
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الخيوط، لم يعد المواطن يكتفي بقراءة أخبار الاعتقالات ومتابعة حصيلة الخسائر التي تخلفها بعض أعمال الشغب والاحتجاجات المنفلتة، لقد تجاوز الشارع مرحلة الصدمة، وأصبح يطرح أسئلة حقيقية تبحث عن إجابات جادة، أهمها: من يُحرّك هؤلاء؟ ولماذا؟
كنتُ، كغيري من المتابعين، أتمنى أن أقرأ بلاغًا رسميًا صادرا عن النيابة العامة، يُعلن فيه عن إصدار تعليمات صارمة إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بفتح تحقيق عاجل، ومعمق، لتحديد الجهات أو الأفراد الذين يقفون وراء هذه الأعمال التخريبية، وتحريك المتورطين أمام العدالة، ليس فقط كمنفذين، بل كمنظّمين ومحرّضين.
لكن، للأسف، ما أصبحنا نقرأه بشكل متكرر لا يخرج عن دائرة البلاغات الروتينية التي تُعدّد عدد الموقوفين، وتستعرض الأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة، دون أن نلمس أي إشارة إلى البعد الحقيقي لما يقع، أو محاولة لفهم السياق الذي تنفجر فيه هذه التحركات “العنيفة”، ومن يقف خلفها.
غياب هذا النوع من البلاغات لا يُغذي فقط الشكوك، بل يفتح الباب أمام التأويلات والإشاعات، ويترك المواطن في حالة ارتياب دائم، ففي كل مرة تقع فيها أعمال شغب، تعود الأسئلة نفسها إلى الواجهة: هل هي تحركات عفوية أم مدفوعة؟ هل من جهات تسعى إلى زعزعة الاستقرار؟ وإن كانت كذلك، فأين الدولة من كل هذا؟
النيابة العامة، باعتبارها جزءًا أساسيًا في منظومة العدالة، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن تخرج من دائرة رد الفعل، إلى منطقة الفعل الاستباقي، وأن تعيد الثقة للمواطن عبر بلاغات توضح أن هناك إرادة سياسية وأمنية جادة في تفكيك الخلفيات، وليس فقط اعتقال الأفراد.
نريد تحقيقات شفافة، تُفضي إلى نتائج واضحة، ويتم الإعلان عنها بنفس القدر من الاهتمام الذي يُخصّص لعرض صور التخريب والموقوفين، نريد دولة تحارب الجريمة، نعم، لكن نريد قبل ذلك دولة تفهم لماذا تتكرر الجريمة، ومن يغذيها، ومن يستثمر فيها.
ختامًا، لا نحتاج فقط إلى بلاغات عن الخسائر، بل نحتاج إلى بلاغات تبعث على الطمأنينة، تبين أن هناك عقولًا تُفكر، ومؤسسات تُحقق، وعدالة تتحرك في الاتجاه الصحيح.





