الواجهة

دور الشباب في المغرب الوضعية الراهنة، التحديات ،والحاجة إلى التجديد في السياسات العمومية.

بقلم المصطفى الهيبة: فاعل جمعوي و مهتم بقضايا الشأن المدني.

تعتبر فئة الشباب إحدى الركائز الأساسية لأي مشروع تنموي، بحكم ثقلها الديموغرافي ودورها الحيوي في الدينامية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
في المغرب، شكلت دور الشباب منذ عقود فضاءً أساسياً للتأطير والتنشئة، إذ أُنيط بها دور استقبال الطاقات الشابة و احتضان الأنشطة الثقافية والفنية، وتطوير الكفاءات عبر برامج تكوينية وترفيهية.
غير أن هذه المؤسسات، التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، أصبحت اليوم موضوع نقاش واسع بسبب تراجع أدوارها وضعف جاذبيتها، في ظل تحولات اجتماعية ورقمية عميقة لم تُواكبها السياسات العمومية بالسرعة والنجاعة المطلوبة.
*الدور التاريخي لدور الشباب:
منذ استقلال المغرب، لعبت دور الشباب دوراً محورياً في:
-التأطير التربوي و الثقافي والفني:
تنظيم عروض مسرحية، موسيقية، وأنشطة تربوية.
-التنشئة المدنية والسياسية:
تكوين أجيال منخرطة في العمل الجمعوي والحزبي.
-احتضان الجمعيات المحلية:
توفير فضاءات للنقاش والتطوع وتنفيذ البرامج التربوية.
هذا الدور جعل من دار الشباب مؤسسة عمومية جماهيرية بامتياز، شكلت مرجعا في الحياة الثقافية والاجتماعية للمجتمعات المحلية.
*مظاهر الأزمة الراهنة في دور الشباب:
-ضعف التجهيزات والبنيات التحتية:
رغم كثرتها على مستوى التراب الوطني، فإن عددا مهما من هذه المؤسسات يعاني من اهتراء البنايات، غياب الصيانة، وعدم تكييف الفضاءات مع حاجيات الشباب المعاصر (قاعات رقمية، مكتبات رقمية، استوديوهات إبداعية…).
-تراجع الموارد البشرية والتأطير:
المؤطرون داخل دور الشباب يعانون من نقص عددي واضح وصلت الى حد الاعتماد على أعوان تابعة للجماعات الترابية او اعوان عرضيين او اعوان حراسة لتسييرها في بعض المناطق ، فضلاً عن محدودية التكوين المستمر، وهو ما يجعل المؤسسات عاجزة عن تقديم برامج نوعية وجاذبة.
-برمجة موسمية متجاوزة:
لا تزال غالبية الأنشطة تتمحور حول المخيمات الصيفية وبعض الورشات التقليدية، في حين يغيب الاستثمار الحقيقي في التكوين المهني، المهارات الرقمية، أو الأنشطة المبتكرة و التداول في النقاشات العمومية و التكوين في مجال المشاركات المواطنة التي تلبي حاجيات الشباب و تجعلهم منخرطين في الشأن العام بإيجابية.
-غياب العدالة المجالية:
الفوارق كبيرة بين دور الشباب في المدن الكبرى التي تتوفر على بعض الموارد، وبين تلك الموجودة في المناطق القروية أو الهامشية التي تعاني من تهميش واضح لا في التاطير و لا في التجهيزات و لا في البرامج.
-التباري غير الشفاف على استغلال الفضاءات:
كثير من الجمعيات تشتكي من غياب معايير واضحة وشفافة في توزيع أحقية استغلال قاعات وأنشطة دور الشباب، ما يؤدي إلى احتكار بعض الفاعلين المحليين لهذه الفضاءات دون غيرهم مما يشكل عائقا للتنوع و التغيير و الاستزادة.
*إشكالات العرض الوطني لتنشيط دور الشباب:
طرحت وزارة الشباب والثقافة والتواصل ما يعرف بـالعرض الوطني لتنشيط دور الشباب باعتباره آلية لتجويد البرمجة عبر فتح المجال أمام الجمعيات لتقديم مشاريع وأنشطة داخل هذه المؤسسات.
ورغم الطابع التحديثي المعلن لهذه المبادرة، إلا أنها تطرح عدة إشكالات:
-تخلي الوزارة عن التأطير المباشر:
بدلا من أن تضطلع الوزارة بدور الفاعل الأساسي في وضع البرمجة وتوجيه الأنشطة، أصبحت تعتمد على الجمعيات، وهو ما قلص من حضورها الفعلي كمؤطر للشباب.
-إقحام الجمعيات في إطار التباري:
تم فتح باب المنافسة أمام الجمعيات لتقديم مشاريع، لكن غياب آليات شفافة في التقييم والانتقاء أفرز حالات احتكار لبعض الفاعلين المحليين دون ضمان تكافؤ الفرص.
-إضعاف الوظيفة العمومية لدور الشباب:
تحولت هذه المؤسسات من فضاءات عمومية مفتوحة في خدمة الجميع، إلى فضاءات يدار جزء كبير من نشاطها عبر مبادرات جمعوية انتقائية.
-محدودية الاستدامة:
غالبية الأنشطة المقدمة من طرف الجمعيات موسمية أو محدودة في الزمن، ولا تؤسس لمسارات تكوين متكاملة أو برامج طويلة المدى لفئتي الطفولة و الشباب.
-خطر تفريغ المؤسسات من هويتها الأصلية:
انحصر دور الوزارة في توفير البنايات دون تحمل مسؤولية فعلية في التأطير والتوجيه، مما جعل دار الشباب تبدو وكأنها قاعة للكراء أكثر منها مؤسسة عمومية ذات رسالة وطنية.
*تحليل السياسات العمومية للوزارة:
*سياسات متجاوزة:
الوزارة ما زالت تعتمد مقاربات تقليدية في التعاطي مع الطفولةو الشباب، تركز على الكمّ أكثر من الكيف، وتعيد إنتاج نفس البرامج القديمة دون تطوير محتوياتها رغم العديد من المحاولات.
-ضعف الرؤية الاستراتيجية:
رغم إعلان الوزارة عن استراتيجيات وطنية للشباب، إلا أن التنفيذ يبقى محدودا، حيث تغيب آليات تقييم ومؤشرات لقياس الأثر على المستفيدين.
-تداخل الاختصاصات وغياب التنسيق:
ملف الشباب يهم وزارات متعددة (التشغيل، التعليم، الثقافة…)، لكن غياب تنسيق فعال يؤدي إلى تشتت الجهود وتكرار المبادرات و ضياع فرص العمل المندمج بين الكل.
-إشكالية التمويل:
تعاني الوزارة من ضعف الميزانية المخصصة لدور الشباب مقارنة بحجم التحديات مما ينعكس على البنيات و الموارد البشرية والبرامج.
-غياب انفتاح حقيقي على تحولات الشباب:
الوزارة لم تطور بعد سياساتها و التي من المفترض أن تستجيب للجيل الرقمي الجديد، ولا تدمج بشكل كاف غايات الابتكار وريادة الأعمال والأنشطة التكنولوجية في برامج دور الشباب.
*التداعيات:
-فقدان الثقة بين الشباب والمؤسسات الرسمية.
-بروز عزوف عن المشاركة في البرامج العمومية مقابل انخراط في فضاءات بديلة (المجال الرقمي، المبادرات غير الرسمية،منصات التواصل الاجتماعي).
-تهميش الطاقات الإبداعية وهدر فرص تنموية حقيقية وسط الطفولة و الشباب.
-تحول دور الشباب من فضاءات للتأطير إلى بنايات شبه مهجورة أو فضاءات موسمية النشاط، أو مؤسسات في حالة جمود.
*نحو إعادة تأهيل دور الشباب:
-تأهيل البنيات:
تجديد الفضاءات وتكييفها مع متطلبات العصر (قاعات إعلاميات، فضاءات ريادة الأعمال، مكتبات رقمية، فضاءات العمل الحر ، فضاءات التلاقي الحر ،فضاءات النقاش العمومي،مختبرات،فضاءات الابتكار…).
-تكوين الموارد البشرية:
الاستثمار في العنصر البشري المؤطر عبر برامج تكوين مستمر و إعطاء لمعهد مولاي رشيد المساحات الأكبر في التأطير و التكوين.
-تنويع العرض التكويني:
الانتقال من أنشطة موسمية إلى برامج مستمرة تشمل المهارات الرقمية، المقاولة، واللغات.
اعتماد الشفافية في التدبير:
وضع معايير واضحة لتوزيع الفضاءات والدعم على الجمعيات.
-إشراك الشباب في القرار:
إنشاء مجالس شبابية استشارية على مستوى دور الشباب لتحديد البرمجة.
-اعتماد مقاربة مندمجة:
تنسيق عمل الوزارة مع باقي القطاعات (التشغيل، التربية، الثقافة، الاقتصاد).
إن أزمة دور الشباب هي انعكاس لأزمة السياسة العمومية الموجهة للشباب في المغرب.
فالوزارة بتخليها عن التأطير المباشر واعتمادها على العرض الوطني للتنشيط أدخلت الجمعيات في صلب التدبير، لكنها لم توفر آليات فعالة للشفافية والجودة.
النتيجة أن هذه المؤسسات لم تعد تحقق أهدافها الأصلية كفضاءات عمومية للتأطير والمواكبة.
إن أي إصلاح جاد يستوجب استعادة الوزارة لدورها القيادي في التأطير، مع تحديث البنيات والبرامج بشكل ينسجم مع تطلعات الجيل الجديد الذي أصبح مسلوبا من منصات أخرى غير مأطرةأنتجت منه فردا مسلوخ الهوية مبتور الفكر مهزوز القناعات كان آخرها الاحتجاجات الأخيرة.
المراجع:
*وزارة الشباب والثقافة والتواصل، الاستراتيجية الوطنية للشباب، تقارير رسمية.
*مجلس النواب المغربي، تقارير اللجان حول وضعية البنيات التحتية لدور الشباب وتوزيعها المجالي.
*وكالة المغرب العربي للأنباء، مقالات تحليلية حول أنشطة وبرامج الوزارة.
*دراسات مؤسسة فريدريش إيبرت (FES) بالمغرب، الشباب والتحولات الاجتماعية والسياسية.
*تقارير إعلامية دولية: Reuters, AP News، حول احتجاجات الشباب والتحولات الرقمية في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى