تحقيق : إنتشار عربات بيع المأكولات … اللي ما قتلت تسمن
إذا كانت النظافة ووجود مرحاض ومكان لغسل اليدين وظروف تخزين وعرض المأكولات شرطا أساسيا للحصول على رخصة مزاولة بيع المأكولات الجاهزة، فإن الواقع بشوارع وأحياء البيضاء وعدد من مدن المملكة يكشف عكس ذلك، ويفضح جريمة عرض مواد غير صالحة للاستهلاك وتعريض صحة وحياة المستهلكين للخطر.
انتشار هؤلاء الباعة الذين يتوفرون على عربات بأشكال وأحجام مختلفة، وظهورهم منهمكين في تحضير الأكلة المطلوبة التي تتوزع ما بين «بانيني» على الفحم أو «سندويشات» سريعة التحضير، قد تكون معدة من «كفتة» أو»كبدة» دجاج أو لحم حسب رغبة الزبون، يعرف إقبالا كثيفا من مختلف الشرائح والأعمار دون الاستفسار عن مصدرها ومطابقتها لمعايير الجودة والسلامة .
وشجع الإقبال الكثيف على المأكولات الجاهزة، ومنطق “كول بلا ما تسول المهم قضي باش ما كان وحيد الجوع”، عددا من الشباب وأرباب الأسر على مزاولة هذا النوع من الأنشطة، سواء تعلق الأمر بالعربات المجرورة والأكشاك أو المحلات التجارية “سناك”، إذ اختاروا امتهان بيع الوجبات السريعة لتفادي شبح البطالة ورغبتهم في توفير الربح السريع لتوفير مصاريف المسكن والمأكل والملبس في ظل غلاء المعيشة .
«ليس من رأى كمن سمع»، إذ يكفي القيام بجولة سريعة وسط الأحياء الشعبية للمدينة، للوقوف على حجم الخطر الذي يتهدد صحة وسلامة المستهلكين، إذ يتم إعداد المأكولات داخل محلات ضيقة بأدوات غير نظيفة يعتريها الصدأ، إضافة إلى تعرض هذه الأطعمة لدخان السيارات والأتربة المتصاعدة في الجو، في غياب اللجان المختلطة لتفعيل دورها في المراقبة والتفتيش وحجز كل ما يمكن أن يضر الصحة العامة .
وإذا كان بعض ممارسي هذا النوع من الأنشطة أصحاب العربات المجرورة، وكذا المطاعم والسناكات المفتوحة برخصة، يحرصون على تفادي الغش وبيع المنتوجات التي يعرفون مصدرها، فإن طريقة تخزين تلك اللحوم والمأكولات تكون غير جيدة ولا تحترم المعايير الصحية، وهي بذلك تسبب خطرا على المستهلك .
“الرخا على حساب الجودة” و “ عند رخصو تخلي نصو”، مثالان يصلح إسقاطهما على هذا النوع من الأنشطة، فكيف يمكن للعقل قبول اقتناء “سندويتش كفتة” و”الصوصيص” ب 5 أو 8 دراهم ؟، في حين أن ثمنها أكثر من ذلك بأضعاف مضاعفة .
ومن الأمور التي تجعل الإقبال على هذا النوع من المأكولات، أن سعر السندويتش لدى أصحاب هذه العربات لا يزيد عن 6 دراهم أو 12 درهما، وهي الأسعار التي تثير الكثير من الشكوك حول جودة ما تقدمه هذه العربات المجرورة المستعملة في بيع الوجبات السريعة في الهواء الطلق أو المحلات العشوائية التي تتخذ اسم “سناك أو “مطعم” رغم أن شروط النظافة والصحة بها لا توجد في الواقع، لتبقى صحة وسلامة المستهلكين في “يد الله” وهو ما يعلق عليه عدد من الزبناء أنفسهم بالقول “ما عارفينش مصدر هاد الماكلة وأغلبيتها يا من لحم حمير أو بقرة مريضة أو دجاج ميت ولكن هانيا، اللي ما قتلات تسمن”.
ولعل ارتفاع حالات اعتقال بعض عديمي الضمير بالمغرب ممن يبيعون وجبات مغشوشة وخطيرة، أكبر دليل على التداعيات الخطيرة التي يحملها انتشار هذا النوع من الأنشطة، في ظل عدم التقنين والمراقبة الفعلية غير الموسمية أو الانتقائية، إذ هناك من الباعة من عطل ضميره الإنساني وداس على الأخلاق والأعراف باستباحة لحوم الكلاب والحمير للاستعانة بها في إعداد الوجبات السريعة، التي يعرضها ويسوقها للزبناء بأثمنة رخيصة، رغم خطورتها ومساهمتها في وقوع حالات تسمم .
تواطؤ السلطات :
من بين الأمور التي تكشف بما لا يدع مجالا للشك، تواطؤ السلطات المحلية مع هذا النوع من الأنشطة، التي تهدد صحة وسلامة المستهلكين، السماح بانتشار عدد كبير من العربات المجرورة لبيع المأكولات الجاهزة المستغلة للملك العمومي، رغم وجودها بشكل لافت للانتباه، خاصة أنها تستغل الملك العمومي باحتلال الأرصفة، ومنها التي تستقر بجنبات الطريق، وهو الشأن نفسه بالنسبة لعدد من المحلات “سناك” والمطاعم المفتوحة وسط “كراجات”، والتي يتساءل المرء كيف حصلت على الرخصة؟ وشروط السلامة الصحية تنعدم فيها .
ومن الأمور الخطيرة، أن انتشار هذا النوع من الأنشطة، لم يعد منحصرا في الأحياء الشعبية، بل أصبح ظاهرة ملفتة للانتباه، في الأحياء الراقية بالمدينة .