موازين الرباط في عهد الانحطاط من مغرب الثقافات إلى مغرب التفاهات!
عبد المولى المروري
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [ الأنبياء: 47]..
في اتجاه مصادم لكل القيم الإنسانية والأخلاقية.. وفي تعارض صارخ مع قواعد الأخوة والمساندة.. وفي غمرة حرب الإبادة الجماعية التي يعيشها أهلنا في غزة والتهجير القسري، والقتل العشوائي للأطفال.. تحت نيران العصابة الصه يو نية المجرمة.. قررت الدولة المغربية تنظيم مهرجان الخزي والعار، مهرجان التفاهة والخلاعة تحت مسمى مغرب الثقافات.. إيقاعات العالم.. أمام هذا القرار الكارثي الفظيع، لابد من توضيح ما يلي :
– الحقيقة الثقافية للدولة :
الدولة المغربية مصرة على فرض نموذج واحد من #الثقافات.. هو ثقافة الإسفاف والعهر، ثقافة الانحلال والشذوذ.. ثقافة التفاهة والميوعة (نموذج طوطو والخاسر ونيكي ميناج).. تفرض هذا النمط على #إيقاعات القنابل الفتاكة وحرب الإبادة والتجويع التي يعيش ويلاتها أهلنا في غزة.. تحت أنظار العالم، وعلى مقربة من مسامع الدولة المغربية، التي حتما يصلها بكاء الأطفال والرضع، وصراخ الأمهات المكلومات.. فامتزج هذا البكاء الحار مع أهازيج موسيقى موازين، ورقصات ضيوفه المشاهير، فكان الرقص على خشبات المسرح وعلى جراح الأطفال والنساء والخدج واليتامى والجوعى في غزة.. وعلى جثتهم الممزقة وأشلائهم المتناثرة، فأخرج لنا هذا المزيج المشوه أبشعَ ضجيجٍ وأقبح صورة عرفه تاريخ المغرب الثقافي والفني، مزيج آسن متعفن اختزل قذارة مسؤولي الدولة وعفونة قرارتهم وموت ضمائرهم في هذا المهرجان..
الدولة المغربية ماضية بعزم وقوة نحو المزيد من الخذلان المارق لأهلنا في غزة، وإلقاء المزيد من الملح المركز على جراحهم المثخنة، كان آخرها فتح ميناء طنجة في وجه سفن العصابة الإجرامية للتزود بما تحتاجه لمواصلة فنون الإبادة والتجويع التي لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلا لها دموية وهمجية وحيوانية.. مما يؤكد التحالف الاستراتيجي العسكري بين الدولة والعصابة الإجرامية!
لقد خططت الدولة لهذه المرحلة منذ مدة بهدوء وذكاء منقطع النظير، بعد أن اعتقلت أيقونات الصحافة والحقوقيين والمدونين بالمغرب، وهجرت الكثير من الإعلاميين والمثقفين والحقوقيين.. وضيقت على آخرين بالداخل.. وميعت العمل السياسي، وأضعفت الأحزاب السياسية، ودجنت الزعماء، وهمشت المثقفين والعلماء.. وقامت بإخلاء الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية لفائدة التافهين والشواذ والفاسدين.. وأغرقتها بالتفاهة الإعلامية والثقافية، والفراغ الفكري والانحراف الأخلاقي.. حتى يفقد المواطن المغربي حس النقد والاعتراض، وقامت بعد ذلك بوأد غريزة الدفاع لديه حتى يتنازل طواعية عن كرامته ويتخلى باختياره عن حقوقه ..
– زعماء بلا قيمة ومثقفون بلا فائدة :
لقد خصص زعيم أقوى وأكبر حزب سياسي مغربي ورئيس الحكومة السابق الأستاذ عبد الإله ابن كيران كلمة خاصة بمهرجان موازين، داعيا فيها الدولة المغربية إلى إلغاءه، أو على الأقل تأجيله احتراما لمشاعر أهلنا في غزة الذين يبادون ويقتَّلون في أبشع محرقة عرفها التاريخ المعاصر.. فهل أقامت الدولة المغربية وزنا أو اعتبارا لكلامه؟ وهل استحضرت ما قدمه لفائدتها من خدمات وتنازلات من أجل إرضاءها وكسب ثقتها وودها؟
ولقد تكلم العديد من المثقفين والمفكرين والعلماء عن خطورة المهرجانات الغنائية الماجنة على غرار مهرجان موازين لما لها من تأثير سيء وخطير على فكر وأخلاق الأجيال، وما يعرفه من تبديد للمال العام في التفاهات والترهات، هذا فضلا على تزامن هذا المهرجان مع المجزرة الوحشية التي يذهب ضحيتها آلاف الأطفال والنساء في غزة.. لقد توَسَّموا خيرا في دولتهم كي تبدي نوعا من الخجل، وتظهر نوعا من التضامن، ولو شكليا بإلغاء هذا المهرجان.. ولكن هيهات.. هيهات.. ذهبت صيحاتهم في واد التفاهة وإهدار الأموال، وتخريب العقول وتدمير الأخلاق..
هذا زمان أصبح فيه للشواذ تأثير ونفود، وللتافهين تأثير ونفوذ، وللفاسدين تأثير ونفوذ.. وأصبح فيه علماء المغرب ومثقفوه ومفكروه على الهامش، بلا قيمة، بلا دور، بلا تأثير.. وبلا وجود.. أصبحوا هم والعدم سواء.. بعد أن كانوا يشكلون عبئا ثقيلا عليها، وحرجا كبيرا أمام الشعب، فتخلصت منهم بالتهميش، والتضييق، والتشهير، والنفي الاختياري..
فهل يحظى الآن عبد الإله ابن كيران بما يحظى به نور زينو من مكانة وتأثير ونفوذ؟ وهل يحظى أحمد الريسوني ومصطفى بنحمزة بما يحظى به رشيد أيلال من إشادة تأثير ونفوذ؟ وهل يحظى حسن أوريد وطه عبد الرحمان بما يحظى به أحمد عصيد من اهتمام إعلامي وتأثير ونفوذ؟ وهل يحظى سعيد الكملي وحسن الكتاني بما يحظى به محمد رفيقي أبو حفص من قربة ومكانة ودلال؟ انقلبت الموازين في عهد مهرجان موازين..!! وأصبح المعروف منكرا، وأصبح المنكر معروفا، وأصبح الوطني خائنا، وأصبح الخائن مواطنيا، وأصبح الفاسد صالحا، وأصبح الصالح فاسدا!! وأصبحت الحرية حلما بعيدا، وأصبح القمع واقعا معيشا!!
– واقع مخز ومستقبل مظلم :
واقع الدولة المغربية الحالي يبعث على الخزي والعار، بسبب الاختيارات والتدابير والقرارات التي فرضتها على شعبها البئيس والمنكوب، فوضعته في ذيل كل مؤشرات التنمية والتعليم والصحة والنمو والاقتصاد والحرية وحقوق الإنسان والشفافية والنزاهة.. بينما حسنت موقعه في مؤشرات الفساد والرشوة والتعاسة.. وفي أوائل ترتيب منتخبات كرة القدم على المستوى العالمي!.. هذا أعظم إنجاز قامت به الدولة المغربية، وتتباهى وتفتخر به.. فما هي الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتعليمية والصحية والحقوقية التي استفاد منها الشعب المغربي بسبب تحسن ترتيب منتخب كرة القدم في الترتيب العالمي؟
ومع كل ما يعانيه الشعب المغربي من أزمات اقتصادية واجتماعية، ومن تخلف فظيع في منظوماته التعلمية والصحية والحقوقية، ما تزال الدولة مصرة على نهجها، وفية لاختياراتها في غرس قيم الانحلال والشذوذ باستظافة شخصيات معروفة عالميا بانحرافها الأخلاقي، وتقديمهم للشعب والشباب المغربي باعتبارهم أبطالا ونجوما، ليكونوا قدوة لأبناء المغرب من أطفال وشباب! فأي مستقبل ينتظر هذا الجيل؟ وأي مستقبل ينتظر المغرب؟
مستقبل غامض ينتظر هذا الوطن البئيس والجيل التائه الذي يعيش في ظل هذه الثقافة الماجنة، وهذه القيم الشاذة، المصادمة لقيم المغاربة وتاريخهم وثقافتهم.. مستقبل لن يبني مجدا، ولن يؤسس حضارة، ولن يربي مواطنا صالحا، ولن يقيم دولة قوية.. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يقولها كل مغربي وطني حر وغيور على دولته ووطنه.. وعلى كل العلماء والمثقفين والمفكرين والسياسيين أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية لمواجهة الدولة بهذه الحقيقة.. فهل سيفعلون ذلك؟
وفي انتظار هذا الحلم، نتوجه إلى الشعب المغربي الغيور على قيمه وأخلاقه وثقافته بنداء مقاطعة مهرجان الخزي والعار المسمى مهرجان موازين، وذلك أضعف الإيمان..
أيها الشعب الأبي الحر، أيها المواطن المغربي النزيه، قاطع مهرجان موازين تضامنا مع أهلنا في غزة!!