ثبوث مسؤولية بريطانيا تاريخيا.اخلاقيا.قانونيا في قضية فلسطين
بقلم ابو ايوب
لن نعود لوعد بلفور نهاية الحرب العالمية الأولى ، و لن نقتصر على ما أسفر عنه من إعلان قيام دولة إسرائيل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، و نيلها عضوية الأمم المتحدة بعد نعي عصبة الأمم ، و لن ننبش في تفاصيل قيام دولة على أساس ديني محض ، بل دعونا نسلط مزيد من الأضواء على المسؤولية البريطانية المتعددة الجوانب ، و تنصلها منها لصالح الولايات المتحدة التي خرجت منتصرة في الحرب ، فتجاهلت وقتذاك و التفت على حق الشعوب في تقرير مصائرها ، و هو حق يضمنه القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و لا يسقط بالتقادم ، كيف ذلك ؟.
* أثناء الانتداب البريطاني في فلسطين ، اندلعت ثورة البراق سنة 1929 ضد المستعمر البريطاني ، كردة فعل على تقديم المستعمر تسهيلات لليهود للوصول و الصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الاقصى ، استمرت الثورة الفلسطينية إلى حين قبول إنجلترا بإحالة النزاع على محكمة دولية للبث في الموضوع ( هل الحائط هو حايط البراق الاسلامي أم حايط المبكى اليهودي ؟)
على إثره شكل وزير المستعمرات يوم 13 سبتمبر 1929 لجنة عرفت بإسم لجنة شو للتحقيق في دواعي و أسباب الانتفاضة و وضع التدابير لمنع تكرارها ، في الوقت الذي اقترحت الحكومة على مجلس عصبة الأمم تشكيل لجنة دولية لهذا الغرض ، يوم 15 من الشهر ذاته وافقت عصبة الأمم على تشكيلها برئاسة وزير الخارجية الاسبق في حكومة السويد ، و عضوية نائب رئيس محكمة العدل بجنيف ، و رئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة ، و عضو بالبرلمان الهولندي و شخصيات دولية أخرى ، فكانت لجنة دولية محايدة على اعلى مستوى قضائي و تحكيمي …
* زيارة اللجنة الدولية للقدس تمت يوم 19 يونيو 1930 و استمرت لشهر كامل بمعدل جلسة او جلستين في اليوم ، في حين بلغ عدد الجلسات 23 جلسة استمعت خلالها الى شهادة 52 شاهدا ، من بينهم 21 من خاخامات اليهود و 30 من علماء المسلمين و شاهد واحد بريطاني ، فيما قدم الطرفان الى اللجنة 61 وثيقة ، منها 35 قدمها اليهود و 26 وثيقة قدمها المسلمون .
في هذه الفترة ، تقاطرت على القدس عدة وفود من العالم الاسلامي نصرة للقضية ( لبنان و ايران و افغانستان و العراق و مصر و اندونيسيا و الهند و مفتي بولونيا و الاردن و المغرب العربي” ليبيا.تونس.الجزائر.المغرب” ) ، بحيث ثبث للمحكمة الدولية ان حجة المسلمين هي الثابثة وفق الوثائق و سجلات المحكة الشرعية فضلا عن قدسية المكان بنصوص القرآن ، و تجدر الاشارة الى ان زيارة اليهود للحائط كامت منحة محددة بموجب اوامر الدولة العثمانية و اوامر الحكم المصري للشام ، و لم تكن الا استجابة للالتماسات المتكررة بزيارة المكان و ليس لاقامة شعائر الصلاة .
* من 28 نوفمبر الى فاتح ديسمبر سنة 1930 , انتهت اللجنة بالإجماع إلى إصدار القرار التالي :
– تعود ملكية الحائط الغربي ( حائط البراق ) للمسلمين لهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي وقف اسلامي ، فضلا عن ملكيتهم للرصيف أمام الحائط و أمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط
– و أن أدوات العبادة و غيرها من الأدوات التي يجلبها اليهود و يضعونها بالقرب من الحائط ، لا يجوز في أي حال من الأحوال اعتبارها حق عيني لليهود ، مع عدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط .
* وضعت الأحكام موضع التنفيذ اعتبارا من 8 يوليوز 1931 ، و أصدرت الحكومة البريطانية كتابا أبيضا اعترف بملكية المسلمين للمكان و تصرفهم فيه ، و قد حمل الحكم الدولي و الكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم ، كما أصدر ملك بريطانيا مرسوما ملكيا عرف تحت اسم ( مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931) نشر في حينه بالجريدة الرسمية لفلسطين .
وثائق و شهادات ، تواريخ و أحكام ، و مرسوم ملكي ، لو كانت لصالح اليهود لترجمت الى جميع لغات العالم ، و لسمعت بها الشعوب في مختلف مناطقه و دوله حتى النائية منها ، لكن واحسرتاه على تقاعس المفكرين و الموثقين ، المؤرخين و المترجمين، دور النشر و الطباعة العرب…..، و رغم الإمكانيات المتاحة و الأرصدة المتوفرة ، تقاعسوا و تنصلوا من تحمل المسؤولية مفضلين إسقاطها على الغير ، أوليس العرب من قالوا : “كم حاجة قضيناها بتركها” ؟ بلى …و لكن ليطمئن قلبي تزامنا مع تحولات الميدان و متغيرات الجغرافيا السياسية ، و ما أسفرت عنه عملية طوفان الأقصى من مكتسبات جمة ، و ما حققته من نتائج قيمة على الأرض أبهرت الغرب و أدهشت الشرق ، نجاحات تيمنا بما خلفه السلف للخلف إبان ثورة البراق عام 1929.