تطور الفعل السياسي في المغرب الجديد
بقلم الدكتور عبد الله صدقي
لم يكن تداول السلطة في المغرب عن طريق حكومة التناوب 1997 سوى مكسبٍ عظيمٍ، نضحت به فلسفة الملك الراحل الحسن الثاني، انطلاقا مما استخلصه من التجارب الجمة، والدروس أثناء مواجهة السياسة المغربية لمنعطفات البناء التي مر بها المغرب، وما استخلصته التجارب التي خاضتها العقلية السياسية المغربية مع الأزمات والإكراهات والتحديات . وقد امتدت هذه التجربة الجديد لتشرع مع محمد السادس ملكا للمغرب، ويواصل سياسة أبيه الملك الراحل طيب الله تراه.
بعد ذلك انعطف المغرب نحو مرحلة عربية جديدة سميت ب (الربيع العربي)، جعلت العديد من الدول العربية تشتعل فيها نيران الصراعات بين الأحزاب والحكومات من دون جدوى، لتأخذ السياسة المغربية منحى طلائعيا واستباقيا، تجنب فيه المغرب ما أصاب الكثير من البلاد العربية، مما دفع الملك محمد السادس ليقوم بتعديل الدستور المغربي لعام 2011 ، حتى يكون نظام الحكم في المغرب نظاما ملكيا دستوريا، يتميز بديمقراطية برلمانية اجتماعية، يكون فيها النظام الدستوري للمملكة قائما على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، انطلاقا من الديمقراطية والمواطنة التشاركية، مؤسسا إياها على مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة …
وكان أن دخلت الأحزاب تجربة جديدة، بقيادة ملك المغرب محمد السادس الضامن لوحدة الوطن، وانطلقت حكومة الائتلاف بين الأحزاب، ثم طفقت معالم المعارضة تتوضح باعتبارها طبقة ذات أهمية مقابل حكومة الائتلاف، تعمل على المشاركة في تطوير الفعل السياسي واتخاذ القرار، وبناء عقل سياسي مغربي، يصوب سعيه لبناء مغرب جديد، يصبو إلى الالتحاق بالركب الحضاري العالمي، ورغم ما شاب المرحلة ما بين 2011 و2024 من تجاذب ونزاعات وصراعات لا نحسبها سوى صراعات وهمية، حيث تمثلت خصائصها في عدم نضج بعض الأفراد داخل الأحزاب، إما لحداثة التحاقهم بالعمل الحزبي والسياسي، وإما لأنهم أسرى للمفاهيم السياسية القديمة التي لا نراها ناضجة بعد، لما كانت تعتمده من العنف السياسي والصراع والكيل بمكيالين، والدهاء والمكر، والسباق نحو كرسي السلطة بأي ثمن باعتباره غاية نهائية، وإما لخضوعهم لعقلية النموذج السابق المهيمن، الذي جثم على كل التوجهات في الفعل السياسي، حيث كانت تعوزهم (الثقافة السياسية والقانونية)، مثلما كان ضعف المستوى الثقافي للعديد منهم ينخر شخصيتهم وتوجهاتهم، حيث يعوزهم القدر الكافي من الدراسة والمعرفة والعلم، والاستراتيجية ذات الرؤية المستقبلية البناءة، ما جعل سياستهم تتخبط يمينا وشمالا.
رغم ذلك وبفضل المخططات الاستراتيجية الملكية، تمكنت التجربة السياسية في المغرب أن تُرغم الحكومات التي تألفت من الأحزاب، على التوجه الصحيح لبناء مغرب يتطلع إلى التقدم والتطور في جل المجالات (الصناعية والفلاحية والثقافية والاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والعلمية والرياضية والتوسع في المجال الأخضر، وغيرها)، هكذا تعذر بروز العديد من أوجه النزاعات الوهمية بين الأحزاب إلى السطح، فانكب السياسيون الذين يدبرون الشأن العام بجد وإخلاص على العمل في محاولة تحقيق التعليمات الملكية، ثم بدا نجم المغرب يسطع بين الدول، ليخلق قفزة وإنجازات نوعية في كل المجالات، وشرع قاموس جديد في السياسة المغربية في تأسيس مفاهيم، تبدو في طلعتها ونتائجها كفيلة لتشييد صرح حضاري مغربي واعد .
برزت على إثر ذلك مدى أهمية التخطيط الاستراتيجي الحقيقي، الذي يخطط لسنة 2030 ويتجاوزها إلى 2050 برؤية ملكية علمية واضحة، تتسم باختيار الكفاءات والإمكانات، واستغلال الفرص وخلقها، والعمل على تقوية نقاط الضعف بعد تحديد الخلل، ومواجهة الإكراهات والتهديدات بالوسائل العلمية المتقدمة، باعتماد المتخصصين ذوي الخبرات المؤهلة، وخوض ميادين ذات صبغة عالمية أمام الأمم تلزم التجربة المغربية بالتطور والإنجاز (استقبال كأس أفريقيا 2025، وكأس العالم 2030 مع دول الجوار الأوروبي، كفرصة لتحقيق الذات، وتحقيق البناء، وخوض غمار التحدي .
بذلك لم يعد لدى الأحزاب السياسية وقتا لممارسة الزيف في الفعل السياسي، أو الصراع السياسي الوهمي، أو البطالة السياسية، أو البحث عن إسقاط الخصوم السياسيين، وعرقلة طريقهم بقلب الحقائق، والبحث عن النقائص للنيل منهم، كل ذلك دخل في سُبات نوم عميق، فأوجب تسديد عقول المغاربة لطي صفحته، ودفنه في قبر النسيان، والتوجه نحو بناء الوطن، فأبناء الوطن سواء كانوا أحزابا او جماعات أو حكاما، أو عمالا أو … ذووا مصير واحد، يركبون سفينة واحدة، إن نجت السفينة نجوا، وإن غرقت السفينة غرق الجميع … وباتوا في غنى عن السعي الزائف الذي كان يتمثل في وضعية المشهد (كلما تسلمت حكومة مقاليد الحكم لعنت أختها) محاكاة بما جاء في سورة الأعراف ( كلما دخلت أمة لعنت أختها)، حين الحديث عن سياق دخول الظالمين إلى جهنم .