قراءة في المشهد الإعلامي الصُّحُفيِّ المغربيِّ بعد الإعلان عن التحاق المجلس الوطني للصحافة إلى النقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
بقلم الدكتور عبد الله صدقي
إنطلاقا من استراتيجية تخصصي في نظرية التلقي والقراءة، واستجابة لهوسي في الحبِّ الذي أكنُّه للمجال الصُّحفي والإعلامي، إضافة إلى كوني من الممارسين للمراسلة الصحافية المتعاونين لدى جريدة وموقع الجديدة نيوز، وتبعا لحضوري يوم الأحد الماضي لاجتماع المجلس الوطني للصحافة إثر التحاقه بالنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وتتبعي للخطابات الصحافية، في الاجتماعات المهنية والنقابية بين الصحافيين، والإصغاء للعديد من الصُّحفيين الأجلاء من مختلف الجرائد المغربية، وهم يُبرزون ما تتخبط فيه ِمهنة الصحافة، وما يعانيه المقاول الصحافي في الإدارة والشركة، والصحافي المهني، والمراسل الصحافي، والمتعاون الصحافي من مشاكل وعوائق قانونية، تكوينية، تأهيلية، مادية، تحول بين هذه المهنة الجليلة وأداء مهمتها النبيلة في حمل الخبر، وتحليله، والتعليق عليه، والتفاعل معه، الأمر الذي يحبط الممارسين للصحافة على مختلف مستوياتهم .
ذلك ما سجلَته متابعتي، وأنا بين أظهر العديد من الصحافيين المحترفين، بذلك أفضى تمعني (المحايد) لقضايا الصحافة المغربية إلى العديد من النقط، يمكن لنا إجمالها في الإشكالات والتحديات التالية :
1. إشكال قانوني :
. يتجلى في إعادة المجال الصحفي إلى الدولة، بدلا من تركه في يد المقاولات.
. وضع مدونة الصحافة، تحترم حقوق الصحافي المتعارف عليها دوليا، وتحميه من الشطط التأويلي من قبل العدالة، ذلك الذي قد يصدر ضده بُغية أن يتحرك الصحافي بحرية في إطار قانون واضح …
. إعادة وضع خطوط واضحة وجلية، تحترم حقوق خصوصيات الأفراد والمؤسسات، يلتزم بها الصحافي، تكون مؤهلة لتنصفه وتحميه
. إعادة هيكلة المجال الصحفي بنيويا، وتعضيده بالقوانين المؤهلة لممارسة الصحافة بامتياز .
. حماية الصحافي ماديا واجتماعيا، والنظر إلى البعد الإنساني خاصة منها التعويضات اللازمة، التي تؤهله وترفع من إيقاع أداء المهمة في المجتمع .
2. إشكال الثقافة الصحافية
. إثر تتبعنا لخطابات العديد من المسؤولين في المجال الصحفي، سجلنا ما جاء في خطاباتهم، مما أصبح منتشرا من ضعف التكوين والتأهيل لدى الصحافيين الجدد رغم تخرجهم، وهو ما يشير إلى ضرورة الانتباه، وإعادة النظر في مقررات التعليمية لدى المعاهد، ومؤسسات الصحافة العمومية والخصوصية، واختيار أساتذة التعليم الصحفي ذوي الكفاءة العلمية، واهتمام الوزارة بالموارد البشرية التي يحتاجها مجال الصُحفي …
. محاربة الأمية في صفوف الصحافيين، نظرا لغياب ثقافة الصحافة لدى العديد منهم
. ضرورة مواصلة التكوين المستمر لدى مختلف مراتب مزاولي الصحافة، (صحافيون ـ مراسلون ـ متعاونون …)، وإغناء تجربتهم بالمستجدات والتقنيات والإشكالات التي تتعلق بمساءلة نشر الخبر، والزوايا المتعددة التي تحوي طرق تقديم الخبر …
. التوعية والبرمجة والتدريب على:
ـ أساليب الحياد الأيديولوجي والعقائدي
ـ الاندفاعات الحماسية، والأحكام المسبقة
ـ غرور الصحافي بامتلاك الحقيقة
. ضرورة الفصل بين الحقيقة والواقع، واعتبار ما يقدمه الصحافي ليس سوى مقاربات، وليس حقائق …
. وضع استراتيجية متجددة غايتها بناء المجتمع، والتقدم به بدلا من البحث عن خلق الفتن والاصطدام مع المسؤولين، الذي يعتبر عجزا عن استخدام فن العمل الصحفي، وجهلا بأساليب التغيير المرحلية …
. ضرورة عقد مجالس الحوار بين الصحافيين لتبادل المستجدات التقنية والمهنية والعلمية …
. ضرورة اهتمام الصحافي بالتكوين الذاتي، انطلاقا من دراسة كتب علم الاجتماع والسياسة والأدب والفن والتاريخ …
3. إشكال مادي :
لا شك أن المتمعن في وضع الصحافيين المغاربة المادي ليصاب بالدهشة، والإشفاق عن حالهم، ونقصد المؤسسات الصحافية الصغيرة، وليست المؤسسات المسيطرة التي تملك باعا واسعا ونفودا سلطويا، لذلك وجب :
. منح المؤسسات والمقاولات الصحافية الامتيازات التي ترفع من مهنة الصحافة في مغربنا ويشرفها
. النظر في أوضاع الصحافيين الاجتماعية والمادية، وحمايتهم من المعاناة المادية، وتكريمهم، والنظر في المعاشات اللائقة بالرجل والمرأة الصحافيين بعد سن التقاعد، والأمثلة التي نتابعها يَنْدى لها الجبينُ …
فإلى الحكومة أن تعيد النظر في بنية المجال الإعلامي والصحفي، وتخوله المكانة المُثلى التي يستحقها، لأن إهمالها له، لا يعد في نظرنا سوى عدم الوعي بأهمية هذا المجال، وعرقلة التنمية في هذا البلد، والزج بالإعلام في خنادق الصراع الوهمي ضد الدولة… صحيح أن المجال الصحفي والإعلامي عموما يحتاج إلى إعادة هيكلته بنيويا ووظيفيا حتى يجد خريطة الطريق ليؤهل قصد بناء الوطن، بدلا أن يزج بالدولة والإعلام في الصراع، الذي لا نحسبه سوى جهل وقصور النظر، أملا في أن يكون لنا إعلام نزيها مؤهلا شأن العديد مما يوجد لدى البلدان المتقدمة…