.. ” دربالة ” السنوار …!!

مسرور المراكشي :
تمهيد :
حرب الرموز هي الحرب المنسية أو المسكوت عنها، لن تسمعوا الكلام عنها في كل قنوات الدنيا، رغم أن ضحاياها بالملايين فهي تمر في صمت، تصرف عليها الدول بسخاء حاتمي، سأتناول في هذا المقال أشكال و أنواع هذه الرموز، و أعطي أمثلة منها مع التركيز على الرموز الفلسطينية و الأوروبية، مع ذكر بعض الرموز المغربية و رموز عالمية أخرى، ثم نوضح رمزية القائد الشهيد السنوار صاحب “الدربالة” الرمز..!! وأختم بخلاصة أعرض من خلالها وجهة نظري..
الفقرة الأولى :
ـ صراع الرموز العالمي :
” الله يبليك بحب الجهاد حتى تلبس الدربالة، دربالة السنوار ما يلبسها من والى”، هذا الشعار كان يرفعه مناضلوا ( الإتحاد الوطني لطلبة المغرب)، في تسعينات القرن الماضي فقط ادخلت عليه تعديل بسيط، عودة إلى موضوع الرموز فهناك فعلا صراع يدور في الخفاء، بين دول الشمال أي الغرب الإمبريالي، ودول الجنوب أو المستعمرات سابقا، حيث تشتد المقاومة بعيدا عن ساحة الحرب المادية، التي تستعمل فيها قذائف الدبابات و قصف الطائرات والرصاص الحي، إنها حرب خفية تظهر في العلن لكن على شكل رموز ( SYMBOLES )، في هذه الحرب الرمزية تكون الغلبة، لمن يسيطر رمزه عالمياً ويستمر في الزمان والمكان، ولا يستطيع الإحتلال طمس الرمز أو إخفائه، مثلا هناك رمز قبعة الثائر الأممي ( أرنستو تشي جيفارا)، التي جابت العالم شرقا و غربا و شمالا و جنوبا، ولا زال الرمز” القبعة” حيا رغم اغتيال صاحبها (قبعة سوداء بنجمة حمراء)، التي تعبر عن الكفاح المسلح ضد الإمبريالية، وهناك رمز في فن الكاريكاتير “حظلة “، أيقونة النضال الساخر ضد الإحتلال الصهيوني، للفنان المبدع الشهيد ناجي العلي، الذي اغتاله الموساد في لندن بعملية إرهابية جبانة، وذلك من أجل كسر ريشة الفنان المناضل و تغييب الرمز ( حنظلة)، لكن لسوء حظ الإحتلال لازال الرمز حيا و سيبقى رغم تصفية صاحبه، واليوم تنطلق سفينة من إيطاليا لكسر الحصار عن غزه تحت إسم الرمز “حنظلة”، كما أن الكوفية الفلسطينية اليوم تعد رمز الكفاح ضد المحتل، يرتديها الأجانب في لندن وباريس و واشنطن، وكل معارض للعولمة و الهيمنة الامريكية، وهي من الرموز المزعجة للكيان الصهيوني و حلفاؤه، لقد كان في القرن الماضي علم الإتحاد السوفييتي الأحمر، المكون من “المطرقة والمنجل” رمز العمال في الأممية الإشتراكية، يرفعه تيار اليسار في كل دول العالم، وذلك في مواجهة الإمبريالية بقيادة أمريكا، وكذلك اليوم أصبح علم فلسطين رمزا عالميا في الكفاح ضد الصهيونية، متفوقا على رمز “المطرقة والمنجل” في الإنتشار، لأن هذا الأخير كان رمزا يخص اليسار وحده، بينما العلم الفلسطيني يرفعه الجميع إنه رمز الإنسانية المعادية للظلم و الغطرسة، مع الأسف الشديد هذا العلم يحارب من ذوي القربى، لا يسمح
في بعض الدول الخليجية المطبعة برفع العلم الفلسطيني..!! وقد يسمح ويرحب فيها برفع علم الصهاينة… حلل يا ادويري..!! كما يقول المغاربة : ( واش هادو معانا ولا مع غانا..)
الفقرة الثانية :
ـ السنوار يزعج المحتل برمزيته :
عودة لدربالة القائد الشهيد السنوار، التي غدت رمزا للكفاح المسلح ضد المحتل، قال عنها الخبراء إنها تشوش على كمرات المراقبة للذكاء الإصطناعي، لكنني أرى فيها كذلك رمزا سيستمر لسنين طويلة إن شاء الله، يقض مضاجع المحتل فكل من يرتديها يذكره بهزيمة 7 من اكتوبر الإستراتيجية، وهكذا قهر السنوار العدو حيا بقتاله، وميتا برمزيته التي أصبحت نبراسا يضيء طريق الكفاح المسلح، والدربالة عند أهل المغرب هي لباس بسيط، يرتديه الفقراء والمساكين و الزهاد وقد تكون فيه رقع، وعند أهل المشرق هي العباءة لكن يجب أن تكون قديمة و مهلهلة، فالدربالة على كل حال ليست للزينة و التباهي، بل هي لباس لمن طلق الدنيا وزينتها وجعلها وراء ظهره، و رغب في ما عند الله تعالى من نعيم الجنان، و الدربالة بهذا المفهوم المغربي هي المقصودة هنا، لا أظن أن حكاية القائد الشهيد السنوار مع العدو قد انتهت، حتى بعد تصفيته وهو مقبل غير مدبر، نعم قد غاب الجسد وبقية الدربالة الرمز تتجول بين الركام، لقد اسعدتني لقطة من عمليات المقاومة في غزة، عندما رأيت شباب من مجاهدي القسام يضعون دربالة السنوار، أثناء هجومهم على جنود الاحتلال و الإشتباك معهم من مسافة الصفر، عندها قلت مع نفسي، إن عمر الدربالة سيكون أطول من عمر الإحتلال نفسه، في رأيي أن العدو قد أصيب بإحباط شديد، بعد ظهور دربالة السنوار في ساحة المعركة من جديد، وهي تتنقل بخفة بين الركام كأنها شبح قادم من وراء الشمس، وهي كذلك فزاعة تقض مضجعه و تخطف النوم من عينيه، نقول في ختام حديثنا عن القائد الشهيد السنوار : ( الله يبليك بحب الجهاد حتى تلبس الدربالة، دربالة السنوار ما يلبسها من والى..)
خلاصة :
في رأيي أن الغرب الصليبي تحت قيادة أمريكا، قد استطاع فعلا تسويق بعض رموزه بنجاح، وذلك بعد صرف ملايير الدولارات في ميدان الأعلام والسينما، و بذل مجهود جبار منذ عقود لتصبح هذه الرموز واقعا ملموسا، كما قاموا بالضغط على الأنظمة العربية والإسلامية لتبنيها، ولكم بعض الأمثلة : عملة الدولار ” الرمز ” حيث فرضته أمريكا وجعلته مقياس الثراء و الغنى والمعاملات، و دمية أزياء ( باربي ) التي صارت رمزا يقلده أطفال العالم، و مقياسا للجمال الغربي و تفوقه العرقي، ورموز شيطانية غريبة للماسونية ( عين المسيح الدجال ) مع أشكال هندسية، ورموز المثليين ( ألوان قوس قزح)، و الرمز الذي يحدد الذكر من الأنثى، حتى رمز دخول المرافق الصحية الذي يحدد مكان الذكور و الإناث..!!، كما أن المغاربة حاولوا تسويق شخصية ( احديدان لحرامي )، كرمز للحيل و الدهاء يوازي رمزية جحا في المشرق، و حاولوا كذلك تسويق شخصية ( بابا عيشور )، الذي يوزع الحلوى و قريشلات على الأطفال، وبذلك يصبح رمزا يوازي رمزية ( بابا نويل) عند النصارى، إضافة إلى الصراع الطريف بيننا وبين الأشقاء الجزائريين، حول الزليج والقفطان و الطاجين ( يخرݣوه ) اعلى اعمرهم بزوج إن شاء الله، لكن العجيب هو دخول غزة على خط صراع الرموز العالمي، حيث استطاعت تكريس عدة رموز في ظرف وجيز، وأصبحت رموزا عالمية : الكوفية ـ العلم ـ حنظلة ـ دربالة السنوار…، صحيح أن شعب غزة لم ينفق دولارا واحدا لتسويق هذه الرموز، لكنه سطرها بالدماء والدموع و الألم و صرخات النساء و الأطفال، لتصبح اليوم رموزا شامخة عجز الغرب عن طمسها أو محوها، ستضل تصرخ في وجهه وتذكره بهزائمه وجرائمه، و سيذكر التاريخ هذه الرموز بكل فخر و اعتزاز، لسنين طويلة بعد خروج المحتل طبعا من فلسطين كل فلسطين… يرونه بعيدا و نراه قريبا.. ولا عزاء للخونة المطبعين المتواطئين في الإبادة الجماعية، ( والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون..)





