ثقافة وفنون ومؤلفات

أرشيف سلسلة ( اقرؤوا لهذا المبدع ) 2016 مع الزجال النوعيّ ( حسن تميم )، شاعر يُهَرّبُ حُلُمَه.

شاعر يُهَرّبُ حُلُمَه

في لُعْبة الْحُلُم والْواقِع تَنْكَتِبُ الْقَصيدَة الزّجليّةُ هارِبَةً منْ قَبْضَةِ صاحِبِها ، الشّاعر ” حسن تميم ” … أو بِعِبارَة أكْثَرَ تدْقيقاً ، هيَ منْ يَكْتُبُ ، والذّاتُ تَنْكَتِبُ ، انْسِياباً رقيقاً يَمْتَحُ رَقْرَقَتَهُ منْ قُدْرَة هذه الذّات على مُمَارَسَة فعْلِ الرّؤيا في فضاءٍ مُعْتِمٍ ، هوَ اللّيْلُ النّازل بِكلّ ثِقلِه على الكيْنونَة الصّغرى ، والّتي لمْ تَسْقُطْ في كَمِين الاسْتِفْزازِ اللّيْلِي ، ولمْ تسْتَسْلِمْ للْأَرق ، و اسْتَبْدَلَتْهُ بِقَرارٍ شُجاعٍ لَخّصَهُ الشّاعرُ في فِعْلِ التّأمّل { سارحْ الشّوفْ – مْعنّكٌ الظلْمَة – نْرارِي بنْعاسِي – نْعدْ النْجُومْ – نْفَصّلْ لْحَلْمَة } … سرْبَة من ردود الفعل الإيجابي حَوّلَتْ اللّيْل من وحَدَة زمانية قابِلَة للتّحييز ، إلى زمنٍ نَفْسِيّ يُلْقِي بِظِلالِه على الذّات كَيْ يُقْحِمَ بِها في أُتُونِ الْمُعاناة …

فِي لُعْبَة الْحُلُم والْواقِع ، صَنَعَ الشّاعِرُ قرارَه المُفْرَد ، أنْ يَصْنَعَ حُلُمَهَ على مَقاسِه ، لا أنْ تَصْنَعهُ الْاحْلامُ على مَقاسِها … هُنا يَكْمُنُ تَمَيّزُ الذّات الشّاعِرة عنْ غَيْرِها ، بِقُدْرَتِها على تَشْكِيلِ الْماحَوْل وِفْقَ إرادَتِها { نْفصّلْ لحلْمَة عْلى قْيَاسِي } … بِأدَواتٍ بَسيطَة لا تَعْدُو أنْ تَكُونَ امْتِداداً لِجَسَد الشّاعر ، لكِنّها امْتِدادات تسْتَعينُ بحاسّة فَوْقِيّة مُتعالِية ترْتَبِطُ بِقُوّة ” الْحالْ ” و ” الجذْبَة ” … رَقْصَة لمْ يُعْلِنْ عَنْها الشّاعر ، ولمْ يُلمّحْ لَها ، وتَرَكَ الْهامشَ واسِعاً أمامَ الْمُتَلقّي كيْ يَسْتَكْمِلَ الدّائرَةَ النّفْسِيةَ الْمُنْفَلِتَة منْ قَبْضَةِ الْانْهِزامِية الْمَجانِية …

فِي لُعْبَة الْحُلُم والْواقِع ، يَدْعُونَا الشّاعِرُ إلى عالَمِهِ الدّاخِلِيّ ، حيْثُ مُمَارَسَةُ فِعلِ الْحُلم ، بِهَمْسٍ رَقِيقٍ لا يَاْبَهُ بالْخارِجِ الصّارِخِ ، ويَهْتَمّ بِأشْيَائِهِ الصّغيرَة الماتِعَةِ قُوّةً { نحْلمْ – نْخَمّمْ – نرْسَمْ } ثُلاثِية مُنْسَجِمَة مُخْلِصَة لِنَسْغِ الرّؤيا ، لا الرّؤيَة … ذلكَ أنّ في الْألِفِ امْتِداداً ، وفي التّاءِ تَقْييداً … وَ شتّانَ بينَ أفقٍ مَفْتوحٍ وآخرَ مُغلق … حَيثُ اسْتَطاعَتِ الذّاتُ وهِيَ في قَلْبِ الْحُلُمِ أن تُمْسِكَ بِبَعْضِ الْوعْيِ المُمْكِنِ تَجاوُزاً ، لِمُمارَسَةِ فعلِ التّفْكِير { نْخَمّمْ } وفِعْلِ التشْكِيل { نرْسَمْ } … وكأنّي بالشّاعِرِ يَخْشَى أنْ تنْفَلِتَ أحلامُهُ منْ بينِ يَدَيْهِ ردّاً على فِعْلِ الْواقِعِ الْقاتِلِ للْأحْلام …

فَكَيْفَ تشَكّلتْ أحلامُ الذّات ؟ يُجِيبُنا الشّاعِرُ على هذا السؤالِ الْمَغْلُوطِ … فهِيَ حلمَة { رشْمَة فْ مْرَمّة – نَقْشَة فْ مْضَمّة } … جَمالِيةٌ راقِيةٌ تسْتَمدّ عُنْفُوانَها الرّمْزي منْ حقْلٍ دلالِيّ أدْرَكَ الشّاعِرُ ببَوصَلَتْهِ الْقَويّة انْغِرازَهُ في وجْدانِ الْمُتلقّي … حقْل الْمرأة بأدواتِها الرّقيقة الْمُنْتِجَة للْألَق في أبْهى تَجَلّياتِه

أحسّ أنّ الْكلامَ في حضْرَة شاعرٍ في حجْم ” حسن تميم ” لا ينقطع إلا ليبدأ … في تناسُلٍ خارقٍ غَريبٍ يُسايِرُني ولا أسايِرُه لأن الصّبيبَ يحْكُمُه ، فيما تَحْكُمُنِي حالاتُ الانْبِهارِ أمامَ زخْمِ الْمَوجوداتِ في قصيدَةٍ تَبْدو سَهْلَة الْقَبضِ فيما هِيَ أكْبَرُ منْ قصيدَة … إنّها رؤْيا مَفْتوحَة على الضّوْءِ في مُقابِلِ واقِعٍ كلّ همّهِ أنْ يَجْثُمَ على أحْلامِنا … طوبى لَنا بهَمْسِكَ يا حسنْ

انظر النص :

ديك الليلة

. . .

و أنا سارح الشوف ف السْما

مْعنك الظلمة. . . و نراري بنعاسي

نْعدْ النجوم … نجمة … نجمة

و انفصل الحلمة . . . كلمة على قياسي

– – – –

و أنا سارح الشوف

و الشوف ملهوف

لديك الحلمة

و الكلمة تزنزن ف راسي

راغول ف الجدبة

على ميزان الحال

طاح المعنى ف البال

– – – –

و أنا نحلم . . .

و أنا نخمم . . .

و أنا نرسم . . .

حلمة ما هي فحال لحلام

كلمة ما هي فحال لكلام

رشمة . . . ف مرمة

نقشة . . . ف مضمة

محزمة مرزمة

عولت عليها

و بلا غمزة

لقيتها ف الحزة

حرة ما تحتاج نغزة

و ثمَّ زمَّمْت الكلمة

و سلات الحلمة

خير و سلام . . .

***

ذ. نور الدين حنيف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى