قراءة ميسرة في كتاب “شاعرية الجسد” لجاك لوكوك:
يعتبر كتاب “شاعرية الجسد” لجاك لوكوك عملاً أساسياً في مجال تدريس التمثيل، حيث يقدم رؤية مبتكرة حول دور الجسد في الأداء المسرحي. يقدم لوكوك في هذا الكتاب منهجية فريدة تعتمد على استكشاف إمكانيات الجسد وتحريره، لخلق أداء مسرحي أصيل ومؤثر.
وقد استثمر جاك لوكوك احتمالات كثيرة كانت تلح عليه في السؤال و اعتمدها كأساس في كتابه منها :
* الجسد كأداة للتعبير: يؤكد لوكوك على أن الجسد ليس مجرد وعاء للتعبير عن الأفكار، بل هو أداة أساسية للتعبير الفني. يرى أن كل جزء من الجسد يحمل في طياته إمكانيات للتعبير، وأن على الممثل أن يستكشف هذه الإمكانيات ليخلق أداءً غنيًا ومتنوعًا.
* التحرر من القوالب الجسدية: يدعو لوكوك الممثلين إلى التحرر من القوالب الجسدية التقليدية، والبحث عن طرق جديدة للتعبير عن النفس من خلال الجسد. يشجع على تجربة حركات وحالات جسدية غير مألوفة، بهدف كسر الروتين وتوسيع آفاق الإبداع.
* أهمية الوعي الجسدي: يشدد لوكوك على أهمية الوعي الجسدي، أي الوعي بكل حركات الجسم وإحساساته. يرى أن هذا الوعي يساعد الممثل على التحكم في جسده بشكل أفضل، وبالتالي تقديم أداء أكثر دقة وواقعية.
* العلاقة بين الجسد والعقل: يربط لوكوك بين الجسد والعقل، ويشير إلى أن العقل والجسد يعملان معًا في خلق الأداء المسرحي. يرى أن العقل يوجه الجسد، والجسد يعكس حالة العقل.
* دور الخيال في الأداء: يشجع لوكوك الممثلين على استخدام خيالهم لخلق عوالم جديدة داخل أجسادهم. يرى أن الخيال هو مفتاح الإبداع، وأن على الممثل أن يتخيل نفسه في مواقف مختلفة لخلق أداء حيوي ومقنع.
* علاقة الجسد بالقناع: استعار جاك لوكوك تقنيات التعامل بالأقنعة من الثرات المسرحي للحقبة الباروكية و خاصة من الكوميديا ديلارتي ، و حث على اعتمادها كدعامة أساسية لإعداد الممثل ، بل يعتبر هو أول من وجه الأنظار إلى هذه التقنيات و نفض الغبار عنها بعدما تخلت عنها عدة مدارس مسرحية و بعدما راحت طي النسيان وله الفضل في إعادة ترتيب أبجدياتها و نحوها و لغتها كما له الفضل في تحديد أبعادها الجمالية .
* علاقة الجسد بالأكسسوار: لقد أصبح للأكسسوار دورا أساسيا في التعبير و القدرة على حمل الأيقونات و الدلالات و الإشارات السيميائية و سهولة إيصالها للمتلقي بسلاسة ، و يعتبر جاك لوكوك أول من أعاد الحياة للأكسسوار المحمول الجامد بحيث جعله مرآة واضحة لانعكاس كل ما يختلج في نفس وفؤاد حامله و معبرا عن عواطفه ، بل ولقد أصبح الأكسسوار بمثابة الند بالنسبة للممثل أحيانا ، فيما تعدى حدوده وإمكانياته التي صنع من أجلها.
أحدث كتاب “شاعرية الجسد” ثورة في مجال تدريس التمثيل،و خلف عدة تأثيرات إيجابية على مفهوم ظاهرة التمسرح، حيث قدم رؤية جديدة لدور الجسد في الأداء المسرحي. وقد أدى هذا الكتاب إلى إحياء للإرث المسرحي الذي خلفته المدارس المسرحية المتقدمة عبر التاريخ و ساهم في ظهور العديد من المدارس المسرحية الحديثة التي تعتمد على منهج جاك لوكوك، بحيث ساهمت في تطوير لغة جسدية جديدة في المسرح.
خلف كتاب ” شاعرية الجسد ” أو ” الجسد الشاعري” ( كما يحلو للبعض تسميته)، عدة نقاط ذات أهمية كبيرة منها:
* الوضوح والبساطة: يتميز أسلوب لوكوك بالوضوح والبساطة، مما يجعل أفكاره سهلة الفهم والتطبيق.
* الشمولية: يغطي الكتاب جوانب متعددة من الأداء المسرحي، بدءًا من الوعي الجسدي وحتى دور الخيال في الإبداع.
* الأصالة: يقدم لوكوك رؤية جديدة ومبتكرة لدور الجسد في المسرح، تختلف عن النظريات التقليدية.
كما يشير بعض الباحثين إلى أن الكتاب لا يخلو من نقاط ضعف (إن وجدت) ، تم إدراجها كما يلي:
* التركيز على الجسد والاقتصار على حدودياته : قد يرى بعض النقاد أن لوكوك يركز بشكل مفرط على الجسد، ويهمل الجوانب الأخرى للأداء المسرحي مثل الصوت واللغة.
* التخلي عن النص المسرحي و الاعتماد على الارتجال: كما ادعى نقاد آخرون أن جل أبحاث جاك لوكوك تعتمد بالأساس على تقنيات الإرتجال ، بحيث تتم عملية بناء مكانيزمات العملية الارتجالية وربطها من داخل الجسد و بالاعتماد على
أفكار تأتي عبر اقتراحات فقط، فيما تبقى عملية تغييب النص المسرحي قارة، الشيء الذي يدفع بظاهرة التمسرح التخلي عن المقاربة الفكرية و الأدبية.
ورغم كل ذلك يعد كتاب “شاعرية الجسد” لجاك لوكوك مرجعًا أساسيًا لكل من يهتم بالمسرح والتمثيل. فهو كتاب يقدم رؤية عميقة لدور الجسد في الإبداع الفني، ويشجع على الاستكشاف والتجريب.
كما يفتح آفاقا للتساؤل عن:
* ما هي أهمية الوعي الجسدي في الأداء المسرحي بالنسبة للممثلين و المخرجين العرب مثلا؟!
* و كيف يمكن تطبيق أفكار لوكوك على المسرح العربي؟
* ثم ما هي التحديات التي تواجه الممثلين العرب في تبني و تطبيق منهجية لوكوك في إعداد الممثل ؟.
عبد الرحيم بوعسرية .