الصحافة بين المتاعب والموائد … ونحن لا نعمّم

بقلم : هشام زريري
كانت الصحافة تُعرف قديمًا بمهنة المتاعب، لأنها تطلبت من ممارسيها التضحية، والسعي وراء الحقيقة، ومواجهة الضغوط والمخاطر. لكن في السنوات الأخيرة، برزت مظاهر جديدة داخل الحقل الإعلامي، أقل ما يُقال عنها إنها تُضعف من هيبة المهنة وتشوّه صورتها لدى الرأي العام.
لم يعد مستغربًا أن ترى من يحمل ميكروفونًا بلا هوية، أو كاميرا بلا ذاكرة، أو يتنقل بين الندوات ببذلة أنيقة وبطاقة صحفية مشكوك في صحتها. بعض من يظهرون بمظهر الصحفي لا يأتون لتغطية الحدث، بل لحضور العشاء أو الحصول على “دعوة مجاملة”. هكذا تحوّلت الصحافة، في نظر البعض، من مهنة البحث والتقصي إلى مهنة “الموائد”.
لكن، ونحن لا نعمّم، لا يمكن أن نغض الطرف عن وجود صحفيين حقيقيين، يشتغلون بضمير مهني، ويدفعون من صحتهم وأوقاتهم في سبيل إيصال المعلومة الدقيقة للناس. هؤلاء ما زالوا يؤمنون بأن الصحافة رسالة قبل أن تكون وظيفة، وأن الكلمة مسؤولية لا وسيلة للربح أو الوجاهة الاجتماعية.
المشكلة اليوم لا تكمن فقط في من تسللوا إلى المهنة دون تكوين أو التزام، بل أيضًا في بعض الجهات التي تمنح الاعتماد بسخاء، وتُسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في فتح الباب أمام الدخلاء.
الواقع الصحفي يحتاج إلى وقفة جادة. لا من أجل محاربة “الموائد” فقط، بل من أجل إعادة الاعتبار لجوهر المهنة، وتكريس قيمها في بيئة إعلامية يتداخل فيها الحقيقي بالزائف، والمهني بالانتهازي. لأن الصحافة، إن تخلّت عن دورها، لن تُملأ الفراغ الذي تتركه بسهولة.