24 ساعةالواجهةجرائم وحوادث وقضايا

عقود إلكترونية مزيّفة واستغلال ممنهج: التلاعب بمنصة “قوى” واتجار بالبشر في قطاعات العمل الأنثوي

عقود إلكترونية مزيّفة واستغلال ممنهج: التلاعب بمنصة "قوى" واتجار بالبشر في قطاعات العمل الأنثوي

رغم الجهود الجبارة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في سبيل تنظيم سوق العمل وحماية حقوق الوافدين، إلا أن واقع بعض العاملات الأجنبيات في المنازل وقطاعات الحلاقة والتجميل يكشف عن ممارسات خطيرة يقوم بها بعض الكفلاء وأصحاب العمل، تصل إلى حد الاتجار بالبشر، مستغلين الثغرات في الأنظمة الإلكترونية، وعلى رأسها منصة “قوى”.

أُنشئت منصة “قوى” كأداة حديثة لتوثيق عقود العمل إلكترونيًا بين أصحاب الأعمال والعاملين، بهدف تعزيز الشفافية والعدالة في سوق العمل. ومع ذلك، تحوّلت هذه المنصة لدى بعض الكفلاء إلى أداة للتزوير والتلاعب، من خلال:

  • إنشاء عقود وهمية بأجور غير حقيقية، تختلف كليًا عن ما يُتفق عليه شفهيًا مع العاملة أو العامل.

  • تسجيل وظائف صورية لأغراض التهرب الضريبي، حيث يتم التصريح بأجور أقل أو بمسميات لا تعكس الواقع الفعلي لطبيعة العمل.

  • استغلال تأشيرات الزيارة لجلب أجانب، خصوصًا نساء، للعمل بشكل غير قانوني كخادمات أو موظفات تجميل، دون توثيق عقود، وبالتالي التهرب من الرسوم النظامية للدولة وحرمان العمالة من حقوقهم الأساسية.

لا يقتصر الاستغلال على عاملات المنازل، بل يمتد ليشمل العاملات في صالونات التجميل والحلاقة، حيث تشير شهادات لوافدات من الفلبين، إندونيسيا، كينيا، الهند، وبنغلاديش إلى:

  • العمل لساعات طويلة تفوق ما يُسمح به قانونًا، دون أجر إضافي.

  • غياب أي توثيق رسمي للعقد أو الحقوق.

  • الاحتجاز داخل أماكن العمل، وسحب جوازات السفر.

  • التهديد بالإبلاغ عن “الهروب” أو تلفيق تهم جنائية في حال محاولة المطالبة بالحقوق أو المغادرة.

هذه الممارسات تنطبق بشكل واضح مع تعريف الاتجار بالبشر في القوانين الدولية، الذي يشمل كل استغلال يتم تحت التهديد أو الخداع أو استغلال حالة ضعف، ويُجرَّم بموجب الأنظمة السعودية والدولية.

من أبرز أشكال التحايل المنتشرة، استقدام أجانب عبر تأشيرات زيارة ثم تشغيلهم كعمالة منزلية أو في الصالونات، وهو أمر غير قانوني، يهدف إلى:

  • التحايل على رسوم الإقامة والتأمين والضرائب.

  • حرمان العمالة من الحماية القانونية التي توفرها العقود الموثقة عبر المنصات الرسمية.

  • استغلال الحاجة المادية للوافدين للعمل في ظروف غير إنسانية، بلا توثيق أو ضمانات.

حين تُطالب العاملة أو الموظفة الأجنبية بحقوقها، تجد نفسها في مواجهة سلاح مشغّلها الأقوى: التهديد والترهيب. في حالات كثيرة، يُلجأ إلى:

  • تلفيق تهم مثل السرقة أو الهروب.

  • إبلاغ السلطات عن “مخالفات” مفبركة.

  • قطع التواصل مع الخارج، أو النقل الإجباري لمكان عمل آخر دون رضا.

في ظل هذا الواقع، تَخشَى الكثيرات من الإبلاغ أو اللجوء للجهات المختصة، خشية العقاب أو الترحيل، ما يجعل استغلالهن سهلًا ومنفلتًا من المحاسبة.

لا يمكن إنكار أن الحكومة السعودية تبذل جهودًا ملموسة في هذا الملف، عبر:

  • تحديث الأنظمة والمنصات مثل “قوى” و”مساند”.

  • فرض العقوبات على المخالفين.

  • تعزيز حقوق العمالة الأجنبية من خلال حملات توعية وقنوات شكاوى.

إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في:

  • التطبيق الصارم والعادل على جميع الكفلاء.

  • مراقبة العقود الإلكترونية فعليًا، وليس فقط أرشفتها.

  • تتبع حالات الاستقدام المشبوهة عبر فيزا الزيارة.

  • حماية المبلغات من الانتقام، وتأمين ملاذات آمنة لهن.

  • تشديد الرقابة على صالونات التجميل والمنازل، التي تُعد من أكثر البيئات التي يصعب تفتيشها بشكل دوري.

في ظل رؤية المملكة 2030، التي تضع كرامة الإنسان وتمكين المرأة وحماية الوافدين ضمن أولوياتها، فإن محاربة التلاعب بالعقود الإلكترونية والاتجار بالبشر لم تعد قضية فرعية، بل تحدٍ أخلاقي وقانوني يتطلب التعامل معه بصرامة.

السكوت عن هذه الانتهاكات يُهدد سمعة البلاد، ويضرب في صميم العدالة الاجتماعية التي تسعى القيادة السعودية لترسيخها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى