مجرد رأي

الهروب الى الأمام

بقلم أبو ايوب
لمواجهة التحديات الخطيرة التي تعيشها اسرائيل في المستنقع الغزاوي ، لم يعد لها من خيار اليوم بعد تأكدها من استحالة تحقيق اي انتصار يذكر ، غير توسيع نطاق الحرب في محاولة لجر حزب الله اللبناني للانخراط المباشر ، من جهة لصرف الأنظار عن حرب غزة بعدما أعادت القضية الفلسطينية و وهجها الى صدارة الأحداث العالمية ، و ما اسفرت عنه من ضغوط دولية على اسرائيل لم يسبق لها مثيل ، و من جهة اخرى فتح جبهة الشمال في مواجهة حزب الله اللبناني الذي باث يشكل كابوسا يهدد وجودها ، حرب بهدف تصفية حسابات قديمة معه بما و قد تتوسع اكثر لتشمل ايران الداعمة و الممولة لكل فصائل المقاومة بفلسطين و العراق و سوريا و لبنان و اليمن ، في محاولة منها لتوريط أمريكا في حرب اقليمية تغطى المنطقة الشرق اوسطية و الخليج
اسرائيل اليوم او بالاحرى قادتها السياسيون و العسكريون ، يهدفون الى اشعال المنطقة برمتها رغم عجزهم في مستنقع غزة ، و ما التوغل المحدود و حصار مدينة غزة و عزل شمال القطاع عن جنوبه بما يوحي بالسيطرة ، الا محاولة يائسة لاسترجاع ما ضاع من غطرسة و جبروت و قوة ردع …لكنها تجرعت المرارة و لم تنجح بعد في مواجهة التحدي المقاوماتي ، و لا استطاعت التقليل من خسائرها البشرية و في الآليات العسكرية بمختلف انواعها ، خسائر لم يسلم منها ضابط قائد فرقة خاصة لاغتيال يحى السنوار فأمسى المطارد طريدا ، و الحصيلة الأولية منذ سابع اكتوبر ساعة انطلاق عملية طوفان الاقصى ، تفضح الرواية الاسرائيلية حيث بلغ عدد اسرى الحرب لدى المقاومة اكثر من 250 عسكري اسرائيلي من مختلف الرتب بينهم ضباط كبار ، فيما خسائر سلاح المدرعات و الدبابات و المدفعية تعدت 170 آلية ، فضلا عن مئات القتلى و الجرحى و المصابون بارتجاج دماغي..
حرب في حال اندلاعها لن تخدم سوى مصلحة نثنياهو و بايدن ، الاول متابع من طرف القضاء الاسرائيلي بتهمة الفساد المالي ، بالتالي هو ينظر للحرب كطوق نجاة للافلات من المحاكمة بمسوغ ان البلد في حرب ، فيما بايدن الغير راغب في حرب اقليمية رغم ما يعبر عنه من تهديد و وعيد في مناسبات عدة تشير الى العكس، لكنها تمثل له فرصة لم يحلم بها ليبقى هو و الحزب الديموقراطي على رأس الادارة الامريكية ، بالتالي التذرع بالحرب يعني تأجيل موعد الانتخابات الى ما بعد نهاية الحرب ، فرب ضارة نافعة رغم هول الفضائع و استمرار المأساة
في المقابل نجد ان المقاومة الغزاوية لم تستنفذ ما في جعبتها ، و كل ساعة و كل يوم تطالعنا الاخبار عما تسفر عنه العمليات الحربية من خسائر عسكرية في صفوف جيش تساحال ، ما يعطي الانطباع بأن المقاومة أعدت من العدة ما يمكنها من مواصلة حرب الاستنزاف لمدة طويلة ، صحيح ان اسرائيل تمكنت من فرض سيطرتها على بعض ما فوق الارض ، كما هو صحيح ايضا ان المقاومة تسيطر على باطنها و منه تباغث و تهاجم و تطلق الصواريخ و تنقض على الجنود و المدرعات ، رعب باطن الارض استنزف الجنود نفسيا و جسمانيا فانهارت المعنويات ، انهيار بلغ حد انعدام الجرأة على الخروج من الآليات مخافة الموت او الوقوع في الأسر ، بل ذهب بالبعض منهم الى وصف ما يعيشونه بالجحيم و كيف لا ، و هم الذين يعترفون بانهم يحاربون اشباح تظهر ثم تختفي
أما على صعيد الجبهة الشمالية التي حشدت فيها اسرائيل اكثر من 80.000 من جيشها بكامل عدته و عتاده ، بعدما قامت باخلاء المستوطنات بالجليل الاعلى قبالة الحدود الجنوبية للبنان ( 65.000 مستوطن تم اجلائهم نحو المناطق الساحلية الشرقية بالبحر الاحمر و مدينة ايلات مثال) ، تحسبا لاندلاع الحرب مع حزب الله اللبناني ، فاذا بالمستوطنين الهاربين من جحيم الشمال يقعون تحت رحمة صواريخ و مسيرات الجيش اليمني الذي اعلن الحرب على اسرائيل قبل ايام ، ما يعزز انخراط اليمن في الحرب بيانات البنتاغون و وزارة الدفاع الاسرائيلية ، التي تؤكد رغم التعتيم و الرقابة المفروضة على وسائل الاعلام ، بانها اعترضت صواريخ و مسيرات أطلقت من اليمن دون ذكر عددها تفاديا للاحراج ، و الحقيقة ان الكثير منها نجح في الوصول الى اهدافه ( قواعد عسكرية/ محيط مفاعل ديمونا النووي/ مدينة و ميناء إيلات )
أكيد ان اسرائيل لم تتمكن من تقييم ما لدى حزب الله اللبناني من قوة بشرية ذات تجربة قتالية و اسلحة حديثة و نوعية ، لكنها تعلم بوجود بعض منها كصواريخ بركان و زلزال التي تغطي مساحة اسرائيل ، و هي بالمناسبة صواريخ باليستية يتعدى مداها 800 كلم مجهزة برؤوس حربية دقيقة تزن ما بين 300 و 500 كلغ من المواد الشديدة الانفجار ، فيما نسبة الخطأ تقدر ب10 الى 30 متر ، و صواريخ كورنيت المعدلة ضد الدروع و الدبابات التي خبرت اسرائيل القوة التدميرية لجيلها الرابع ، و المسيرات الشبحية و انظمة تشويش على الاتصالات و الرادارات ، فضلا عن انظمة اختراق و برمجيات التحكم في مسار الصواريخ المعادية ، و قد راينا كيف تمكنت المقاومة من تحييد القبة الحديدية و تحويل مسار صواريخها نحو تل ابيب و عسقلان ..بدل اعتراض صواريخ اليمن و المقاومة بفلسطين و لبنان..
كما تجدر الاشارة الى ان حزب الله اللبناني يتوفر على احتياطي مهول من الصواريخ الدقيقة بمديات مختلفة ( من 40 الى 80 كلم ) ، بعض المصادر العسكرية ترجح رقم + 200 الف صاروخ من مختلف الاحجام ، فضلا عن انظمة دفاع جوي من نوع بانتسير الروسي ضد المسيرات و طائرات الهيليكوبتر و الطائرات الحربية التي تحلق على علو منخفض ، لكن اخطر ما لدى حزب الله صاروخ باخموت الروسي المضاد للبوارج و المدمرات و حاملات الطائرات ، صاروخ فرط صوتي جد دقيق يطير على علو ما بين 5 الى 15 مترا فوق سطح البحر بمدى 60 كلم ، من مميزاته رأسه التفجيري و صعوبة التقاطه راداريا لتدني طيرانه .
و هذا وحده كفيل باعطاء الانطباع ان من بين بنك اهداف الحزب ، استهداف الاسطول الامريكي بالابيض المتوسط قبالة سواحل لبنان و اسرائيل و جنوب مالطا ، كما ان الحزب يعلم جيدا ان امريكا هي التي تخطط و من تدير و تمول و تشارك بقوات المارينز و قوات ديلتا الخاصة في الحرب على المقاومة بغزة ، و في حال اندلعت الحرب مع لبنان فالاكيد ان الحزب سيوجه اسلحته نحو المدمرات و الفرقاطات و لم لا حاملات الطائرات باعتبارها مطارات عائمة ، استهدافها بهدف لجم امريكا و كلبها الوفي بريطانيا و ربيبتها اسرائيل ، سيناريو الحرب اصبح قاب قوسين و ادنى من الاشتعال ، و ما هي الا مسألة كبسة زر لمجنونين احدهما اصيب بانهيار عصبي و ارتجاج دماغي و الثاني اصيب بالباركينسون و الزهايمر و الخرف
لكن الحرب بتقديري لن تطول بالجزم و الايام بيننا ، و ذلك راجع لعدة اعتبارات اذكر منها امثلة حصرية :
– 1 امريكا أحست بعزلتها الدولية و مدى حجم الضغوط لا سيما ضغط الرأي العام و ما اسفر عنه من انقسامات و استقالات لم تسلم منها اي مؤسسة
– 2 عدم قدرتها على تحمل المسؤولية الاخلاقية و الانسانية لجرائم الحرب و الابادة الجماعية بغزة
– 3 عدم قدرتها على المجازفة بحرب ضد ايران و حزب الله و اليمن و قواتها و قواعدها المنتشرة بالعراق و سوريا و قطر و الامارات و البحرين تعيش بين فكي كماشة ضمن دائرة الاستهداف ( قاعدة الحرير شمال العراق و عين الاسد ضواحي بغداد و قاعدة التنف بسوريا مثال)
– 4 خشيتها من اغلاق المضائق ( هرمز بوابة الخليج/ باب المنذب بوابة البحر الاحمر/ قناة السويس مدخل الابيض المتوسط ) ، و ما يمثله الاغلاق من تأثير فضيع على الملاحة التجارية العالمية و صادرات النفط و الغاز …و ما يتولد عنه من ارتفاع اسعار التأمينات و السلع و المواد الغذائية و الطاقة…..
– 5 خوفها من مواجهة مفتوحة مع محور المقاومة في شموليته ، بخاصة القدرات الصاروخية لايران بعدما ذاقت طعمها من خلال اسقاط مفخرة المسيرات الامريكية ( RQ9 غلوبال هاوك و MQ9 ريبير ) ، فضلا عن استهداف قاعدة عين الاسد الامريكية بالعراق كرد اولي ايراني على اغتيال الجينرال قاسم سليماني بمخرج مطار بغداد ، ثم لعلمها بالخبرات القتالية العالية التي راكمها حزب الله اللبناني في حروبه ضد اسرائيل خاصة حرب 2006 و حرب سوريا 2011 الى اليوم ، فضلا عن الحوثيين باليمن في حربهم ضد قوات التحالف العربي التي شنت حربا بالوكالة
– 6 عدم قابلية الامريكي على مشاهدة توابيث الجنود و اعداد الجرحى او الأسرى ….لا سيما و ان صور فضائع العراق و افغانستان ، و قبلهما الفيتنام لا زالت راسخة في الذاكرة الجماعية للامريكيين و لم يبرأوا منها بعد
– 7 الاقتصاد الأمريكي و في ظل مخلفات الحرب الاوكرانية لن يستطيع تحمل تكلفة حرب استنزاف أخرى ، يعلم القادة بدايتها لكن يستحيل عليهم ربحها و حسم مصيرها ،و قد ثبث بالفعل استحالة انتصار جيش كلاسيكي مهما بلغت درجة قوته و تسليحه في مواجهة حرب العصابات ( حرب الفيتنام و افغانستان مثال )
قلت سابقا بقوس النار في اشارة الى تمدد محور المقاومة و تبدد حلف و ادواته الوظيفية ، و اليوم اقول بفتح ابواب جهنم و توسعة المستنقع الغزاوي بعدما هلت بوادر حرب بين اسرائيل و حزب الله اللبناني ، حرب لا سمح الله بحدوثها ستقصم ظهر البعير الامريكي و الاسرائيلي ، على الرغم من هول الدمار و الخراب الذي تخلفه بلبنان الذي يبدو ضعيفا ، لكنه كما عودنا بلد قوي في ضعفه كما يقال و التاريخ شاهد ( مئات قتلى المارينز بعد استهدافهم بفندق ماريوت ببيروت ثمانينيات القرن الماضي/ تحرير الجنوب اواخر التسعينيات و بداية الالفية الثانية/ حرب 2006 مثال)
كما انها ستخلف بكل تأكيد دمارا مروعا داخل اسرائيل ايضا ، فضلا عن خدش كبرياء و غرور العم سام عندما تصاب احدى قطعه البحرية بالابيض المتوسط ، بالتالي هي حرب تقليم اظافر و قص اجنحة و انهاء تواجد ،، و من يصرخ اولا يكون قد انهزم و ما احسبه الا الأمريكي ، لا سيما بعدما تبين للسواد الاعظم من دافعي الضرائب بان الحرب ليست حربهم ( تصدع الحاضنة الشعبية) ، و بان اللوبي اليهودي بأمريكا هو من يضغط و يحث على توريط امريكا ، و ما ارتفاع الاصوات المنددة و مظاهرات الشارع بما فيها احبار اليهود الذين يتبرأون مما تفعله اسرائيل ، الا خير دليل على صحوة ضمير تشبع من قبل بثقافة الاستهلاك و الماركوتينغ و اليوم استفاق ، فهل امست اسرائيل لعنة امريكا في العالم بعدما اصبح الكثيرون يرددونها على مسامع الجميع ؟

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى