
بقلم: ذة. رشيدة باب الزين باريس
“إذا صمت العالم، فإن الضحايا لن يصمتوا… وإن قاوم الإنسان، فإن الجلاد سيتراجع ولو مؤقتًا.”
منذ أكثر من عام، يشهد العالم واحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية في التاريخ الحديث ضد شعب أعزل في قطاع غزة، قصفٌ متواصل طال البيوت والمستشفيات والمدارس، أودى بحياة أكثر من 30 ألف إنسان، نصفهم من الأطفال، وجرح عشرات الآلاف، في مأساة إنسانية لم يعرف لها العالم مثيلًا منذ عقود.
لكن رغم عنف آلة القتل، كانت هناك مقاومة من نوع آخر، نضالٌ إنساني عالمي، بدأ من الأزقة المحاصرة في غزة، وامتد إلى شوارع لندن، وساحات باريس، ومنصات الأمم المتحدة، إلى شوارع العاصمة الرباط وشمال المغرب، ومواقع التواصل الاجتماعي، لولا هذه الوقفة البشرية، لما كان هناك أي تراجع، ولو نسبي، في هذا المسار الدموي.
لم تنتظر الشعوب حكوماتها، بل خرجت بالملايين في مسيرات تطالب بوقف الإبادة في غزة، شهدنا مظاهرات حاشدة في العواصم الغربية، والمغرب واليمن ودول أخرى.. شارك فيها سياسيون، فنانون، طلاب، أطباء، وحتى موظفون سابقون في الأمم المتحدة.
رفع المتظاهرون شعارات واضحة:
أوقفوا قتل الأطفال
لا للسلاح لمن يقتل المدنيين
فلسطين حرة من النهر إلى البحر
رغم التضليل الإعلامي الذي حاول تصوير الضحية كمعتدٍ، نجحت جهود الصحفيين المستقلين ووسائل الإعلام الحرة في كشف الحقيقة، صور الأطفال تحت الأنقاض، أطباء الشفاء وهم يعملون بلا كهرباء، وأصوات الأمهات الثكالى، كلّها جعلت العالم يرى الحقيقة كما هي: مجزرة مستمرة بحق شعب أعزل.
وفي مواقع التواصل، لعب النشطاء دورًا محوريًا في نقل الحقيقة، متحدّين الرقابة والحذف، وموثّقين كل لحظة من لحظات العدوان، حتى بات هاشتاغ #GazaUnderAttack من أكثر الوسوم تداولًا عالميًا.
لم يكن الاحتلال ليتراجع خطوة واحدة، لولا الضغط الشعبي والسياسي العالمي. فقد بدأت بعض الدول بإعادة النظر في صفقات السلاح، وارتفعت أصوات في الكونغرس الأمريكي والبرلمان البريطاني تطالب بوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. ووصلت بعض الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما يشير إلى تغيّر تدريجي – وإن كان بطيئًا – في الموقف الدولي.
إن ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط مأساة إنسانية، بل اختبار لضمير العالم. فالصمت شراكة في الجريمة، والنضال الإنساني هو الحاجز الأخير أمام الإبادة، ولولا هذا النضال، لكانت جرائم الحرب تُرتكب اليوم دون أن يعلم بها أحد.
رغم الألم والدمار، يبقى الأمل قائمًا، فالشعوب التي نهضت لن تسكت، والعدالة التي تأخرت قد تأتي إن وُجد من يطالب بها، وما دام هناك إنسان يقف في وجه الظلم، فإن الجلاد لن ينام مرتاحًا.





