غمزة :النهوض ب(الصحافي ) يقتضي النهوض بالثقافة
النهوض بالصحافة يقتضي النهوض بالثقافة، حيث إن تطور الإعلام وجودته يعتمدان بشكل كبير على مستوى الوعي الثقافي والمعرفي لدى الصحافيين والجمهور على حد سواء. الثقافة توفر للصحافي الخلفية المعرفية والقدرة على التحليل والنقد، مما يجعله قادرًا على تقديم محتوى غني ومؤثر. كما أن الجمهور المثقف يتطلب صحافة ذات مستوى عالٍ من الدقة والعمق، مما يدفع الصحافة إلى التطور والتحسن باستمرار. لذلك، لا يمكن فصل تطور الصحافة عن التطور الثقافي، فهما جانبان متكاملان يعززان بعضهما البعض.
إن النهوض بالصحافة يتطلب النهوض ب(الصحافي) لكن النهوض ب(الصحافي) يقتضي النهوض بالثقافة، التي هي المكون الأصلي لفكر الإنسان وصانعة توجهاته وقيمه وسلوكه, فالفرد في المجتمع ما هو إلا ثمرة ثقافة مجتمعه، إن هي سمت وارتفعت سما معها في سلوكه وتفكيره ومبادئه وقيمه، وإن هي هوت وتدنت هوى متدنيا معها، ولعل ذلك يفسر لنا ما نراه من تخلف في صحافتنا بالجديدة التي ترتفع فيها نسبة الفساد والتسيب والإهمال واللامبالاة، بسبب ما تعاني منه من تدن في ثقافاتها، وإذن لابد من بذل الحرص والاجتهاد في الاعتناء بصحافتنا بمدينتنا والنهوض بها إن أردنا نهوضا وقضاء على كثير من آفاتها وعيوبها..
وفي مجتمعنا الجديدي، من الواضح أن الصحافة لا تنال ما تستحق من الرعاية والاهتمام، ولعل أبرز دليل على ذلك، عدم الاعتراف بجسد مستقل للصحافة يضمها لتنمو وتكبر وتتبلور في داخله، فقد ظلت مسؤولية رعاية صحافتنا الجديدية مسندة لزمن طويل إلى جهات عدة تتنازعها من كل جانب, فجزء منها مسند إلى ….،وثان إلى …….،وهكذا، ثم لما استُشعر عدم صواب هذا التشتت، ضُمت أجزاء منها المبعثرة وأسندت جميعها إلى…… والفاهم يفهم …باستثناء اجزاء بسيطة منها..لكن الجمع بين الثقافة والصحافة في بوتقة واحدة،على ما قد يظهر بينهما من تقارب ،هو لا يخدم الصحافة كما ينبغي بل إنه يغمطها حقها من الرعاية والاعتناء، فالواقع يشير إلى أن هناك اختلافاً في المفهوم أو وظيفة بين الصحافة والثقافة وهو اختلاف يحتم الفصل بينهما، فالصحافة يراد منها في أحيان كثيرة أن تكون موجهة لخدم أغراضا محددة كالتوافق مع السياسة العامة للبلد، أو الدفاع عن مصالحه والحفاظ على حقوقه ،أو نشر الوعي بين الناس حول أمور الحياة كالشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الصحية أو البيئية أو الاستهلاكية أو غير ذلك، وهي كلها مجالات تقوم على مخاطبة ما في الواقع من حقائق ومعالجتها وإيصالها للجماهير بما يخدم الصالح العام، أما الثقافة فليست كذلك، الثقافة تتعلق بنواحي الفكر والابتكار والإبداع, فهي تتجه إلى مخاطبة العقول ولا يهمها في شيء ايصال الحقائق القائمة. ومن هنا فإن الثقافة والصحافة يسيران في مسارين مختلفين مما يحتم عدم امتزاجهما وذوبان أحدهما في الآخر..إن هذا لايعني إغفال ما يبذل حاليا في مجال الصحافة والثقافة من جهود لتنشيط الوسط الثقافي والقضاء على ما يكتنفه من الركود، إلا أن ذلك لا يكفي