مجرد رأي

انهيار الحلم الوجودي ….اسرائيل مثال

بقلم ابو أيوب
وثق التاريخ قيام دولة سرائيل سنة 1948 أو عام النكبة على ثلاث دعامات : الحماية ، الترهيب و سرعة الردع ، الاحتواء و التطبيع . هذا ما ميز مختلف توجهاتها السياسية و اسلوبها الوقح و تعاملها الفظ مع جيرانها العرب و بفلسطين…مقال اليوم نستعرض من خلاله مرتكزات وجودها على ضوء ما تعيشه منطقة الشرق الاوسط و العالم الذي يتغير بسرعة جنونية لم يعهدها من قبل ، تحولات جيوستراتيجية بكل ما تحمل الكلمة من معنى…. عود ثقابها اشتعل فجر السبت 7 اكتوبر 2023 و لا زال يكشف عن مزيد من المفاجئات أثرت بشكل فضيع على العلاقات الدولية ، كما وضعت على المحك مسؤولية المنتظم الدولي و قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحل الدولتين …فكان فجرا ميمونا فجر أسس الدعامات الثلاث
* الحماية
شغلها الشاغل استقطاب يهود الشتات و تجميعهم بفلسطين مع وعد توفير الحماية لهم ، و لانجاح المخطط كان لزاما عليها استغلال الدين ( أرض الميعاد و شعب الله المختار ) ايديولوجيا لدغدغة عواطف اليهود عبر العالم ، و قد قدمت لهم عدة حوافز مالية لتشجيعهم على الهجرة و الاستقرار بالوطن الموعود …..اليوم طوفان الاقصى هد الركيزة الاولى حيث بدت المستوطنات مقفرة بفعل الاستهذافات الصاروخية ….و ما تولد عن القصف المتواصل للاسبوع الثالث من خسائر بشرية و مادية ….، أدى الى نزوح جماعي للمستوطنين و رفضهم العودة الى حيث كانوا يعيشون بأمن و أمان ….فاكتشفوا ان دولتهم لم تعد قادرة على توفير الحماية لهم ….
* الترهيب و سرعة الردع
رواد تأسيس الدولة العبرية الأوائل كانوا عبارة عن تنظيمات ارهابية ( الهاغانا مثال) ، و قد عملوا على مساومة الفلسطينيين على اراضيهم ، و في نفس الوقت ترهيبهم بالقتل و الاغتيال و التهجير القسري …حيث كانوا يهجمون على القرى و التجمعات السكانية العربية ، و يرتكبون مجاز جماعية لمزيد من الترهيب لا سيما بعد قيام المحتل البريطاني بتسليحهم سرا و التغطية على جرائمهم ….اسلوب انتهجته اسرائيل حتى حدود حرب اكتوبر 73 التي شكلت انعطافة صادمة في تاريخها العسكري ، حيث ألفت الانتصار في حروبها السابقة ، فكانت هذه بداية تصدع الردع الاسرائيلي في مواجهاتها مع العرب .
لكن الانعطافة القاصمة التي شلت قوة الردع الاسرائيلي التي دأب على التبجح بها ..حرب تموز 2006 مع حزب الله اللبناني التي شكلت هزيمة مدوية تكبدت خلالها خسائر بشرية و مادية و معنوية ، وقتها تهاوت أسطورة الجيش الذي لا يقهر و مفخرة صناعاتها الحربية …فأمسى جنوب لبنان و ساحله بعد 33 يوما متواصلا من المعارك الضارية مقبرتين واحدة لدبابة ميركافا أرختها بلدة بنت جبيل ، و الثانية لبارجة ساعر بعدما شوهدت و هي تشتعل بعدما تم استهذافها بصاروخ ارض بحر …فيما فشلت القبة الحديدية في اعتراض صواريخ حزب الله اللبناني ، وعلى اثر الهزيمة شكلت لجنة برئاسة القاضي فينوغراد للنظر في اسباب و مسببات الهزيمة التي بقيت وصمة عار لا زالت تقض مواجع العقل العسكري الاسرائيلي و فواجع عقلها السياسي الى يومنا هذا
* الاحتواء و التطبيع
بعد هزيمة 2006 و في سعي منها الى القفز على تداعياتها و استخلاص العبر و الدروس ، كان لزاما عليها وخز الحلقة الأضعف في الاشكالية الشرق اوسطية بين الفينة و الاخرى( المقاومة الغزاوية ) ، بهدف استعادة جزء من هيبة افتقدتها فكان لا بد من معارك جانبية سواء من خلال اعتقال بعض الرموز بالضفة الغربية ، او القيام باغتيال بعض القادة و الشخصيات الغزاوية ، لكن تركيزها الاساسي تأسس على شن حروب صغيرة تارة مع حماس و اخرى مع الجهاد الاسلامي (2008/2011/2013 مثالا لا حصراقد .
حروب كانت في مجملها تهدف الى احتواء الدول العربية لا سيما الملكيات منها تمهيدا للدفع ببعضها الى التطبيع ، و قد توفقت بالفعل في نشر الايرانوفوبيا في المجموعة الخليجية ،كما استغلت بخبثها و مكرها المعهود خريف الجمهوريات العربية بداية 2011 ، بل ركبت على الاحداث و خططت و تورطت في توسيع رقعتها لتشمل الجمهوريات الوطنية الممانعة ( ليبيا و سوريا ) ، سعيا منها الى صرف الانظار عن قضية فلسطين و قلب البوصلة في اتجاه ايران بمسوغ الخطر الذي تشكله على العالم السني ، و قد نجحت بالفعل في زرع بذور التفرقة بين العالمين السني و الشيعي ، بتواطؤ سري و مكشوف من بعض الانظمة الخليجية على رأسها حامية الحرمين الشريفين ، ليتم فيما بعد توريط الأخيرة سنة 2015 في حرب اليمن القذرة بعدما ضمنت لها الصمت و السلاح الغربيين …فكان ما كان من مأساة و معاناة و جرائم حرب وقودها عرب و تمويلها عربي بتخطيط عبري غربي انهاكا لأمة المليار مسلم
الهدف من كل ما جرى من تدمير ليبيا و انهاك سوريا و تخريب اليمن ، تأمين سكة التطبيع عبر نهج تخويف ما تبقى من الشعوب العربية مما حصل من كوارث في الجمهوريات العربية ، و الاستفراد بكل دولة على حدة و استدراجها للتطبيع التدريجي مع تقديم اغراءات و حوافز و وعود ….في الوقت الذي استهذفت الشعوب الرافضة بنشر افكار هدامة و برامج تبخس الرموز الوطنية و تزدري دور الأم او المرأة في المجتمع….فكانت عينها بالأساس على فئة الشباب عنوان المستقبل ، اذ نشرت بينهم المثلية و المخذرات و اغاني الفحش و العراء و حياة الملاهي الى ان اصبح الامر جد طبيعي بذريعة التحرر من التقاليد و التحظر و التمدن ….
ثم فجأة تهاوى الحلم و اندثر تأثير المخذر على يد شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و قد بدلوا كثيرا ….فجر سبت سابع اكتوبر 2023 دق آخر مسمار في نعش ثلاثية الابعاد اسرائيل ، عملية طوفان الاقصى نعت الاتفاقية الابراهيمية الى مثواها الاخير غير مأسوف عليها ، طوفان أوقف التطبيع و ايقض المطبعين من غفلتهم و غبائهم و انهى استقوائهم بدون كيشوت دي لامانشا الشرق الاوسطي ، فأعاد الصراع العربي الاسرائيلي الى اصله الطبيعي بالرغم من العنتريات الأمريكية و أزلام العم سام
من نتائج عملية طوفان الأولى توحيد المسلمين سنة و شيعة فتوحدت الجبهات و تعددت ، بين شمال و جنوب اسرائيل غير مستثنية شرقها و غربها ، فيما نصيب امريكا لحدود الساعة أكثر من 12 هجوما على قواعدها بالعراق و سوريا ، و هجومين من الحوثيين باليمن السعيد الذي ارادوا محوه و ما استطاعوا ، اما في قطاع غزة بعدما تسللوا فوجؤوا ثم انسحبوا مخلفين ورائهم اشلاء بعضهم ، فأصبحت الحامية و المحمية بين السندان و المطرقة لا تنقصهما سوى المكنسة
ثاني النتائج ما تم تسريبه من معلومات استخباراتية لوكالة الاستخبارات الامريكية سي.آي.إي ، حول رفض السعودية عرضا امريكيا بارجاء مفاوضات التطبيع الى ما بعد انتهاء الحرب على غزة ، لكنها وضعت شرطا تعجيزيا من وجهة نظر اسرائيلية ، موافقة اسرائيل على حل الدولتين ضمن حدود 67 كما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية (11 قرارا لمجلس الامن الدولي) ، فيما معلومات أخرى تشير الى انقلاب خطير يعيشه حاليا الرأي العام الامريكي ، الذي بدأ يعي أكثر بالحقائق التاريخية و الحق الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة ، و ما يمثله هذا التغير المفاجئ من ضغوط اضافية على الرئيس بايدن و ادارته
اما ثالث النتائج ما جاء في خطاب جو بايدن الأخير الذي اقتنع مؤخرا و على مضض بحل الدولتين دون الاعلان عن ذلك مباشرة ، اذ اكتفى بلغة الغرب الحربائية الى التلميح و الاشارة الى هذا من خلال وصفه للوضع الراهن بالستاتيكو ، و هذا معناه بأن الوضع الذي كان قائما من قبل تحول الى اثر بعد عين
بالتالي من غير المستبعد ان نشهد على تحولات دراماتيكية في القرار الامريكي في المستقبل المنظور ، خاصة بعد بداية وصول رفاة الجنود الامريكيون في ظل تعالي الاصوات المنددة بالحرب الهمجية التي تقوم بها اسرائيل ، تلميح بايدن الى حل الدولتين في بعض فقرات خطابه الاخير كان مقصودا و متعمدا ، ليس خوفا من الأعراب و لا تخوفا على اسرائيل ، بل وجلا من اضطراد تلاشي القبضة الامريكية بالمنطقة على ضوء تمدد النفوذ الصيني الروسي الايراني بالخليج و الشرق الأوسط
بتحليلي للوضع الراهن و من خلال قرائتي للخطاب يمكنني الجزم ، بأن لا مصلحة لبايدن في اعلان حرب اقليمية قد تتطور لجهوية و من تم عالمية ستنخرط فيها روسيا و الصين ، و ان الوضع غير ملائم لعدة عوامل استعرض بعضا منها ، بايدن على مشارف انتخابات 2024 و امريكا لم تبرأ بعد من تداعيات كورونا و الحرب على اوكرانيا
التحولات الطارئة و المفاجئة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ( كولومبيا مثال) ، فضلا عما يحدث في القارة الافريقية و انحسار النفوذ الغربي سواء بدول الساحل و الصحراء ( فرنسا) او بجنوب القارة بكل من ناميبيا و جنوب افريقيا ( المانيا) ، وليس انتهاءا بما حصده من نكسات و صدمات في الشارع الاوروبي ، فيما مسك الختام تكشير انياب ايران و استعدادها للثأر ردا على اغتيال قاسم سليماني
و يبقى العنوان الابرز للضربة الصاعقة التي صعقت بها اسرائيل وجوديا ، طوفان الاقصى المستمر بلا هوادة و لا مهادنة حتى اقامة الدولة الفلسطينية ضمن الحدود المعترف بها أمميا ، طوفان الأقصى اسقط التطبيع و اربك الاحتواء فهد البنيان و اسرائيل لم تعد كما كانت ، و ان لا مفر لها ان ارادت العيش في أمن و أمان الا بالامتثال للقانون الدولي و الشرعية الدولية ، و في حال رفضها فمصيرها محسوم في نهاية المطاب بزوالها …أما الفلسطينيون ليس لهم ما يخشونه بعد الآن و عشقهم للشهادة اكثر بكثير من حبهم للحياة ( الفيلسوف و الخبير الصيني سن زو في كتابه ” فن الحرب” قال ، لا تغلق كل المنافد على عدوك كي لا يتحول الى مشروع انتحاري فتحوله يعني خسارتك ) .

عبد السلام حكار

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى