الواجهةمجتمعمنوعات

قصة حقيقية

السلام عليكم جميعا،
أهلا صديقاتي وأصدقائي، لم أكتب قصة منذ مدة طويلة، وقد تلقيت العديد من الرسائل من بعض الصديقات والأصدقاء يدعونني فيها إلى الكتابة. فقررت اليوم أن أطل عليكم بحكاية جديدة عايشتها والتي تركت أثرا في نفسي، كسابقاتها من القصص التي رويتها لكم.
تعود قصة اليوم إلى آخر السنوات التي اشتغلت فيها كأستاذة في القسم، وبالتالي فقد حدثت في آخر مؤسسة عملت بها بالدار البيضاء. في أحد الأيام العادية، وقبل الذهاب إلى المدرسة، تلقيت اتصالا هاتفيا من أحد تلاميذي الذين درّستهم في المجموعة المدرسية الأولى التي اشتغلت بها في نواحي إمنتانوت. (ما زال التواصل قائما بيننا حتى يومنا هذا، ومع تلاميذ آخرين أيضا، مما يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز.)
كان هذا التلميذ، الذي يعمل حاليا في الدار البيضاء، نشيطا في العمل مع الجمعيات الخيرية. أخبرني خلال المكالمة أن جمعية فرنسية يتواصل معها سترسل طبيبا تركيا إلى المغرب للكشف عن الحالات المرضية المصابة بتشمع الكبد مجانا في إحدى المصحات الكبرى بمدينة الدار البيضاء، كما ستتكفل الجمعية بالعمليات الجراحية الخاصة بالحالات الخطيرة. كان اتصاله من جهة لإخباري بالأمر، ومن جهة أخرى ليستفسر عما إذا كنت أعرف أي حالة تعاني من هذا المرض لكي أبلغها بذلك. أخبرته أنني لا أعرف أي حالة، لكنني وعدته بأن أنشر الخبر بين زملائي، وعائلتي، وجيراني حتى يصل إلى من هم في حاجة إليه.
في الزوال، ذهبت إلى عملي كالمعتاد، وعند دخولي إلى القسم لاحظت حضور التلميذة ليلى بعد غياب دام أربعة أيام. ناديتها حتى أتت إلي، ثم سألتها عن سبب غيابها، فأجابتني أن والدتها مريضة وأنها كانت في المستشفى، وكان عليها أن تبقى مع جدتها المريضة في المنزل أثناء غياب أمها. قلت لها: “يجب أن تحضري والدك أو والدتك غدا لأتحدث معهما بشأن غياباتك المتكررة”. لكنها أخبرتني أن والدها لا يستطيع المجيء لأنه يعمل في مكان بعيد طيلة اليوم، وأن أمها أيضا لا تستطيع الحضور بسبب مرضها. أكدت عليها ضرورة إحضار ولي أمرها في اليوم التالي، وإلا فلن يسمح لها بدخول القسم. شددت عليها لأن تغيّبها المتكرر في الأيام الأخيرة أقلقني، وخشيت أن يكون غيابها بغير علم والديها، فقد سبق لي أن واجهت حالات مشابهة مع تلاميذ سابقين. منذ ذلك الحين، أخذت على نفسي عهدا أن أتواصل دائما مع أولياء الأمور للتأكد من صحة الأعذار التي يقدمها التلاميذ عن غيابهم.
في صباح اليوم التالي، وعند وصولي إلى المؤسسة، وجدت ليلى مع والدتها عند الباب. بدا واضحا على والدتها المرض، فقد كان وجهها شاحبا، وكانت منحنية وتمسك ببطنها. عندما رأيتها، شعرت بندم شديد على تشديدي على ليلى لإحضار ولي أمرها، وخشيت أن أكون قد أثقلت على والدتها في حضورها للمؤسسة رغم مرضها. اقتربت منها، سلمت عليها، وسألتها عن حالها، فأجابتني أنها مريضة جدا، وأنها عادت بالأمس فقط إلى منزلها بعد أن قضت أربعة أيام في المستشفى. بدأت أبرر لها سبب طلبي حضور ولي الأمر، فقاطعتني بشكرها وقالت إنني فعلت الصواب.
سألتها عن مرضها، فأخبرتني أنها تعاني من تشمع الكبد منذ سنوات، وأن حالتها لم يعد يجدي معها الدواء، بل تستدعي عملية جراحية، لكنها للأسف غير متاحة في المغرب، وجد مكلفة خارجه. وأضافت أن جميع الأطباء الذين عاينوا حالتها أجمعوا على ضرورة إجراء العملية في هذه المرحلة. هنا، قلت في نفسي: “سبحان الله العظيم”، وأدركت أن الله جعل غياب ابنتها سببا، وجعل إصراري على حضور ولي أمرها أيضا سببا لكي أقابلها وأخبرها عن الفحص المجاني الذي سيُجرى في الغد في إحدى المصحات الخاصة.
عندما أخبرتها بالأمر، اغرورقت عيناها بالدموع وأخذت تحكي لي عن معاناتها مع المرض، وقلة ذات اليد، وكيف أنها لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الفحوصات والتحاليل والأدوية. أخذت منها رقم هاتفها، وأخبرتها أنني سأستفسر عن جميع التفاصيل وسأتصل بها مساء.
بعد عودتي إلى المنزل، هاتفت تلميذي وأخبرته بحالة أم ليلى، وأخذت منه كل المعلومات التي ستحتاجها، ثم نقلتها إليها مباشرة بعد إنهاء المكالمة.
في اليوم التالي، ذهبت أم ليلى إلى المصحة حيث قام الطبيب التركي بفحصها، وأقر أن حالتها خطيرة وتستدعي عملية جراحية مستعجلة. كتب لها مجموعة من التحاليل والفحوصات التي تكفل تلميذي بتغطية مصاريفها من خلال تواصله مع جهات خيرية. بعد التأكد من خطورة وضعها، قررت الجمعية الفرنسية التكفل بكامل تكاليف العملية في تركيا، وطلبت منها البحث عن متبرع بالكبد.
بعد بحث طويل، وجدت أم ليلى أن أختها يمكنها التبرع لها بجزء من كبدها. بدأت الجمعية في جمع التبرعات اللازمة لتغطية تكاليف العملية، وكان دوري يقتصر على التراسل باللغة الفرنسية مع الجمعية، وأخذ صور للمريضة، والتواصل مع أفراد الجمعية. بفضل جهود الجميع، تم جمع مبلغ العملية البالغ 660,000 درهم.
بعد استكمال الإجراءات، قامت أم ليلى وأختها بإعداد جوازات سفرهما، وتم جمع مبلغ إضافي لتغطية تذاكر الطيران والمصاريف اليومية بمساعدة زملائي في العمل. تأثرت أم ليلى كثيرا بالمساعدة التي تلقتها، ودعت الله لكل من ساعدها وساهم في علاجها.
أخيرا، سافرت أم ليلى إلى تركيا، وأجريت لها العملية بنجاح. تعافت بشكل جيد وعادت إلى حياتها الطبيعية، وهي الآن تعيش بصحة جيدة، ولله الحمد. عادت إلى تركيا مرتين من أجل فحوصات بعد العملية.
تلك التجربة أكدت لي مرة أخرى أن الله إذا أراد شيئا، سخر له الأسباب ومن ييسره، وأن الخير موجود في كل مكان.
فوزية الرحيمين

‫3 تعليقات

  1. سرد جميل جدا والأجمل طيبوبتك وحب الخير للجميع. جعلها الله في ميزان حسناتك صديقتي الغالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى