مجرد رأي

أثر العلاقات المغربية الإيرانية على الجزائر وصنيعتها البوليساريو

. بقلم: عبد الرحيم لعماري.
المسار الذي عرفته العلاقات المغربية الإيرانية عرف شدا وجذبا منذ الثورة الإيرانية، واحتلت فيها المسألة العقدية أولوية كبرى باعتبار المغرب السني يجسد رؤية لبلد هو حاضنة الإسلام في بعده السني باختياراته المذهبية وتبنيه للعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الجند وارتكازه على إمارة المؤمنين، وزعامته لرئاسة لجنة القدس وانتصاره رسميا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بالرغم ما شاب هذا التضامن رسميا من تطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي لم يطفئ جذوة الانتصار لغزة ولحزب الله الشيعي شعبيا. كما أن العقيدة الشيعية وخيارات إيران في الاصطفاف إلى جانب محور المقاومة وتأييدها للنظام السوري وما قام به من قمع ودمار وتقتيل للسوريين، وسعي الإيرانيين إلى نشر فكرهم العقدي وثورتهم على كل الأنظمة العربية لا سيما الملكية منها. وازدياد الخلاف بعد الاتهامات لإيران بدعمها للبوليساريو، وتحركات آلات إعلامية ساهمت في إذكاء الصراع بين البلدين واستعملت فيه كل الأسلحة، والاتهامات الجاهزة للتخوين، واتسع الخرق على الراقع. إلا أنه خلال الأيام الأخيرة تحسنت العلاقات بين البلدين وذلك بوساطة خليجية، قادتها السعودية وسلطنة عمان، مما أثار حفيظة الجارة الجزائر التي ليس من مصلحتها أن يكون الدفء بين البلدين، وهي التي تلعب ورقة الانفصال وحق تقرير المصير لما يسمى بالشعب الصحراوي، وتدعم الانفصاليين المحتجزين عندها بتندوف. وقد سعت الجزائر بكل الوسائل الديبلوماسية إلى إجهاض هذا التقارب الذي يخدم المغرب، ويجعلها في عزلة دولية.
المغرب وتمسكه بسيادته على الصحراء:
الدبلوماسية المغربية واضحة في مقاربتها لملف الصحراء، وتشبثها بمغربية الصحراء لا مراء فيه. وقد قدم المغرب في هذا الباب مقترح الحكم الذاتي الذي ساهم في اعتراف العديد من البلدان بسيادة المغرب على صحرائه. وكان هذا الموقف شرطا أساسيا في إعادة العلاقة المغربية الإيرانية التي توقفت منذ
2018م، واشترط المغرب أيضا أن تقطع إيران أي دعم للبوليساريو. ووقف أي دعم للحركة الانفصالية التي تعمل تحت غطاء جزائري. هذا الموقف المغربي يعكس سياسة سيادية صارمة تقوم على وضع المصالح الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى، وهو ما جعل طهران في موقف صعب إذا ما رغبت فعلاً في إعادة العلاقات.
تخوفات الجزائر:
تدرك الجزائر خطورة التقارب بين البلدين وتأثيرها على منطقة شمال إفريقيا ومدى امتداداتها في العمق الإفريقي. فالمغرب استطاع في السنوات الأخيرة خلق استثمارات أزعجت ماما فرنسا، وأهلته ليكون رائدا وقطبا اقتصاديا، وفرض على الولايات المتحدة وفرنسا تجاوز منطق الاستعباد الاقتصادي واعتبار المغرب دركيا، إلى التعامل معه بالندية والتعويل عليه في مجال الاقتصاد ومحاربة الإرهاب، وتوقيف الهجرة نحو أوربا، وما الزيارة الأخيرة لماكرون إلا اعتراف ضمني بقوة المغرب الاقتصادية، ودليل على تماسكه المجتمعي والاستقرار الذي ينعم به، وهذا مزعج للجزائر التي بدأت تشاهد تساقط أوراق الخريف بعد سحب أغلب البلدان الإفريقية اعترافها بما يسمى بالبوليساريو، والخطوة الأخيرة للخارجية المغربية التقاربية مع إيران تعدها الجزائر ناقوس خطر، مما دفع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى إجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، في محاولة لتأمين استمرار المواقف الإيرانية المتناغمة مع الجزائر. وهذا دليل على حجم الانزعاج الجزائري من التقارب الإيراني المغربي.
المغرب الرابح الأكبر: في السياسة لا بد من اعتماد منطق رابح رابح، وخطوات المغرب المحسوبة سواء كانت الوساطة للتقارب مع الدول كيفما كان الوسطاء. فتحركات المغرب من منطق قوة، وطرحه لحلحلة ملف الصحراء مقبول دوليا وأمميا، وخليجيا وإفريقيا، ويكفي إحصاء الدول التي اعترفت بالسيادة المغربية، ومنها دول الخليج السعودية والإمارات، وكذا دول في قلب إفريقيا، انضافت إليها إسبانيا وفرنسا وأمريكا ترامب مما أركب الطرح الانفصالي. وقد ألقى التقارب السعودي الإيراني مؤخرا بظلاله على العلاقات المغربية الإيرانية ومهد الطريق لاستئنافها
إيران وفك العزلة: المتأمل في مسار إيران ما بعد الشاه يعلم يقينا أن هذه الدولة تعرضت لحرب برعاية أمريكية نفذها صدام العراق، حاولت إيقاف التنمية في بلد ثار على الاستبداد وحكم الشاه الموالي للكيان الصهيوني، وكان لهذه الحرب الاستنزافية ما بعدها والتي غيرت خريطة منطقة الشرق الأوسط فيما بعد، وكانت نهاية صراع الدول العربية المدعومة من طرف الأمريكيين الذين احتاجوا لمن يرعى مصالحهم ويحمي الكيان الصنيعة الغربية بالشرق الأوسط، زادت من معاناة الشعب الفلسطيني، ومكنت الصهاينة من الاستيطان، وسمحت بمزيد من العنف والتقتيل، وحصار غزة العزة، وتشريد الشعب الفلسطيني والتنكيل به، وسارعت هاته القوى إلى الانقلاب على حليفهم صدام بعد دخوله إلى الكويت، وضمه لها على أساس أنها جزء من العراق، فكان هذا الفعل آخر مسمار يدق في مسار زعيم عربي عقدت عليه الشعوب آمالا في التحرر من الاستعمار فتمت الحرب الحضارية الأولى بحسب تعبير المهدي المنجرة، التي دمرت شعب وحضارة أمة عريقة، وتم اغتيال صدام، وبقيت إيران تراقب الوضع من بعيد وتعاني من العزلة، بالرغم من نهجها سياسة المطبخ الهادئ ورغبتها في جني الثمار بعد نضجها، وعدم التسرع، والحرص على عدم الدخول في معارك استنزافية، وتصدير الثورة عبر محور المقاومة، ودعمها لحزب الله لبنان وللفصائل الإسلامية بفلسطين حماس والجهاد، وللحوثيين اليمن، وتأييدها لثروات الربيع العربي، ورفع شعار أمريكا الشيطان الأكبر، وتحالفها مع روسيا والصين وتركيا، وتقديم نفسها داعمة لفلسطين ووقوفها في وجه الطغيان الصهيوني، وكل ذلك بحذر شديد، ولا أدل على ذلك من ردها المعتدل والخفيف على اغتيال الشهيد هنية بأراضيها واغتيال أحد أهم مناصريها والموالين لها الشهيد حسن نصر الله، ودخولها في حوار مع أمريكا حول ملفها النووي، وعدم تنازلها على دعم الأسد، بالرغم من حجم الضريبة المرتفعة للاستبداد والظلم الذي تعرض له الشعب السوري. ولفك العزلة عنها قدمت إيران تنازلات متعددة، وبخصوص المغرب برز لها أن التحالف مع المغرب هو الأفيد لها إقليميا لما يحظى به من سمعة معتبرة وبالنظر لمنسوبه الديموقرطي واستقراره بالرغم مما يشوبه من أخطاء وتجاوزات، فهذه العلاقة تدخل في إطار التوزنات والتوافقات الدولية، وحرص المغرب وإيران على تذويب الجليد، وتجاوز مرحلة الاتهامات المتباذلة، واستدعاء الترسانة العقدية والفكرانية والسياسية، والتخندق في غيتوات وهمية لا تحقق الاستقرار ولا التنمية. وستفتح وبدون شك هذه العلاقة لإيران التواصل مع دول عربية أخرى، وتضع قدمها بقوة في إفريقيا إلى جانب روسيا. وبالنسبة للمغرب ستتأكد ريادته للعالم الإسلامي وهو الذي يرأس لجنة القدس وله تاريخ حضاري عريق يمتد ما قبل الإدارسة إلى العلويين، كما أن باحثين يعتبرون الشعب المغربي من بين أهم الشعوب المحبة لآل البيت وينتصرون لهم، وهم مولعون بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقرب إلى الشيعة من غيرهم. وسمعة المغرب الرسمي والشعبي تسبقه في المحافل الدولية. وسيحقق هذا التقارب تبادلا اقتصاديا مهما، ويفتح جسور التواصل بين الدولتين. وهو ما سيؤثر لا محالة على الجار الجزائر وينهي أسطوانة الجمهورية الوهمية.
وكل هذه التحولات تزيد من صعوبة تحرك المغرب للمحافظة على المكتسبات وتفعيل ديبلوماسيته لاستثمار الحدث والخطوة نحو الأفضل. فهل سيكسب المغرب الرهان، ويتجاوز الضغط الذي يمارسه اللوبي الصهيوني من خلال التطبيع الذي يعتبر نقطة حساسة ومؤثرة على العلاقة مع إيران التي هي في حالة حرب مع الكيان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى