24 ساعةأخبار وطنيةالواجهةتربية وتعليم

المدرسة المغربية : حاضرها ومستقبلها

بقلم د محمد غولي:

لم يقتصر العنف المدرسي المتصاعد بشكل غريب في السنوات الأخيرة بين المتعلمين والمتعلمات فقط ، بل أضحت الظاهرة تعم المتعلمين والمتعلمات وأولياء أمورهم اتجاه الأطر التربوية والإدارية للمدرسة المغربية ، وهذا اتجاه خطير يمس منظومة التربية والتكوين برمتها ، وينبئ بانهيار كامل لصرح عظيم على أسسه تنهض الأمم وتستشرف به حاضرها ومستقبلها…
فإذا كانت التربية هي فن تجسيد القيم والأخلاق إلى سلوكات وأفعال ، فمن حقنا أن نتساءل ، هل قيمنا وأخلاقنا بدأت في الانهيار والتهاوي ؟!! وما تفسير الأحداث التي نشاهدها ونسمع بها كل يوم من عنف مدرسي متصاعد تقشعر له الأبدان ، وتحير فيه الأفهام؟!!

المدرسة المغربية ومنذ سياسة التقويم الهيكلي في فترة الثمانينات وهي في تراجع واضح عن القيام بأدوارها المنوطة بها… وماالإصلاحات والمراجعات التشريعية والتربوية – سياسة التعريب ، سياسة الخوصصة ، ميثاق التربية والتكوين ، البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم ، الرؤية الاستراتيجية ل 2030 , قانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين ، مدرسة الريادة…- إلا عناوين للتخبط التي تشهده المدرسة المغربية ، بفعل ضبابية الرؤية التي ينغمس فيها هذا القطاع الحيوي ، والذي يفترض فيه أن يقع عليه الرهان في رسم ملامح مستقبل المغرب المشرق …
للأسف كانت المدرسة المغربية المغربية إلى حدود نهاية السبعينات مشتلا نابضا بالحياة للقيم والأخلاق ، وكان المجتمع جزءا من هذا الفضاء المفعم بالقيم الدينية والوطنية والإنسانية التي تؤثت العلاقات بين مختلف شرائح المجتمع وطبقاته…اليوم وفي ظل تراجع دور المدرسة في التأطير والتربية والتكوين ، أضحت وللأسف الشديد جزءا من المجتمع ، بدل أن تؤثر فيه بقيمها ونبضها أصبحت متؤثرة بظواهره الغريبة، وبسلوكيات بعيدة كل البعد عن السلوك القويم المشبع بالقيم النبيلة ، والأخلاق السامية…هذا التراجع الخطير يمكننا تحديد بعضا من أسبابه وتجلياته :
1 – استقالة الأسر المغربية عن القيام بأدوارها التربوية بفعل الضغوطات الاقتصادية الكثيرة التي لحقت بها… تارة بفعل هامش المبادرة وفرص الترقي الاجتماعي التي انكمشت عما كانت عليه في السابق ، وتارة أخرى بفعل التأثيرات الكثيرة التي جعلت من الأسرة بحد ذاتها مجالا للاستهداف والاختراق والتوجيه…فأصبحت الأسرة المغربية فاقدة للبوصلة ، وتحتاج هي بدورها للتأطير والتربية والتكوين …
2 – لم تعد المدرسة المغربية وسيلة للترقي الاجتماعي كما كانت عليه في السابق ، فمنذ سياسة التقويم الهيكلي في مرحلة الثمانيات ، تقلصت مناصب الوظيفة العمومية بفعل الضغوطات الاقتصادية والإكراهات المالية ، وتقلص معها سقف طموح الأسر المغربية في الترقي الاجتماعي ببذل الغالي والنفيس في تربية أبنائها ، والسهر على تعليمهم وتلقينهم العلم النافع ، على أمل حصول طفرة اجتماعية تكون سببا في التخلص من الهشاشة والفقر…هذه الخيبة هي التي تفسر اليوم غياب الإرادة لدى معظم المتعلمين والمتعلمات في التحصيل النافع ، والتسابق نحو التميز والتفوق …
3 – دخول المجتمع المغربي مجبرا للنظام العالمي الجديد الذي جعل من عولمة الاقتصاد والثقافة والقيم والسياسة التربوية هدفا له ، فكان من نتائج ذلك ضياع أجيال بأكملها وسط تيارين مختلفين ، تيار يدعو للهوية والتشبع بالقيم الدينية والوطنية ، وتيار يدعو للانفتاح على التأثيرات الأجنبية في تجاهل تارة ، أو إنكار تارة أخرى لكل ماهو أصل أصيل في مكونات المجتمع المغربي ، باعتباره سببا في حصول هذا التراجع ، أو على الأصح التخلف الحضاري الذي أوصل المدرسة المغربية إلى ماوصلت إليه اليوم …
4 – غياب إرادة سياسية واضحة للنهوض بالمدرسة المغربية ، حيث أضحت هذه المدرسة مختبرا للتجاذبات السياسية ، ومحضنا للصراعات الإيديولوجية المتعددة ؛ لهذا ينبغي ألا نتفاجأ بين الحقبة والأخرى بتغير مناهج الإصلاح ، وتغير البيداغوجيات التربوية …

مالم نوحد مراجع هذا الإصلاح أولا ، ونقطع مع ركائز هذا الإصلاح التي جعلت من التميز المغربي علامة فارقة عبر العصور والأزمنة… سنظل نخبط خبط عشواء وندور في حلقة مفرغة …

لهذا ينبغي النظر أولا لأساسيات الإصلاح قبل الحديث عن الإصلاح ، ماذا نريد من المدرسة المغربية ؟ وكيف نريد هذه المدرسة ؟ وماالغاية منها حاضرا ومستقبلا ؟

في الإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى يمكن أن نضع الخطوة الأولى في مسار الإصلاح ؛ أما وتغيير المناهج الدراسية ، ووضع البرامج ثم نسخها بعد حين ؛ فإننا نؤجل التغيير المنشود … والضحية هي الأجيال الحاضرة والمستقبلية ، بل شرائح المجتمع برمته ؛ اللهم من اتخذ مسافة بينه وبين همومه وانشغالاته ، وآثر منظومة تربوية أخرى لاتمت بصلة لمنظومتنا التربوية المهترئة ، لتجديد نخبه وفرض سيطرته الثقافية والاقتصادية والسياسية … على ناشئة تائهة بين حاضر مؤلم وغد مبهم …

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى