قصيدة بعنوان: “أوجاع من بعيد”

قصيدة بعنوان: “أوجاع من بعيد”
سأنظر في الأمر
طول عمري
بعين الشعر
لأقول الحقَّ الحقَّ
والباطلُ عند العالم الآخر
حيث الحميةُ حميةُ الديموقراطية المزيفة
بالنهار، بالجهر وبتجبر
حيث التنطع والتغرير والتكبر
والاغتراب عن الذات البشرية
وتحدي القدرة الالهية
وفقدان الهوية والتهور
وما قصيدتي سوى حمَّالة
لبضع تأملات لا تضر
الإرهاب له ما لا يُحصى من الصور
الإرهاب كيفما كان شكله
هو إرهاب ما دام يُحدِث الضرر
اسألوا المنكوب في فلسطين
واسألوا من في تندوف مكبل ومُحاصَر
داعم الانفصال
وداعم الاحتلال
هما وجهان لقناع واحد مزوَّر
يقتاتان و ينتعشان
حيث يوجد الغباء الإنساني
حيث يوجد الضعف
حيث تُوَحَّد لغة الاستعلاء
حيث يَبرُز الطمع في مِلكية الآخر
على العالم أن يختار ويقرِّر
لأن منظومة الحياة تُحاصَر وتنهار
فإما طريق ابتهال
أيْنَعت حقولَ حَقٍّ
وإما مسار مصطفى
تُرعى فيه حلولُ دمار وقهر
سأنظر في الأمر
ما دامت لي
بقية في العمر
بعين الشِّعر
لأقول صادقا أن تزييف الحقائق
لا ينطلي على صاحب الرأي الحر
أيها الشرفاء المستضعفون
يكفيكم من العدو
أنه لا يستطيع المواجهة في البر
أيها الغزيون
كيف تجدون الوقت
لتصفيف وتحليق شعركم؟!
وإطلالتُكم في عز نكباتِكم
ما شاء الله كإطلالة القمر
كيف تجدون الوقت لتثقيف عقولكم؟!
طلاقة لسان قد لا تجدها
عند من اِرتاد المدرسة طول العمر
كم مرة قررت
ألا أعود إليها تلك القصيدة
التي تشن غارات على وجداني
دون أن تَستأذِن أو تنتظر
أنتم تكابدون المآسي هناك
وأنا هنا في دواخلي
أعتصر ألما وكأني أحتضر
على ساحل الكلمات أتأمل وأتدبر
لعلي أصطاد فكرة
عن ما يخالجني بها أُعبِّر
كل مظلوم فيكم سيعيش عمرا
أطول من عمر من حرض وتواطأ ودمَّر
لقد أقسمت ألا أعود للكتابة
لما أصابني من تذمُّر
لكن كان للقصيدة رأي آخر
وما أنا لها إلا خادم بلا أجر
تُدخِلُني حيث شاءت
تُخرِجني من صمتي
وتُوقظني من نومي كما أرادت
غير آبِهة بتعبي لِتُهدي لي السهر
تَجلدني بسطور وقْعُها يُذبِل الزَّهر
لِتُوصيني ألَّا أُلقي بالا
لوقت الاندحار أو الهروب أو التحرر
سيأتي لا محالة
كل شيء عند المولى بقدر
بدون خلفيات أو نوايا
تدفعني كي أقول للأبيض إنه أبيض
وللأسود إنه أسود
بدون تحامُل أو مجاملة أو تستر أو تردد
وبدون عنصرية تجاه أحد
وتحرضني ألَّا أنسى قصة الثور الأبيض
وفي كل حديث بها علي أن أذكر
كما ابتهال حذرت المصطفى عندهم
دون تقصير
إراحة للضمير
بكلمات أثلجت الصدر
والمصطفى واحد لا غيره
في التاريخ بين بني البشر
إن للحق جنودا لا تُرى
وعمرا طويلا وقوة لا تَنفذ
وللباطل فترة بقاء لا تَتَكرَّر
وَلَمَوْتٌ بحلاوة النصر
أشرف من نصر فيه جدال
ووهم وموت منتظر
يكفينا منكم
أيها القابضون على الحرية
كما القابضين على الجمر
أنكم علمتمونا
كيف يكون التشبث بالأرض
تحت القصف بإباء وصبر
أيها المصلبة أعينهم بلا سبب
أيها المقطعة أرجلهم وأيديهم
من خلاف أو بدون خلاف
بلا خلاف
أيها التكالى الذين لا عون لهم
أيها الأطفال الذين يرتجفون خوفا
والصامتون في كل بقاع الدنيا
يرتشفون قهوتهم الصباحية على إيقاع كل خبر
هل نلوم؟
من نلوم؟
ربما انقطع عندهم البث
ربما انقضى لهم الحبر
ربما … ربما
الألم عم كل الأركان
وصغير فلسطين وتندوف ليس في أمان
والعالم في صمت مطبق
وفقر إنساني مدقع غير مبرر
هل نلوم؟
من نلوم؟
ربما انقضت الكلمات
وتجدهم يفكرون
كي يجيدوا الكلام
في بديل لها من الحكم والعبر
الصمت جارح للخواطر
وآلام جراحه قد لا تزول
رغم لا مبالاة الصامتين
اللهم إذا كان الصامت من غير البشر
حيث يوجد ذكاء اصطناعي
هناك غباء انساني بكلام معسول
وسياسات في الكواليس تُدمِّر
لقد أغلقتُ دفتي ديواني عنكِ
أيتها المقدسة الطاهرة بدم الشهداء
وأنت في صمود
والعالم في صدود
لعلي أُطفئ نار الكتابة بلا عَوْدٍ
لأني آنَسْت جمودا وحجودا
تجاهكِ ما كان ينبغي أن يسُود
لأفتحَ اليوم عيني
على بركان من الهواجس
والأحاسيس بشكل غير مقصود
تأسِرني دون قيود
كما أسرى تندوف
الذين يحرثون بهم بحرا من الأوهام
مجانا وفي وقت لا محدود
ما لكم كيف تصبرون؟!
كيف تقضون حوائجكم؟!
ولهيب النار يترصدكم
في البر والجو والبحر
والعيب كل العيب عن من بالأخوة تَظاهَر
تذكرت عند تذكرِكم
إخوتي في تندوف
حيث لا مجال للكلام
لا مجال لإبداء الرأي و اللوم والعتاب
وهل يحكم عقله من يُلام؟
ذلك المنَّاع للخير المعتدي الآثم
وكأني بذالكم
الطفل في ضَيِّقِ الخيام
في قرارة نفسه يقول لأبيه
يا أبي إن ظني في ما وعدتني به
قد خاب و عاد من السراب
إني متعطش للتحظر
وما بيننا وبينها سوى حجاب
وما طلبي مستحيل أو حرام
لطفولتي كما لأفكارك
لك وحدك عليك حق
حال أمي يُرثَى له
ورعاة حقوق المرأة في سُبات مُستَدام
بتندوف طفولة تقهر
حيث لا أعين ترصد
بتندوف معاناة لا تتصور
حيث لا كاميرات تصور
في تندوف لا رومانسية
هناك فقط كيان وهمي منبوذ
هناك تطويق لحدود وهمية بلا حدود
وحصار مستمر
لا مجال عنده للتفكير في السفر
لأنه لا يوجد عنده مطار
ولا محطة حافلة ولا سكة قطار
وكأني بتلك العاشقة لابن عمها
في السمارة في الصغر
تقول لأبيها
وكل قولها مناجاة للنفس
في السر
يا أبتي إن ابن عمي المسكين
الذي دون زواج قد كَبُر
إيقاع حياة بدون تخطيط او تصَوُّر
الغاصب المحتل يُهدم
لا يُبقي ولا يَذر
والعالمُ الآخر بتندوف يُغرِّر
يَبيع أوهاما
يشتري ذمما
في عمق إفريقيا بعرق الشقاء والقهر
ويتصور نفسه أنه
يعقد صفقات على مثلث برمودا
ويتخيل أنه يطل على البحر
لا عزاء لمن ارتدَّ على الإنسانية
وبها كَفَر
تبا لأقلام عن الحق لا تكتُب
ومنبر إعلامي بالحقيقة لا يَجهر
أيها الموتى بغدر وقهر
في تندوف وغزة وكل مستقر
أنتم شهداء عند رب رحيم
يشرفكم موت بطعم الحياة
ولا حياة من بعدِكم لعالم متغول متهور
وعلى معشر الصامتين
على بساط هذه الأرض
أن يعرفوا جيدا أن السماء
لا تمطر شهامة
وهذي الشهامة لا تُشترى
ولا تُباع في أسواق الخذلان
بل تزرع في قلب
كل من آمن
وتشبث بحقه الذي لا بد يوما أن يظهر
المصطفى عبسي