافية، أثبتت تطوان من خلال هذه الدورة أنها ليست فقط مدينة مضيافة، بل فضاء فاعل في إنتاج وترويج الثقافة الفنية للأطفال، ومركز تلاقٍ حيوي لتجارب مسرحية من مختلف أرجاء العالم.
لقد كانت تطوان، في هذه الدورة، مختبرًا للفن والتربية، ومنبرًا لتربية الذوق، ومكانًا تتداخل فيه الحكاية بالتقنية، واللعب بالمعرفة، والمسرح بالتعليم.
ختامًا: المهرجان كفضاء تربوي وفني مستدام
لا يقتصر مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل على تقديم عروض مسرحية، بل يقدم رؤية شمولية متكاملة حول دور المسرح كأداة لبناء الإنسان منذ الصغر. فهو فضاء للتربية، ومنبر للحوار، وملتقى للتنوع، ومختبر للابتكار التربوي.
وهو في ذلك، يُجسد التوجيهات الملكية السامية التي ترى في الطفل محورًا استراتيجيًا للتنمية، وفي الثقافة لبنة أساسية لبناء مجتمع متوازن وحداثي.
هكذا، تواصل تطوان كتابة فصولها الإبداعية، بلغة الفن، ومنطق التربية، وأفق المستقبل.