ثقافة وفنون ومؤلفات

خمسون سنة من الاحتفالية 

بقلم: عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام

(خمسون سنة من الاحتفالية) استعير هذا العنوان من د. نذير عبد اللطيف في كتابه الموسوعي والتوثيقي، والذي ينتظر القارئ المغربي صدوره قريبا، وفي الحيز المخصص للاحتفالي والاحتفالية، يقول د، نذير عبد اللطيف (لقد أصبح المشروع الاحتفالي ـ اليوم ـ إطارا فنيا كبيرا، يجمع بين الإبداع والنقد والتنظير، ومرجعا مسرحيا موسعا، بعدما تبنته تجارب مسرحية متعددة من أقطارنا العربية، واستطاع أن يستقطب روادا متعددين ومتجددين ـ (مخرجين ومؤلفين ونقادا وجمهورا) ـ بفعل تعامل كل هؤلاء مع مسرحيات برشيد وربطها بما يقدم من بيانات تنظيرية تؤسس لفعل متجدد، وفكر يقظ، ومرجعية واضحة، تستجيب لخصوصياتنا الذاتية، وتنفتح على الآخر ، دون أدنى إحساس بالنقص، وداخل سياقات تواصلية متفاعلة.
إن هذا البعد التواصلي يعمل على تجديد المشروع المسرحي العربي داخل منظومة إنتاجية، تعتمد على الذاكرة الجماعية وما تحمل من موروث ثقافي خام، قابل للتفعيل والتشغيل وإعادة الإنتاج.
وإذا كانت الاحتفالية لا تؤمن بالجمود والثبات والسكون، فإن الكتابة الإبداعية فيها تتغذى من الحركة والحيوية، بعيدا عن كل واقعية سطحية مبتذلة، وقريبة من المزاوجة في تداخل الأزمنة والأمكنة بشكل يتناسب وطبيعة المحتفلين، بحيث يؤطر هذا الفعل وعي كل المشاركين بهذا الاحتفال، وينخرطون داخل طقوسه بمشاعرهم وأحاسيسهم التعبيرية، وبأفراحهم وأتراحهم المشتركة، ليكون التواصل محكما بسياقات معرفية وجمالية، قد تختلف وطبيعة الفرجة المسرحية المستهلكة)
من يفهم الاحتفالية تفهمه الاحتفالية:
خمسون سنة من الاحتفالية، بالتاكيد هي لم تكن نوما عميقا مع اهل الكهف، ولم تكن غيابا ولا غيبوبة، وانما كانت حضورا متجددا، وكانت احتفاء واحتفالية، وكانت حياة وحيوية، وكانت تجربة وتجريبا وتجريبية، وكانت جراة في الحق وفي الحقيقة، وكانت حلما باعبم مفتوحة، وكانت اسئلة ومسائل وتساؤلات ومسؤولية، وكانت كشفا ومكاشفة، وكانت فكرا وعلما وفنا، وكانت اجتهادات في فقه الوجود وفي فقه الحياة، وما فعله ويفعله د، نذير عبد اللطيف، بالأمس واليوم وغدا، دليل آخر على صدق ومصداقية هذا الباحث العالم، والذي يعرف ان هذه الاحتفالية ليست مجرد اسماء عبرت في التاريخ، ولكنها صناعة جديدة ومجددة، من صناعات التاريخ الفكري والجمالي والأخلاقي الحديث والمعاصر
والذين فهموا الاحتفالية فهما سليما، هم الذين عشقوها وانصفوها، لأنها صورتهم الحقيقية في الفكر والفن، ولأنها صوتهم وصوت ارضهم وصوت تاريخهم، وفي نفس هذا المعنى يقول مولانا جلال الدين الرومي:
(الروح التي فيها شيء من روحك
تعرف كيف تخاطبك بغير كلمات)
وما اكثر الذين كلمونا بالكلمات، والذين كلمونا بالإشارات، وفي كثير من الحالات كلمونا بالصمت البليغ ايضا، وكان ان فهموا لغتنا وفهمنا لغتهم، سواء في التلقي المسرحي او في الدراسات النقدية
ومن يفهمك من الناس، فإنه لابد ان يقترب منك اكثر، ولابد ان يضيف إلى معانيك معنى، وأن يضيف الى افكارك فكرة، وأن يضيف إلى علمك علما، وهذا ما اشعرني به كثير من الكتاب الباحثين، والذين نبهونا لوجود أشياء أخرى كثيرة جدا، سواء في فننا الاحتفالي، او في فكرنا المسرحي، او في علمنا المسرحي، أشياء قلناها وكتبناها، من غير إن تنتبه إليها، ولكن النقد العلمي الجاد انتبه اليها، وكشف الحجب عنها
هذه الاحتفالية آمنت دائما بالعلم، وكانت عبر كل مسيرتها مع الاجتهاد، ومع الحق في الاجتهاد، ولقد ميزت بين نقد حكيم، وبين نقد متحكم، وبين نقد يعشق نصه، ويعشق موضوعه، وبين نص آخر يكره الإبداع، ويكره الاجتهاد في الإبداع وفي بعض المبدعين، وينقل هذه الكراهية من مجالها الرمزي السامي، ويشخصنها في اشخاص معينين، ذنبهم الوحيد هو أنهم فكروا، وانهم كانوا صادقين في فكرهم وفي فنهم وفي اجتهادهم البريء
وهذه الاحتفالية التي كتبت كتابين، للرد على النقد الأيديولوجي وعلى النقد المدرسي، هي نفس الاحتفالية التي خصت الباحث والناقد والمؤرخ المسرحي الكبير الدكتور علي الراعي بالإهداء التالي في فاتحة كتاب ( التيار التجريبب في المسرح العربي الحديث) وهب نفسها التي خصت د حسن المنيعي بإهداء صادق ومستحق في مدخل كتاب ( التيار الاحتفالي في المسرح العربي اللحديث) ولقد جاء في الإهداء الأول ما يلي:
(إلى روح الناقد، العالم والفنان
د. علي الراعي
إلى كبيرنا الذي علمنا السحر الحلال
إلى ذلك الذي اشتغل على المسرح
يعقل العالم المفكر
وبذوق الفنان الخلاق
وبصبر المؤمن
وبوجدان الصوفي)
اما في نص الإهداء الموجه إلى روح د. حين المنيعي فقد ورد فيه ما يلي:
إلى روح المعلم والرائد والمؤسس الدكتور حسن المنيعي
كل التيارات وكل المدارس وكل التجارب المسرحية المغربية الجادة استفادت من فكره ومن علمه ومن حسه الجمالي العالي، وفي كل النقد المسرحي المغربي الحديث شيء كثير من دروسه ومن نبوءاته الصادقة
وفي هذا الكتاب، وفي غيره من الكتب، يحضر المعلم العاشق للمسرح، والحياة د. حين المنيعي)
بحثا عن اللحظة الاحتفالية:
وتذكروا دائما، وانتم تقرأون ما اكتب، بأنني أنا اليوم، أحدثكم عن احتفالية اليوم، وأحدثكم عن احتفالي هذا اليوم، والذي فيه شيء كثير من احتفالية الأمس، وأنا الاحتفالي الحر، (مجبر) ومحكوم بأن أخاطبكم بلغة اليوم، وعن قضايا هذا اليوم، وإذا سألتم عن احتفالية الأمس فإنني أقول لكم بأنها موجودة في احتفالية هذا اليوم، تماما كما أنا الاحتفالي القديم موجود في جبة هذا الاحتفالي الجديد والمتجدد
وفي كتاب (مسافر وجهته السحاب) يقول الاحتفالي:
( وأنا ذلك الاحتفالي الذي قلت وكتبت دائما، بأن ما يميز الاحتفاليين، في حياتهم وفي حياة أفكارهم، هو أنهم، ورغم أنهم لا يؤمنون بتناسخ الأرواح، (فإإنهم يؤمنون بتناسخ الأفكار، وبتناسخ الصور، وبتناسخ الاختيارات الوجودية والأدبية والفنية، وهذا شيء يعطيهم الإحساس بأنهم ورثة الفكر الإنساني، في عموميته وشموليته، وأنهم مؤتمنون على العبقرية الإنسانية، وذلك على امتداد التاريخ كله
ولعل هذا هو ما جعلني أؤكد دائما أن الاحتفالية قديمة، وأن الجديد هو الاحتفالي المغربي والعربي الجديد، والذي أعاد قراءتها، وأعاد كتابتها في ضوء المتغيرات التاريخية الجديدة والمتجددة
وأبدأ هذا النفس الجديد، من هذه الكتابة الجديدة بسؤالين
اثنين قديمين قدم وجودي وقم الاحتفالية في التاريخ، والسؤالان هما:
هذا الاحتفالي، هل هو كائن حقا، أم غير كائن؟
وفي حال وجود هذا الاحتفالي، فمن يكون؟ وأين يكون؟ ومع
من يكون؟
هكذا يتساءل المتسائلون دائما، وعن التساؤل الثاني المركب
يجيب الاحتفالي
( أنا
ساعة صدقني، تأتي ثم تمضي، وتدور مع الفلك الدوار، وهي ساعة، إذا كنا فيها تضحكنا، كما تضحك أنت الآن، وإذا غادرناها تبكي الآخرين علينا)
وهل هذا الإنسان إلا لحظة؟ نعم، هو لحظة متحركة في عالم يحيا بالحركة وفي الحركة
وهل كل هذه الحياة إلا لحظة؟ سيد كل اللحظات فيها وسلكانها هو اللحظودة الاحتفالية والعيدية
وهل هذا التاريخ بكل احداثه واسمائه وحالاته وافكاره واحلامه واوهامه واكتشافاته ومخترعاته وابداعاته الا لحظة ؟
ولكن لحظة الفرح هي بالتاكيد لحظة مختلفة ومخالفة، وهي غير لحظة البؤس واحظة الحزن ولحظة الشقاء، وتبقى لحظة العيد والتعييد، في مسارنا الوجودي، هي اللحظة الأجمل والاكمل والأنبل دائما وهي الأقرب إلى الأرواح الإنسانية من لحظة المأتم، ومن اللحظة الجناىزية والمأساوية، كما ان لحظة التلاقي العيدي هي اغلى واعلى من لحظة الفراق، ولحظة الرضا هي خير من لحظة السخط، ولحظة في الحلم الاحتفالي والعيدي هي أجمل من لحظة الكابوس المفزع والمرعب
وعندما نقرأ مجمل الأدبيات الاحتفالية، ونتأمل معنى الإبداعات الاحتفالية، ونعيش احتفالياتها المسرحية، فإنه لابد أن نهتدي إلى الجواب التالي، وهو أن هذا الاحتفالي هو سارق النار الذي يعشق النور، وهو القوي قوة ناعمة، وهو العنيف عنف الحقيقة، وهو الجميل جمال الوجود، وهو السخي سخاء الطبيعة، وهو الجديد المتجدد بتجدد الأيام والأعوام، وهو المشاغب شغب الأفكار الجديدة، وهو المعاند الذي يهوى الخلاف والاختلاف، ابتداء من
مخالفة نفسه ومخالفة أفكاره ومخالفة قناعاته واختياراته القديمة، وهو الفوضوي المنظم للفوضى، سواء في حياته، أو في حياة أبداعه الفكري والجمالي، وهو العاشق للمعرفة والحكمة،
وهو الصوفي الموجود والمتحد بأصل الوجود، وهي الكائن النسبي العاشق للمطلق؛ هكذا هو، أو هكذا يريد أن يكون هو، في فضاء هذا الكون اللامحدود..
الاحتفالية والوفاء للعبقرية الإنسانية:
وفي النفس الثالث عشر، من الكتابات الاحتفالية السابقة في الفيس بوك، والتي حملت عنوان ( الكتابات الأخرى في السياقات الأخرى ـ كتابة اخرى لحضور متجدد) يقول الاحتفالي (وهذه الاحتفالية الحية، ولأنها أساسا لحظة إنسانية متحركة، في هذا الزمن الوجودي المتحرك، فهي ترى أن من واجبها أن تحرض الأجساد والأرواح الحية من أجل أن تحيا وجودها، وأن تحضر في كل موعد احتفالي، وأن تصر على الحضور؛ جسدا وروحا، وأن تغيّب الغياب بحضورها، لأن الغياب في المنطق الاحتفالي خيانة وجودية، وأن تواجه الموت أيضا، بالإصرار على الحياة والحيوية وعلى الجديد والتجدد، وأن تسجل هذا العبور الوجودي في لوح الحياة، وأن تكتبه على لوح الأيام والليالي، وأن تحفره في لوح الوجود والموجودات، وهل خلقت هذه الكتابة، إلا من أجل أن تؤكد على الحضور في الغياب، وعلى الحياة في الموت وبعد الموت)
وفي كتاب (مسافر وجهته السحاب) يقول الاحتفالي:
( وأنا ذلك الاحتفالي الذي قلت وكتبت دائما، بأن ما يميز الاحتفاليين، في حياتهم وفي حياة أفكارهم، هو أنهم، ورغم أنهم لا يؤمنون بتناسخ الأرواح، (فإنهم يؤمنون بتناسخ الأفكار، وبتناسخ الصور، وبتناسخ الاختيارات الوجودية والأدبية والفنية، وهذا شيء يعطيهم الإحساس بأنهم ورثة الفكر الإنساني، في عموميته وشموليته، وأنهم مؤتمنون على العبقرية الإنسانية، وذلك على امتداد التاريخ كله
ولعل هذا هو ما جعلني أؤكد دائما أن الاحتفالية قديمة، وأن الجديد هو الاحتفالي المغربي والعربي، والذي أعاد قراءتها، وأعاد كتابتها في ضوء المتغيرات التاريخية الجديدة والمتجددة)
وبالنسبة للأستاذ حسين بنيشو، فإن المسرح الاحتفالي بمثل (ثورة ابستمولوجية على أنماط المسرح الكلاسيكي ؛ وذلك باستنباط الفرجة التي تعتبر جزء من حياتنا اليومية) ومثل هذا الفعل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى