الواجهةمجرد رأي

تسريبات “مخدومة”

منقول

بقلم: توفيق بوعشرين

استيقظت هذا الصباح
وجدت عددًا كبيرًا من زملاء المهنة والمدونين يرسلون إليّ ثمار التسريب الأخير،
الذي لا أعرف مدى صحته، لأن الجهات الرسمية لم ترَ – كالعادة السيئة – ضرورة التواصل مع الرأي العام في ما يهمه، سوى متاخرة وبعد ان اصبح الموضوع شاغلا للرأي العام .

هي لا تتواصل إلا في الأمور التي تهم دعاية الحكومة، وكأن الشمس تشرق وتغيب فقط لأجل عيون هذه الحكومة ولعيون عزيزها …

عطب التواصل العمومي قديم،
وهو مرتبط بمفاهيم لا توجد في القاموس الرسمي للمغرب مثل: الرأي العام، الديمقراطية، المواطن، الحق في الوصول إلى المعلومة والقيمة التي تعطيها الدولة للبشر الذين يعيشون فوق هذه الرقعة التي تحكمها.

وجدت في علبة رسائلي وفي هاتفي ما يشبه “أوراق CNSS”،
على وزن “أوراق البنتاغون” للكبار، و”أوراق بنما” للصغار!

هي أوراق يُشتبه في أنها خرجت من أرشيف CNSS،
تتعلق بكتلة الأجور المصرح بها لأطر ومهندسين وتقنيين ولعموم الإجراء ، وتضم اللائحة أسماء شخصيات من القطاع الخاص ومن عالم البزنس/ ،
على رأسهم منير الماجدي الكاتب الخاص للملك بصفته( أجيرا) على راس الهولدينغ الملكيSiger …

وهو ما أثار كثيرًا من التعليقات وردود الفعل، وكلها تقريبًا سلبية وبعضها قاسٍ،
في بلادٍ الفقر فيها هو سيد الموقف…

لن أعلّق على مضمون هذه التسريبات.
لأن هناك شبهة أن الجزائر أو جهات أخرى وراءها.

وأنا شخصيًا ضد القرصنة وأعمال البلطجة الإلكترونية،
سواء لأهداف ديبلوماسية أو في صراع على النفوذ، أو لخلق ارتباك داخل الدول بواسطة الهاكرز الذين اصبحوا فاعلين دوليين في الصراعات الدولية والجيوسياسية والاستخباراتية “

العديد من الهجمات الإلكترونية التي تُنسب إلى ‘هاكرز مستقلين’ تكون غالبًا مدعومة من دول – مثل روسيا، الصين واسرائيل وكوريا الشمالية ودول غربية وشرقية – لتحقيق أهداف جيوسياسية، أو زرع الفوضى، أو سرقة أسرار صناعية وعسكرية او شخصية . .

نعم، أنا كصحافي مع الوصول إلى الوثائق السرية،
لكن عبر عمل صحافي استقصائي مهني،
هدفه: كشف الحقيقة، فضح الفساد، تجاوزات القانون، وتمكين المواطن من المعرفة والمحاسبة خاصة اتجاه الشخصيات العمومية التي تتقاضى أجوراً من جيوب دافعي الضرائب .

أما البلطجة الإلكترونية ونشر معطيات خاصة عن مواطنين كيف ما كانوا فقط لإرضاء آلة دعائية فاسدة ومتخلفة ،
فهذا مرفوض تمامًا في نظري

ننتقل إلى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،
والوزارة الوصية، وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات
التي حاول وزيرها التقليل من خطورة التسريب، واعتبره مجرد “معلومات عامة من مصادر مفتوحة”!

هذا الكلام لا يُقال إلا في حالتين: غباء أو استغباء.
وفي الحالتين، لا يليق أن يصدر عن وزير في حكومة.

هذه معطيات خاصة مشمولة بالسرية، ويحميها قانون حماية المعطيات الشخصية،
الذي صادق عليه البرلمان، وهناك مؤسسة يفترض أن تسهر على تطبيقه.
لكن، للأسف، الشخص المسؤول عن هذه الموسسة صامت ولا يقوم بمهامه،
خاصة حين تُمس حقوق المغاربة من جهات داخل السلطة لا تعبأ لا بحقوق إنسان، ولا بمعطيات خاصة، ولا بحرمة، ولا بكرامة أحد…

أجور المغاربة – باستثناء من يتقاضون أموالًا عامة –
تدخل ضمن المعطيات الشخصية المحمية قانونًا.

وإذا كان قراصنة (جزائريون أو “برطقيزيون”) قد وصلوا إليها بسهولة،
فهذا دليل على أن مؤسساتنا وإداراتنا العمومية مترهلة،
ولا تأخذ حقوق و خصوصية وكرامة المغاربة بجدية.

لذا، وجب مساءلة الحكومة أولًا،
والوزير ثانيًا،
والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثالثًا.

التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي فرصة للتقدم،
لكن في نفس الوقت، خطر يهدد الدول والأفراد.

قال ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، في 2012:

“الهجوم السيبراني الكبير قد يشل البنية التحتية للبلد: من الكهرباء إلى المصارف إلى المواصلات… هذا ليس سيناريو خيال علمي، بل تهديد حقيقي.

أما أجور المدراء السمينة في شركات خاصة، فهي قصة أخرى.
هذا أمر طبيعي وموجود في جل الدول.
ما دامت هذه الشركات لا تمس المال العام،
فالأمر خاضع لـ “العقد شريعة المتعاقدين”.

لكن في بلدٍ ينتشر فيه الفقر والتفاوت الصارخ في الدخل ، وتغيب فيه الثقافة الاقتصادية،
فالناس تقارن أجورها بأجور مدراء يربحون مليارات في السنة،
وهذه مقارنة لا معنى لها وان كانت مفهومة في بيئة تنتج من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية اكثر مما تنتج اي شيء …

المهم أن يؤدي صاحب الأجر السمين الضريبة على الدخل،
وأن يحترم ماله ومال الدولة.

“ما للدولة للدولة، وما للشخص للشخص”
على وزن قول المسيح عليه السلام:
“ما لله لله، وما لقيصر لقيصر”
حين سأله يهودي بمكر:
“يا عيسى، هل نعطي لقيصر الضرائب المفروضة علينا وهو وثني؟”
فرد عليه بالقول المأثور أعلاه.

والحديث بقية حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في نازلة الحال …يتبع .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى