يا أهل السنة، هذه هي السنة..
د.أحمد الريسوني
لقب “أهل السنة” لقب جليل جذاب، يحب عامةُ المسلمين أن ينضووا تحت لوائه ويستظلوا بظله. ومصدر هذه الجلالة والجاذبية هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف الانتساب إليها.
غير أن هذا اللقب الجليل تحول عند بعض المسلمين إلى مجرد شعار سياسي وسلاح طائفي أو قومي، يُستدعى ويستعمل في معارك التناحر والتفريق بين المسلمين.
وتقلص عند مسلمين آخرين – أو هم أنفسهم – لينحصر في بعض المظاهر والرموز والمصطلحات.. من ظهرت عليه فهو سني، وإلا فلا..
فلهذا وجب التذكير ببعض المضامين والمقتضيات لهذا اللقب الشريف، لقب أهل السنة، أو أهل السنة والجماعة.
1-السنة جهاد، وأهل السنة أهل جهاد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وسيبقى هو المجاهد الأول والمجاهد الأعظم؛ جاهد المشركين واليهود والمنافقين والمعتدين والمتآمرين والخائنين. والجهاد بمعناه الشامل هو الصفة الجامعة لرسول الله وسنته، فهو نبي مجاهد، وسنته هي الجهاد.
ولكن حتى الجهاد بالسيف، نجده أحد المكونات البارزة للسنة النبوية.. فالسنة جهاد، وأهل السنة هم أهل الجهاد، وأهل الجهاد هم أهل السنة. والسنة تقول لنا: «من مات ولم يغزُ، ولم يحدِّث به نفسه، مات على شعبة من نفاق». وفي السنة الصحيحة أيضا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا».
فلا يمكن أن يكون من أهل السنة من لا هو غزا، ولا هو جهز غازيا، ولا مول ولا أمدّ غازيا، ولا خلف غازيا بخير في أهله. ولا هو تحدث بخير عن المجاهدين، ولا هو كف أذاه عنهم؟؟؟
عالم مجاهد يقاطع السلطان لعقده هدنة مع المحتلين..
ومن أخبار العلماء السنيين المجاهدين ما وقفتُ عليه مؤخرا في كتاب (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى)، لأحمد بن خالد الناصري، عن “الشيخ الصالح المتصوف المجاهد أبي عبد الله محمد بن يحيى البهلولي. قال في الدوحة: كان هذا الشيخ ممن لازم باب الجهاد وفُتح له فيه، وله في ذلك أشعار وقصائد زجليات وغيرها.. وكان معاصرا للسلطان أبي عبد الله محمد بن محمد الشيخ الوطاسي، المعروف بالبرتغالي. فكان إذا جاءه زائرا حضه على الغزو، فيساعده على ما أراد من ذلك. ولما توفي السلطان المذكور ودالت الدولة لولده السلطان أحمد، وغص بالشرفاء القائمين عليه ببلاد السوس، عقد الهدنة مع النصارى المجاورين له ببلاد الهبط وصاحبهم سلطان البرتغال، فبلغ ذلك الشيخ أبا عبد الله المذكور فآلى على نفسه أن لا يلقى السلطان المذكور، ولا يمشي إليه، ولا يقبل منه ما كان عيَّـنَه له والده من جزية أهل الذمة بفاس، لقوته وضرورياته. فمكث على ذلك إلى أن حضرته الوفاة. وكان في النزع، وأصحابه دائرون به. فقال له بعضهم: يا سيدي أخبرك أن السلطان أمر بالغزو، ونادى به وحض الناس عليه، والمسلمون في شرح لذلك وفرحٍ. ففتح الشيخ عينيه وتهلل وجهه فرحا، وحمد الله وأثنى عليه. ففاضت نفسه وهو مسرور بذلك”.
2-أهل السنة يجتمعون ولا يتفرقون، ويجمعون ولا يفرقون
ولأجل ذلك سُـمُّوا (أهل السنة والجماعة).
فأما الذين تفرقوا شيعا، وأصبحوا دولا، وفرقوا ومزقوا أمتهم، وأصبحوا دعاة تباغض وتباعد بين المسلمين، فقد حادوا عن السنة، بل حادوا عن القرآن والسنة معا.
نحن نرى الدول الاستعمارية، المعادية للإسلام والمسلمين، تقيم علاقتها مع المسلمين، الممانعين والمتمردين عليها، تحت شعار استراتيجي طويل الأمد هو: الاحتواء.
أما الدول العربية الإسلامية – “أهل السنة والجماعة” – فشعارهم فيما بينهم هو: التفرق والاحتراب، مع الاستقواء بالأعداء..
3-من السنة شكر أهل الفضل والإحسان على فضلهم وإحسانهم
من غرائب هذا العصر أننا وجدنا من “أهل السنة” من يعترضون وينكرون على مجرد تقديم الشكر لإيران على مساعدتها ومناصرتها للمقاومة الفلسطينية، وكأنهم لم يسمعوا قط بهذا الحديث النبوي الشريف، عن أبي هريرة، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ».
وفي رواية أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ، قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ».
ومن روائع سنة نبينا: ثناؤه صلى الله عليه وسلم على نجاشي الحبشة، وشهادته له بأنه (ملك لا يُظلم عنده أحد). والنجاشي يومئذ نصراني، ولا يعلم عن الإسلام والمسلمين شيئا..
أليس هذا كله من السنة؟
فأين أنتم من السنة يا بعض “أهل السنة”