أقزة : التوعية والتحسيس بالصحة النفسية مدخل أساسي لتجنب الكوارث الإجتماعية.
يعتبر الجانب النفسي إطار مهم في الحفاظ على السلامة الصحية للإنسان؛ ولقد شكل عبر عدة دراسات علمية حلقة مهمة في خلق التوازن الإجتماعي والتقارب النوعي والحد من العديد من الأزمات، لذلك عرف العالم في العشرية الأخيرة إعطاء إهتمام كبير بهذا المجال الحيوي وخصص له العديد من الفضاءات في القطاعين العام والخاص لمواكبة التطورات والتفاعل مع جديد الحالات والحد من انتشار الأزمات النفسية والعمل على تحديد العلاجات اللازمة للأشخاص المصابين لمواكبتهم تدريجيا لعودتهم العادية للإنخراط في الحياة العامة للمجتمع.
لقد شكلت الصحة النفسية للمغاربة دائما هاجسا مقلقا خصوصا في ظل تنامي الفوارق الإجتماعية والإبتعاد على المجال الصحي والخوف من الإصابة بالجنون، بالإضافة إلى العلاقة السيئة التي تنامت عبر العقود في أذهان البعض على أن من يزور “عيادة الطب النفسي” أو مستشفى “للأمراض النفسية والعصبية” هو شخص مريض يصعب التعايش معه، مما جعل الكثير يفضل الإنعزال أو الهروب والتيهان بدل الخضوع للعلاج ربما نتيجة صدمة أو أزمة نفسية أو حالة اجتماعية، وهو الأمر الذي جعل العديد من الشوارع المغربية تشهد أشخاص هنا وهناك يتسكعون في ظروف مزرية ويمارسون عادات سيئة ويتعاطون المخدرات بشتى أنواعها والكثيرون منهم في حالة يصعب وصفها أو تحديدها أو حتى استيعابها سواء منهم أو من المجتمع.
ويرى الأخصائي النفسي والعقلي الدكتور “خالد أقزة” مدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية بتيط مليل بالدار البيضاء بأن الآونة الأخيرة عرفت ارتفاع مهول في الحالات التي تعاني من هذه الأمراض الخطيرة التي أصبحت تعتبر مزمنة؛ والتي لا يلتزم المصابين بها بالبروتوكول الطبي خصوصا بالنسبة الطبقات الهشة والفقيرة والمدمنين والمتشردين لعدم وجود من يتابعهم صحيا داخل أسرهم أو لغياب المساعدة الطبية في بعض الأحيان، وكذلك لغياب وعي مجتمعي عن نوعية هذه الأمراض التي يطلق عليها بالعامية “مصطي” مع العلم بأن تكون فقط حالات نفسية سهلة العلاج لكن الإهمال وغياب الوعي يساهم في تفاقم الحالات وصعوبة علاجها.
ويضيف الدكتور “خالد أقزة” بأنه من الواجب خلف فضاءات للتوعية والتحسيس داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات الجامعية وطرح كبسولات إعلامية من أجل الحفاظ على الصحة النفسية ومعرفة التعامل مع الحالات، وكذلك اعتماد رقم أخضر للاتصال مع المصالح الخاصة المكلفة بهذا القطاع للتبليغ عن الحالات التي تشكل خطر وتعاني من هذه الأمراض التي أصبحت تشكل خطر قائم داخل المجتمع، ويرى بأن الجهات المسؤولة تقوم بعملها على أكمل وجه؛ ولكن في ظل غياب حس مجتمعي وتكاثل الجهود بين كافة المتدخلين سيظل الوضع كما هو عليه، ومن الأفضل خلق لقاءات توجيهية وحملات تحسيسية وفضاءات تواصلية لتشخيص هذا المرض وطرح كيفية العلاج منه للخروج من هذه الظاهرة التي تشكل خطرا قائما على المجتمع بكل مكوناته.