المرحوم جمال الدين هناوة … مسار لرجل وطني عصامي كرس حياته لخدمة المجتمع دون انتظار المقابل
بداية لا بد من الحديث عن علاقتي بالأخ والزميل جمال الدين هناوة رحمه الله والتي استمرت مدة 32 سنة بالتمام والكمال كنا خلالها على تواصل دائم كأصدقاء قبل أن نصبح زملاء في المهنة سنة 1999 مباشرة بعد وفاة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بعدما التحقت بمجموعة الأمل الصحفية بمدينة آسفي كمدير للتحرير لثلاث جرائد ورقية أهمها وأكثرها متابعة ” إخبارية الأمل ” والتي كان يديرها المرحوم محمد لعباد … فقد كنت والفقيد نتشاور دائما بشأن المواضيع التي كنا نتناول كل منا على المنبر الذي كان تابعا إليه … بل حتى خلال فترة مرضه بتقلص الشرايين شهرين قبل وفاته كنا أمام تحد واضح لسياسة الريع داخل عمالة الجديدة من خلال تناول موضوع الإنعاش الوطني الذي يضم لائحة من المستفيدين الذين ليس لهم من ذلك سوى الحصول على الراتب الشهري دون إسداء أية خدمة وخاصة من قبل موظفين سابقين بذات العمالة أو أقارب بعض المسؤولين … جمال الدين هناوة أصيب بوعكة صحية نقلته على إثرها إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس حيث مكث بغرفة الإنعاش مدة أسبوعين قبل أن يسلم روحه للبارئ تعالى بتاريخ 01 فبراير 2024 … رحم الله أخي جمال الدين هناوة وأسكنه فسيح الجنان ….
في زحمة الحياة وصخبها، هناك أشخاص يختارون طريق النضال عنوان عريض لمسارهم في التفاني لخدمة الآخرين وتسليط الضوء على كل القضايا ذات الارتباط بالمجتمع دون انتظار المقابل . من بين هؤلاء، رجل إعلامي مناضل، بشوش في وجه عقارب زمن الحياة ،أفنى سنوات شبابه في صفوف الشبيبة الحزبية، يحمل في قلبه حلماً لم يكتمل إسوة بباقي زملائه في التنظيم السياسي المحظوظين ، بالرغم من حصوله على إجازة في اللغة الإنجليزية، وجد نفسه محروماً من فرصة تقلد منصب يليق بمؤهلاته في الوظيفة العمومية كحق دستوري . لم ينصفه المجتمع الذي يعيش فيه، ولكنه لم يفقد الأمل واستمر في العطاء دون انتظار المقابل، تغطية إعلامية هنا وهناك لنقل الخبر، دينامبة متواصلة في صفوف أطر الحزب وتنظيماته الإقليمية و الوطنية بحس من المسؤولية في تدبيرآليات الاشتغال بنوع من الرزانة حتى في الأوقات العصيبة .
الرجل الإعلامي والمناضل.جمال الروح هناء النفس ، وُلد في أحد أحياء المدينة الشعبية بدار البيضاء ، حيث تتلاصق البيوت وتتشابك الأزقة، وتعلم منذ صغره أن الحياة نضال مستمر. كانت الكتب رفيقه والقلم سلاحه، ومن خلالهما بدأ رحلته في الشبيبة الحزبية، مدافعًا عن قضايا العدالة والمساواة.وتبني الفكر المتقدم لخدمة قضايا المجتمع في شتى مناحي الحياة العامة .
خلال سنوات دراسته الجامعية، تميز بنشاطه وحماسه، وكان دائمًا في طليعة الطلاب المطالبين بالتغيير. بعد تخرجه، واصل مسيرته الإعلامية، مستخدمًا قلمه للكتابة عن مشاكل المجتمع والدعوة إلى الإصلاح. لكن، بالرغم من مؤهلاته وتفانيه، وجد نفسه محرومًا من فرص العمل اللائقة في الوظيفة العمومية.شأنه في ذلك أقرانه ممن جاد عليه التنظيم الحزبي في مختلف مؤسسات الدولة .
لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجه الرفض المبطن والإحباط المعسول بكلام التسويف ، لكنه لم يستسلم. استمر في الكتابة والتحدث، مؤمنًا بأن صوته يمكن أن يحدث فرقًا. وبالرغم من عدم تقدير المجتمع لجهوده، فإن إرثه يبقى في الأجيال التي ألهمها والتغييرات التي سعى إليها.
وهكذا، بعد رحلة حافلة بالعطاء والنضال، اختتم الرجل المناضل مشواره الدنيوي. لم يكن موته نهاية لقصته، بل كان بداية لأسطورة ستروى عبر الأجيال. ترك خلفه زوجة وأبناء، ورثوا عنه الشجاعة والإصرار على مواجهة التحديات . سيظل ذكره حيًا في قلوبهم وقلوب كل من عرفه، كرمز للتضحية والإخلاص .
في ذكراه، يمكننا أن نتأمل في قيمة الحياة وأهمية العمل الذي نقوم به. يذكرنا مساره بأن العطاء لا يقاس بالسنين، بل بالأثر الذي نتركه وراءنا. وأن العدالة والمساواة قضايا تستحق النضال من أجلها، حتى وإن لم نرى ثمارها في حياتنا .
لقد كان مثالاً يحتذى به في الإخلاص والتفاني، وستظل قصته مصدر إلهام للأجيال القادمة، تعلمهم أن الحق والعدل يستحقان كل جهد، وأن الإنسانية تعلو ولا يعلى عليها .
شخصية جمال من جمال الروح وطيبة الخلق كان لها حضور في الساحة الثقافية والفنية والرياضية. إن فقدان صوت إعلامي مستقل يعد خسارة للمجتمع الثقافي والإعلامي بشهادة زملائه ورفاق دربه الذين لزموا معاناته بالمستشفى حتى آخر ثواني حياته الذي خلفت صدمة بين أصدقائه .
رحمه الله صديقنا جمال كان له تأثير إعلامي مهم وإيجابي دون حجعجة ، فلا عجب في تصنيفه ضمن الكتاب العصاميون الذين يعبرون عن أفكارهم بحرية ،كان له دور كبير في تشكيل الرأي العام وإثراء الحوار الثقافي والاجتماعي. ساهم بالقدر الكافي في تنوير المجتمع وتحفيز التفكير النقدي، من خلال إسهاماته القيمة .
ستظل يا جمال الروح والفكر، حاضرا بين زملائك في مشوارهم الترافعي عن القيم والمبادئ القاعدة الأساس لمسيرتنا التنويرية.