قرأت لكم

فلسطين ليست جواز سفر سياسي ولا صك غفران لنفاقكم

قلوبنا تنزف لما يحدث في فلسطين، في غزة، في رفح، حيث الدم يسفك والأرض تدنس، وقد عبرت مرارا عن موقفي الرافض لكل أشكال الإبادة والاحتلال، ولا أحتاج شهادة من أحد في هذا الباب؛ لكن، لا بد من قول ما يجب أن يقال : أنا لست هنا لأكرر البكائيات ولا لأزيد صفا في مسيرة، بل جئت أرفع القناع عن أولئك الذين اتخذوا من فلسطين معبر طموحاتهم ومطية لمصالحهم الضيقة.

بعض أشباه الحقوقيين والسياسيين في المغرب لم ينصروا فلسطين حبا في أهلها، بل استغلوا جراحها لتبييض خطابهم وتلميع وجوههم، بينما يمارسون أبشع صور التواطؤ مع خصوم وطنهم. يصرخون ضد الاحتلال الصهيوني، لكنهم يصمتون كالأصنام أمام الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية، ينددون بمجازر غزة، لكنهم يتلعثمون أمام خريطة المغرب المجتزأة، ويتهربون من إعلان دعم صريح لوحدة أراضيه. يرفعون رايات الكرامة حين تريحهم، ويطأطئون رؤوسهم حين تمس سيادة وطنهم.

هؤلاء لا يناضلون، بل يتاجرون. يتحدثون باسم “حقوق الشعوب”، لكنهم لا يرون الشعب المغربي حين يطعن في وحدته. يختبئون خلف شعارات المقاومة ليبرروا صمتهم المشين، بل خيانتهم المقنعة. يريدون من فلسطين أن تكون حصان طروادة، يدخلون به إلى كل قضية لا تخصهم ، ويمررون عبره أجندات انفصالية، أو حسابات أيديولوجية مريضة، أو ولاءات لمنظمات لم تصنعها أرضنا ولا تعترف بحدودها.

قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم”. فأين القسط حين تتحول فلسطين إلى صك نفاق؟ وأين الشهادة حين يغض الطرف عن احتلال قائم منذ قرون لأرض مغربية؟ بل أين الأخلاق حين ينكر بعضهم حق شعبهم في السيادة والوحدة، بدعوى دعم “حق تقرير المصير” في الجنوب المغربي، بينما هم أول من يلعن نفس المبدأ حين يخص العدو الإسرائيلي؟

لا أحد يحتكر النضال، ولا أحد يملك توكيل الدفاع عن فلسطين. ومن لا يملك الجرأة للدفاع عن وطنه، لا يملك شرعية الحديث عن أوطان الآخرين. قال تعالى: “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”.

كفى متاجرة بالقضية الفلسطينية. كفى استغلالا لدماء الأبرياء في رفح لتلميع شعاراتكم المستهلكة. من يريد أن يدافع عن فلسطين فليفعل ذلك بصدق، لا أن يجعل منها غلافا لأجندة خفية أو منصة لتمرير صفقات خيانة للوطن.

فلسطين ليست لكم وحدكم، بل لكل العرب والمسلمين، لكنها ليست سلعة ولا بطاقة عبور لمعارككم الصغيرة. فلسطين لا تحمي الجبناء ولا تبرئ الخونة. ومن خان وطنه، لا ينتظر منه إلا أن يخون أوطان غيره.

الحق لا يتجزأ… والولاء لا يؤجر .

د. يوسف الادريسي الحسني
رئيس الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الانسان -باريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى