الصحراء المغربيةالواجهة

المنعطف

بقلم أبو أيوب

    المقص الذهبي لوزير الخارجية المغربي لم يتوقف عن حصد المزيد من قص شرائط فتح القنصليات بالعيون و الداخلة ، كان آخرها القنصلية العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة ، و قد ظهر الوزير البشوش مبتسما منتشيا بتراكم الإنجازات .

    و في سابقة من نوعها في تاريخ التدشينات و المشاريع …. بالمغرب ، تم افتتاح القنصلية الإماراتية في وقت مبكر من يوم الأربعاء على الساعة الثامنة و النصف صباحا …! هذا ما يثير أكثر من علامة استفهام حول التوقيت ، إذ لم نعهد من قبل القيام بأنشطة رسمية في هذا التوقيت بالذات .

    و في سابقة أخرى من نوعها على صعيد العلاقات الدولية ، بلاغ صادر عن وزارة الخارجية الروسية يستعرص دوافع روسيا و مبرراتها بالإمتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير تحت رقم 2548 بخصوص نزاع الصحراء .

    و من خلال البيان نلاحظ بأن الموقف الروسي لا زال متشبثا بالحل السلمي عبر المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع طبقا لقرارات الشىرعية الدولية ذات الصلة ، و هو في هذا يشير الى المغرب و جبهة البوليساريو من دون الإشارة إلى الجزائر كطرف معني مباشرة بالنزاع بحسب الرؤية المغربية .

    ضمن السياق و في المقابل ، لم نلحظ أية خرجة رسمية إعلامية خصصت حصريا لما بات يعرف بأزمة معبر الكركرات ، إغلاق و قطع الطريق أمام الحركة التجارية المغربية نحو إفريقيا ، و من أولويات المسؤوليات الملقاة على عاتقه ، التطرق لموضوع الإغلاق مع أخذ التدابير اللازمة لوضع حد للإشكالية ، و ليس تجاهل أمر الإغلاق و هو الذي دأب على التغني بالمنجزات بلباقة و لغة سليمة دون تلعثم .

    و من مسؤوليته الأخلاقية و السياسية أيضا ، الإنكباب على شؤون مغاربة الدياسبورا و مشكل العالقين ، سواء ما تعلق منها بالعالقين في مختلف دول العالم بفعل تداعيات كورونا ، أو المحاصرين في معبر الكركرات .

    أظن و إن بعض الظن إثم ، كان عليه و الحاله هذه ، أن يستغل الفرصة و يوجه مقصه الذهبي من أجل إيجاد حل لمعاناة السائقين المهنيين المغاربة العالقين بموريتانيا الشقيقة بعدما تقطعت بهم السبل ( لا ماء لا غذاء بحسب تصريحاتهم التي تناقلتها مختلف وسائل التواصل الإجتماعي صورة و صوتا ) ، من خلال وقفتهم أمام سفارة المغرب بنواكشوط العاصمة الموريتانية ، و عدم التجاوب مع أبسط مطالب السائقين ، تعتبر وصمة عار في جبين ديبلوماسية البلد ، فمن المسؤول ؟ أكيد أنه لست أنا و لا أنتم زوار موقع الجديدة نيوز .

    وصمة تنضاف إلى السجل المغربي و طريقته في التعامل مع ما يختمر بالمنطقة ( مسيرة الكسابة بأخفنير نواحي كلميم/ المعطلون بالداخلة و كلميم و طنطان و العيون/ هجرة سرية لعوائل بكاملها نحو أرخبيل لاس بالماس/ نشاطات أميناتو حيدر و المتعاطفين معها/ إغلاق المعبر قرب الحدود الموريتانية لليوم السادس عشر على التوالي / البدئ التدريجي لتعمير المناطق جنوب الجدار المغربي من خلال إطلالة المعتصمين على الأطلسي و مدينة لكويرة ….) .

    مجمل أحداث تكتسي أهمية قصوى بحسب تقييمي قياسا بفتح القنصليات ، و طالما اننا لم نضع حد بعد لأزمة اغلاق المعبر ، يبقى فتح القنصليات أجوف بدون محتوى ، فإغلاق المعبر يكبد خزينة الدولة خسارة ترقى لأكثر من خمس المداخيل ( حوالي 22% من خزينة الدولة ) ، فضلا عن الخسائر السياسية ، و إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فضلا عن تداعيات كورونا … فتلك الطامة الكبرى .

    إستمرار إغلاق المعبر في بعده الجيوستراتيجي يعتبر انتكاسة للديبلوماسية المغربية ، حتى لو استعاض المغرب عن المعبر بمينائي الداخلة أو مهيريز او العيون ، هي الاخرى تعد انتكاسة سوف تؤدي بالضرورة الى نسيان المقص الذهبي و فتح القنصليات ، بالتالي يطرح السؤال عن القيمة المضافة لفتح التمثيليات ؟ .

    و في ظل تواصل إغلاق المنفذ البري الوحيد نحو العمق الإفريقي، إغلاق في حد ذاته خسارة استراتيجية ذات عواقب وخيمة على صورة البلد ، و في الجهة المقابلة هناك تكتيك مناسباتي و فتح للقنصليات ترويجي ، و شتان ما بين الإستراتيجية و التكتيك …! أي بما معناه ، خلاصة مقال نشر على الموقع منذ سنتين أو أكثر تحت عنوان ( سياسة لفراجة و سياسة البهرجة) .

    بالعودة إلى معكرات صفاء الديبلوماسية المغربية ، نية الخصم تقديم شكاوى لأسرتنا المؤسساتية الإتحاد الإفريقي ، شكاوى بالدول التي فتحت تمثيلياتها بالعيون و الداخلة بتهمة عدم احترام القانون التأسيسي للمنظمة القارية ، خرقها هذا قد يؤدي بها في نهاية المطاف إلى تغيير سلوكياتها اتقاء لعقوبات قد تفرض عليها من طرف الإتحاد الإفريقي .

    سيناريو تجميد ما قامت به و تغيير مواقفها جد متوقع ، لا سيما إذا علمنا أنها في مجملها دول فقيرة دون ثقل يذكر ، دول تابعة للنفوذ الفرانكوفوني بالقارة السمراء Pays Satellites ، بالتالي من السهل استقطابها من جديد أو لجم اندفاعتها و الدفع بها إلى احترام قوانين الإتحاد ….

    هذا ما يذكرنا بما قام به الخصم على الصعيد الأوروبي من خلال استصدار حكمين لمحكمة العدل الأوروبية تصب في صالحه ، و دون التطرق إلى مدى التزام الدول الأوروبية المستفيذة من الإتفاقيات الفلاحية و الصيد البحري المبرمة مع المغرب ، نود التركيز على تقلص عدد الدول الأوروبية المتضامنة مع الطرح المغربي ، فبعدما كان عددها يفوق سبعة دول تقلص العدد إلى دولتين هما فرنسا و إسبانيا ، و كلتى الدولتان لهما استثمارات كبيرة في النسيج الإقتصادي المغربي ، لا سيما في القطاع الفلاحي و الصناعي و الخدماتي ….

    بالتالي يصبح اصطفافهما و تضامنهما مع الحق المغربي مرهونا بضمان مصالحهما الإقتصادية ، و ليس تضامنا و اعتقادا بعدالة القضية ، و من السهل تغيير مواقفهما في حالة تعرض هذه المصالح للخطر ، إغلاق معبر الكركرات يمكن تفسيره من وجهة النظر هذه ، أي بما معناه ، إحساسهما بالخطر المحدق باستثماراتهما ( فرنسا في القطاع الفلاحي بالصحراء/ إسبانيا المستفيذة الأولى من اتفاقية الصيد البحري بمياه الصحراء ) .

    و في حالة استمرار إغلاق الشريان البري الوحيد في وجه الحركة التجارية عبر المغرب في اتجاه إفريقيا أو العكس ( صادرات السمك نحو أوروبا ضمن اتفاقية الصيد االبحري المبرمة بين السينغال و موريتانيا مع الإتحاد الأوروبي ) ، يصبح الوضع جد مكلف للشركات الأجنبية المستثمرة في القطاعين ، و هو ما يؤثر سلبا في مجمل التبادلات التجارية بين مختلف الفرقاء ( أفارقة و أوروبيون ) .

    كما تجدر الإشارة إلى أنه في ظل إغلاق المعبر ، انتعشت المبادلات التجارية بين موريتانيا و الجزائر عبر معبر تندوف شوم الذي دشن السنة الماضية ، و هذا ما يعطي الإنطباع بفقدان المغرب احتكاره للأسواق الموريتانية كأول مصدر للمواد الفلاحية (فواكه. خضر) ، لحساب انتعاش الصادرات الفلاحية الجزائرية التي أصبحت المورد الرئيسي لاحتياجات السوق الموريتاني ، الأمر الذي يقلص التبعية الموريتانية للمنتوج المغربي و في نفس الوقت يوثق العلاقات الثنائية بين الجانبين في كافة المجالات على حساب مصالح المغرب .

    من مؤشرات المخاطر المحدقة و التي من شأنها تصعيد في المواقف المعادية ، الإستفتاء الأخير على الدستور الجزائري الجديد ، و بالرغم من اختلاف القراءات بين مؤيد و معارض و مقاطع و نسبة المصوتين … يبقى الحدث واقعا سياسيا تجسد على أرض الواقع و تحصيل حاصل ، خطورته يستمدها من القطع مع سياسة التقوقع العسكري و السماح بإعادة التموضع و لعب أدوار خارج الحدود ، و هي إشارة واضحة إلى احتمالية توقيع معاهدات دفاع مشترك مع بعض مكونات الفضاء المغاربي و دول الساحل و الصحراء …

    زوار موقع الجديدة نيوز ، حقيقة تصدع جبهتنا الداخلية لا يتناطح بشأنها عنزان ، بالتالي هي حقيقة مجسدة تلضي بلهيبها مختلف شرائح المجتمع المغربي ، حيث يبدو البلد و كأنه في حرب أهلية ، أنى وليت وجهك فثمة هجرات سرية جماعية و وقفات و مسيرات و تذمر و سخط و غليان لم يستثن أحدا ( أحداث الأمس من أمام محكمة اليوسفية/ مسيرات العطش بالأطلس/ الكسابة نواحي كلميم / خرجات المتقاعدين و المحاربين القدامى … مثالا لا حصرا ) ، و رغم الكوارث و المعاناة و الأحزان ، لا زلنا نتغنى بالعام زين و تخوف أسبانيا من المغرب … تسويق أحلام موؤودة و زرع لأمل مفقود …

    قد يصفني البعض بالعدمي المتشائم الذي ينظر للكأس من جانبه الفارغ ، إلى هذا البعض أقول و أكرر ، بالله عليك أن تدلني على الجانب الوردي مما يقع بالوطن اليوم ….! فالواقعية و المنطق و البرغماتية يحثمون عليك تجنب العاطفة و وضع نظارات الرايبان الخضراء جانبا … إلى هنا أستودعكم ضاربا لكم موعدا في مقبل الأيام .

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى