الواجهةثقافة وفنون ومؤلفات

لا مسرح بدون مسرحيين ولا احتفاليه بدون احتفاليين ـ

بقلم: عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام

لكل من يهمه امر الحياة وامر العيش الصادق في الحياة يقول له الاحتفالي ما يلي:
أنت السائر في طريق الأيام والليالي لا يمكن ان تصل الى الغد، بقفزة سحرية في الهواء او في الخواء، لأن الغد الذي تمشي باتجاهه، موجود امامك, ولكن محركه وطاقته المحركة موجودان خلفك، ولقد راهن التيار المستقبلي في اوربا على اليومي وما بعده، وتحديدا على جماليات السرعة، ولقد فاتهم ان يعرفوا ان هذا المستقبل قد جاء من الماضى، وأن صناعته قد بدأت في الماضي، مع اهل هذا الماضي، من مفكرين و فنانين و مبدعبن، ولهذا يقول الاحتفالي لكن يهمه الأمر ما يلي:
اذا انت لم تبدا رحلتك من الأمس، وإذا أنت لم تكن وجهتك المستقبل، واذا انت لم تكن تعرف الطريق الحقيقي لهذا المستقبل، واذا انت لم تعبر يومك هذا، وعينك على ما بعد هذا اليوم, فإنه لا يمكن ان تدرك ذلك البوم المختلف و المخالف، والذي نسميه غدا
وهناك اليوم، في شباب اليوم، وفي شباب كل يوم، في المسرح وفي جميع الآداب والفنون والعلوم من يعتقد بأنه هو وحده الفاتح المؤسس لكل شيء، و بأنه هو التاريخ وبداية التاريخ، وانه في هذا الواقع التاريخي يمثل البداية المؤسسة للآداب الجديدة و للفنون الجديدة ولكل القيم الفكرية والجمالية والأخلاقية الجديدة المختلفة، وانه هو وحده الناطق الرسمي باسم الحداثة و التحديث، وانه هو الناطق باسم الجديد و باسم التجديد، وانه هو الحداثة، وان الحداثة هي هو، وانه هو الخلق والخالق، وانه هو الابتكار و العبقري المبتكر، وانه هو التجديد والتجريب
وبخصوص شائعة الموت، في المجال الفكري والجمالي، نقول الكلمة التالية، إن الموت والحياة مثل النور و الظلام، عندما يحضر أحدهما يغيب الآخر ، وبهذا يكون من الغريب و العجيب ان نجد اليوم من يبحث عن حياة المسرح وعن حياة المسرحيين في موت نماذج معينة من المسرح، وفي موت نماذج محددة من المسرحيين، وبالتاكيد، فإن وجود مثل هذا التفكير، وفي اي مسرح كان، لا يمكن ان يكون إلا وهانا خاسرا، وعليه، فقد امكن لنا ان نقول ما يلي، ان من يريد تاسيس المسرح المغربي والعربي بمنطق ( كم حاجة قضيناها بتركها وبقتلها فإنه لا يمكن ان يؤسس إلا الغياب و الخواء والعدم
كما ان من يبحث عن وجود المسرح في اللامسرح، ومن يريد اليوم ان يؤسس حياة مسرحية حقيقبة بدون بذور المسرح، فإنه سيكون بالتاكيد مثل ذلك المزارع الذي يريد ان يمارس فعل الزراعة بدون ( زريعة) وبدون بذور حية، ومن كان منا ومنكم، يريد حياة المسرح، فإن عليه ان يرعى كل المسرحيين وكل المسارح، وبدون عنصرية وبدون طائفپة ..
..
الاحتفالية هي التلاقي في اللحظة العيدية:

وفي كتاب ( التيار الاحتفالي في المسرح العربي الحديث) يقول الكاتب الاحتفالي
(” لا احتفالية بدون احتفاليين” هكذا يردد الاحتفاليون دائما، ولا إنسانية بدون الإنسان الحق، ولا مسرح بدون وجود كل المسرحيين، ولا معنى لوجود المدينة بدون وجود المدنيين والمتمدنين فيها، ولا معنى لوجود فكر احتفالي بدون وجود مفكرين احتفاليين، من هذا المبدا اذن، ينبغي ان نبدأ في مقاربة هذه الاحتفالية، فكرا وعلما و اخلاقا، وان نسعى من اجل ان تكون هذه المقاربة علمية وشعرية في نفس الوقت، وهذه الاحتفالية، في معناها الأساسي والحقيقي، هي اساسا رؤية مبصرين، وهي نظرية منظرين، وهي معرفة عرافين، وهي نبوءة متنبئين، وهي فكرة مفكرين، وهي علم علماء، وهي فقه فقهاء،.وهي فنون فنانين، وهي صنعة صانعين، وهي اجتهاد مجتهدين، وهي قناعة مقتنعين، وهي نضال مناضلين، ولهذا فقد كانت شيئا اخر غير ان تكون تكتلا ظرفيا، لتحقيق غايات صغيرة وظرفية عابرة)
ومن العناوين الفرعية في (البيان الثاني لجماعة المسرح الاحتفالي) يمكن ان نقرا العناوين الفرعية التالية:
(الاحتفالية والظاهرة المسرحية) و( في البدء كان الهذيان الخلاق)
و(الاحتفالية والبحث عن جوهر المسرحية) وعنوان (من الأيديولوجية الى العلم) و(الاحتفالية من الجبر إلى الاختيار)
و( الاحتفالية من السحر الى الحفل) و(التراث والماضي الذي لا يمضي) و( من العقل النظري إلى العقل الحيوي)
وعنوان(“سيزيف” الجديد يكتشف الحفل) وعنوان (عن المسرح كمجتمع داخل المجتمع)
وكل عنوان من هذه العناوين يمكن ان يشكل مشروعا لكتابة مقالة جديدة او لتحرير كتاب اخر، وهذا ما يمكن ان نقوله ايضا عن هذه السلسلة من الكتابات الاحتفالية، والتي هي، في ظاهرها، مقالات، ولكنها في معناها الحقيقي كتب تحمل عناوين وتحمل مواضيع ومضامين اخرى إضافية
وهذا الاحتفالي، في انحيازه للفكر الاحتفالي وللفن الاحتفالي وللعلم الاحتفالي، والذي كان دائما ـ وسوف يبقى ـ إنسانيا في فكره، ومدنيا في وطنيته، وكونبا في انتمائه، هذا الاحتفالي المومن ب بالنحن) و( النحنية) في مقابل ( الأنا( و ا(لأناية) لم يقل ولم يكتب :
ــ ( نحن او لا احد) ولكنه قال وكتب في مسرحه وفي بياناته ( نحن وكل الآخرين)
ــ وهذا الاحتفالي ايضا، لم يقل بان كل ما يكتبه ويبدعه صحيح، ولكنه اكد دائما على انه من الممكن ان يكون صحيحا، وقد لا يكون، وانه من الممكن ان يكون ممتعا، وان يكون مقنعا، وان يكون بحثا فكريا و علميا صادقا،
ــ ولم يقل هذا الاحتفالي ايضا ( نحن و بعدنا الطوفان) او بعدنا العدم، او بعدنا الفراغ الفكري و الخواء الجمالي، ولقد بحث عن الجمال في ذاته، قبل ان يبحث عنه لدى الآخرين، ولذلك فقد قال مع جلال الدين الرومي ما يلي:
(حين تعثر على الجمال في قلبك
ستعثر عليه في كل قلب)
المسرحية الحية في المناخ الاحتفالي الحي :
وهذا الاحتفال المسرحي، باعتباره مناخا وطقسا، فإنه لا يمكن ان نعيش لحظته، وان تحيا حياتك إلا داخله وهل هناك من يمكن ان يحيا حياة حقيقية خارج زمانه ومكانها وخارج مناخه الاجتماعي والثقافي، والذي يضمن له العيش والبقاء والنمو والتطور؟ وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي في كتاب ( الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة) الكتاب الثاني، وذلك بخصوص من يعيشون الزمان الاحتفالي، والذين يكتبون ويبدعون داخل المناخ الاحتفالي، ولكنهم، مع ذلك، يزعمون بأنهم ضد الفكر الاحتفالي وضد الفن الاحتفالي، وضد الرؤية الاحتفالية في الآداب والفنون، وفي هذا المعنى يقول الكاتب الاحتفالي:
( إن الاحتفالية ـ كما لا يعرف الحميع ـ هي مناخ قبل كل شيء، مناخ لا يمكن ان بهرب منه، او يبتعد عنه إلا الموتى، وبهذا فقد امكن ان نقول ما يلي: إن الاحتفالية مظاهر مختلفة ومتعددة، وهي تتجلى عبر كثير من الكتابات و الإبداعات المسرحية، كما يمكن ان نجد لها وجودها لدى كثير من المسرحيين العرب)
ولعل هذا هو ما جعل الاحتفالي يتساءل، كيف يمكن ان يكون اي مسرحي عربي اليوم ضد الاحتفالية، وهو يعيش مناخها، ويعيش زمنها، و يعيش عصرها، وعليه، فإن كل المسرحيين المغاربة والعرب هم بالاساس احتفاليون، سواء اعلنوا ذلك ام يعلنوه)
وفي (البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي) نقرا ما يلي
( لقد حقق المسرح العربي تراكمات لا باس بها، من ناحية الكم، وان ما تريده اليوم ليس هو إضافة اعمال مسرحية جديدة، ولكن خلق مسرح جديد) وبالتاكيد فإن وجود هذا المسرح العربي الجديد سيعبر عن نفسه من خلال فلسفة جديدة ومن خلال كتابات مسرحية جديدة ومن خلال اساليب جمالية جديدة ومن خلال تقنيات و منهجيات مسرحية جديدة)
المسرحيون الاحتفاليون جماعة بدرجة مجتمع:

وجماعة المسرح الاحتفالي، والتي بشرت بالفكرة الاحتفالية، والتي ناضلت من اجل مسرح احتفالي يشبهنا و نشبهه، ماذا يمكن ان يكون، سوى انها درجة في مسار الحركة الاحتفالية، مغربيا عربيا و دوليا، والتي بدأت، وهي وجود فرد يفكر تفكيرا احتفاليا، و(انتهت) إلى جماعة تبدع إبداعات مسرحية احتفالية، ولقد وصلت هذه الاحتفالية، في منتصف السبعينات من القرن الماضي، إلى درجة الحلم الجماعي، وزبذاك ففد اصبح بمقدور هذا الحلم الجماعي ( ان يرقى ليصبح ثورة علمية وفكريا وجمالية حقيقية)
ان الاحتفالية ـ وكما جاء في كتاب ( التيار التجريبي في المسرح العربي الحديث) ( قد تكون جديدة لارتباطها العضوي بهذا الزمن الجديد، ولكن فعل الاحتفال غير جديد، و وجوده مرتبط بوجود الإنسان، و بتاريخ الإنسان، وبهذا فهو فى الأصل روح الوجود وروح الموجودات الإنسانية الحية والعاقلة والفاعلة والمنفعلة والمتفاعلة في الحياة، وهذه الاحتفالية تنطلق اساسا من العيد ومن فعل التعييد، والأصل في هذا العيد هو انه يوم من الأيام أو هو سلطان كل الأيام، لأنه يوم استثنائي)
والجماعة الاحتفالية هي النهر المسرحي الذي تاسس بفعل روافد ثقافية وجمالية متعددة .. روافد قادمة من جهات كثيرة جدا،
وبخصوص معنى ان يكون الفنان معنى احتفاليا، يقول الاحتفالي في كتاب ( كتابات على هامش البيانات) ان ( الذي لم يولد احتفاليا لا يمكن ان يصير إليها بسهولة، فهي ليست وصفة طبية تعطى، ولكنها بالأساس طبيعة وتربية، إنها سلوك نستمده من البيت ومن حارات المدن ومن الإرث الجمالي والمعرفي و الحضاري .. هي اقتناع داخلي، وهي اختيار ذاتي، إنها نزعة باطنية قبل كل شيء، وبذلك فمن غير المنطقي أن نقول للناس كونوا احتفاليين،
لأن الأمر ليس بهذه السهولة، وليس كل ما يريده المرء يدركه و يحققه ويصل إليه و لأجل هذا فإنني اريد ان اتساءل معكم و.أمامكم، وان اقول لكم:
ـ ان نفوسا فقيرة ومتحجرة ومنغلقة على نفيها هل يمكن ان تكون احتفالية؟
ـ ثم ايضا، هل يمكن لعيون حولاء و عوراء و عمياء ان تكون احتفالية؟
شيء مؤكد ان من لا يرى جماليات الوجود ومن لا يدرك غنى الموجودات لا يمكن يكون احتفاليا ابدا
ــ ( وإن ( وجود) إرادات مشلولة ومعطلة، يغيب عنها الاختيار الواعي و المسؤول هل يمكن ان تكون لها علاقة بالاحتفالية؟
ـ ثم ما قولنا في ( مبدعين) رصيدهم في الخيال صفر او ما دون الصفر، كيف يمكن ان نلحقهم بالاحتفال و بالاحتفالية ؟
ــ وايضا، ما قولنا في نفوس قامعة اومقموعة، وهل تراها تقوى على مواجهة فضاء الاحتفالية الحر؟
ان الاحتفالية هي رؤية عيدية وهي افكار مدنية، وهي اخلاق ديمقراطية. وهي خيال فعال، وهي إرث مغربي، وهي جمالية طبيعية صادقة، وإن من توفرت له ـ وفيه ـ شروط الاحتفالية كان احتفاليا، وبشكل تلقائي، وبغير ان تأتيه دعوة او حتى من غير ان تصل اليه اجتهادات الاحتفاليين، وحتى من غير ان يقرا بياناتهم او يرى مسرحياتهم)
بيانات بدرجة رسائل إلى العالم:
إن ما تقدمنا به بالأمس، وما نتقدم به اليوم وغدا، للحقيقة والتاريخ، هو أساسا بيانات احتفالية وعيدية، وهو إضافة فكرية وجمالية إلى كل البيانات التي صدرت من قبل في كل العالم وفي كل الحفل التاريخية المختلفة، والتي ظلت تصدر على امتداد عقود طويلة من عمر قرنين ومن عمر ألفيتين، وهي بيانات كتبت نفسها بنفسها في لحظة صحو فكري، وكتبتها لحظتها التاريخية الجديدة، وساقتها سياقات ذاتية وموضوعية أخرى كثيرة جدا، وهي اليوم ـ كباقي كل البيانات الاحتفالية السابقة واللاحقة ـ تحتفي بالإنسان والإنسانية، وتحتفي بالحياة والحيوية، وتحتفي بالمدينة والمدنية، وتحتفي بعبقرية الإنسان المبدع والخلاق، وتحتفي بالتأسيس وإعادة التأسيس، وهي في عمرها الجديد مازلت تؤكد على أن هذا الإنسان أساسا رؤية وموقف، أو أنه حزمة مواقف، وعلى أن هذه الاحتفالية هي موقفها المبدئي الثابت، وليس هو موقعها المتغير والمتجدد على خرائط الواقع، أو على رقعته المجتمعية، والتي قد تشبه رقعة الشطرنج، قليلا أو كثيرا، وهي بهذا بيانات للتبيين المبين، وهي في جوهرها أفكار واختيارات، وهي إشارات وتصورات، وهي اقتراحات وإيحاءات، وهي رموز وإيماءات، ودورها في الإبداع الاحتفالي وفي الفكر الاحتفالي هو أن تدل على الفرح، وأن تحرض على الفرح، وأن تحتفي بالفرح، وبصناع الفرح، وهي في هذه البيانات تؤكد دائما على الحق في الفرح، وتحتفي بالحرية ورموزها، وتحتفي بالأحرار في كل زمان ومكان، وتحتفي بالاستقلالية في التفكير والتدبير، وتحتفي بالاجتهاد الأدبي والفني الصادق، وبالاجتهاد والمجتهدين أيضا، وتحتفي بالإبداع والمبدعين، وبالفكر وبالمفكرين الصادقين، وهي تحتفي بالمعرفة وبالحكمة وبعشاق الحكمة، وتحتفي بالأشياء وبالأفعال وبالحالات وبكل المواقف الكائنة والممكنة، والتي تكون حقيقية وصادقة وشفافة دائما، والتي لا يخالف ظاهرها باطنها، وتؤكد أيضا على أن الوجود هو وحده الموجود في هذا الوجود، وعلى أن العدم ليس له وجود، إلا في نفوس وعقول وأرواح العدميين والظلاميين والعبثيين والانهزاميين والاتباعيين والهتافين المحترفين، والعاملين أيضا لحساب الفراغ والخواء، وتؤكد هذه البيانات االيوم ـ مثلما أكدت بالأمس ـ على فعل الحضور، وعلى شرف الحضور، إيمانا منها بأن الغياب خيانة وجودية، وعلى أن تغييب من يفترض فيهم الحضور، الآن هنا، معنا، فإنه لا يمكن أن يكون إلا جريمة بشعة، جريمة ضد الإنسان وضد الإنسانية وضد الأخلاق المدنية، وضد الحق في الحضور وفي التعدد والاختلاف، وإن مثل هذا الفعل العدواني ـ في حال حدوثه ــ لا يمكن أن يكون إلا قتلا أو نوعا من أنواع القتل والاغتيال
وإن هذه البيانات، وقبل أن تقول وتكتب شيئا جديدا، وقبل أن تكلم الناس بلغة حية جديدة، وقبل أن تبث في جسد هذا المسرح المغربي والعربي دماء جديدة، قبل كل هذا، فقد كانت فعلا جديدا، وكانت رجة وهزة، وكانت ثورة على كثير من البديهيات والمسلمات، وهذه الأفكار لم تأت من المريخ ولا من زحل،، وهي في حقيقتها نبت هذه الأرض، وهي عطاء هذه الأزمان الجديدة، وهي أيضا، فيض أرواح إنسانية صادقة، وهي فيض نفوس حية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى