الاحتفال رسالة لها كاتب ولها قارئ
بقلم: عبد الكريم برشيد
فاتحة الكلام
في البدء، كانت الرؤية الاحتفالية في الوجود، وكان الإنسان المحب للحياة، والباحث في الأيام عن لحظة فرح، احتفاليا بطبعه، وظل هذا الإنسان يطلب العيد والتعييد ويهرب من المأساة والماساوبة ومن الماتم ومن ألمأتمية، وقد تختفي هذه الروح الاحتفالية، لدى بعض الشعوب، وفي بعض المراحل التاريخية، ولكنها لابد ان تعود من جديد، وهذا ما يجعلنا اليوم نراهن على احتفالية معينة، ولكن على احتفالية إنسانية وكونية متجددة في الزمن التاريخي المتجدد
وعن معنى هذا العيد يقول الاحتفالي، يمكن ان نقرا في (بيان كازابلانكا للاحتفالية المتجددة) والذي كان احتفاء بانتصار الإنسانية على الموت الماساوي الذي جاءت به حاىحة موليد 19، وفي هذا البيان يقول الاحتفالي ما يلي:
(وهذا الذي نسميه العيد، والذي هو يوم من الأيام، أو هو ليلة من الليالي، هل كان يمكن أن يكون عيدا حقيقيا، لو لم يسبقه اجتهاد ومعاناة وانتظار وبحث وتصور وسعي وانتظار وخوف وقلق، وذلك باتجاه الأجمل والأكمل، وذلك في الحالات والمقامات، وفي التصورات والمشاهدات، وفي الأفكار والاختيارات؟)
وفي كتاب ( انا الذي رايت) وفي النفس الذي يحمل عنوان( الاحتفال حياة وحرية ) يقول الاحتفالي ما يلي :
(الحياة ضرورات و اختيارات، فماذا اخترت انت؟ هذا هو السؤال الضمني الذي تواجهنا به الأيام والليالي كل ساعة وحين، وهي بهذا تشعرنا بان فعل الاختيار ليس اختياريا، ولكنه إجباري، ولقد وجدنا من يقدم لهذا السؤال ـ التحدي الإجابة التالية ( اخترت الحياة يا ولدي.. فالحياة احسن الاختيارات والموت اسوا الضرورات) هكذا تحدثت شخصية مسرحية في تلك المقامة البهلوانية التي تحمل توقيعي، وتحمل شيئا مني ومن طقسي ومناخي، وتقاسمني نفس احلامي واوهامي في عالم الناس والحجارة)
من يحتفل؟ ولماذا يحتفل؟ ومع من يحتفل؟
وبالتاكيد، فإن هذا العيد لم يكن ممكنا له ان يكون، بدون مقدماته، وبدون شروطه الذاتية والموضوعية، وبدون سياقاته الفكرية والحمالية، وبدون مناسباته الاجتماعية والوطنية والدينية، لأن فعل التعييد هو دائما هكذا، فهو ليس فعلا شبحيا، وليس فعلا عبثيا، وليس فعلا مجانيا، وليس فعلا فوضويا، وهو نظام وانتظام وترتيب ولهذا فقد كان فعلا حقيقيا وواقعيا وتاريخيا ومنطقيا، ولذلك، فقد كان هذا الفعل المركب بحاجة إلى تحليل وإلى تفكيك، وكان في حاجة لعقل يمكن ان يفسره وان يبرره، وكان بحاجة إلى خيال والى ذوق والى حس جمالي، ولقد ارتبط اهءا الفعل الاحتفالي بالأسئلة الأساسية والجوهرية التالية:
من يحتفل؟
الناس الأحياء بكل تاكيد، لأن الموتى لا يحتفلون، وبهذا الاحتفال نبرهن لكل العالم باننا فعلا احياء، وبأننا ندرك قيمة الحياة، ونعرف الإنسان والإنسانية
ولماذا نحتفل؟
نحن نحتفل حتى يرانا الناس، وحتى يسمعنا الآخرون، وحتى يفهم كل من يستطيع ان يفهم، باننا في هذا الاحتفال نبعث لهم برسائل، اعتمادا على لغات الأجساد وعلى لغات الأشياء وعلى كل اللغات الحية الكائنة والممكنة الوجود
ومع من نحتفل؟
مع الناس الأحياء طبعا، لأن الاحتفال فعل جماعي واجتماعي، وهو لا يمكن ان يكتسب معناه الحقيقي إلا بالمشاركة الجماعية، وان يتم مع الاحتفال مع كل الذين نقتسم معهم المكان والزمان، ونقتسم معهم اللحظة الاحتفالية والعيدية، ومع كل الذين نقتسم معهم نفس الأسئلة ونفس القضايا ونفس الهموم ونفس الاهتمامات ونفس الحالات ونفس الاختيارات ..
ويبقى السؤال، وماذا فعلنا، وماذا قدمنا، وماذا حققنا، وماذا انجزنا، وماذا اخترعنا، وماذا اكتشفنا، حتى يمكن ان نحتفل؟
ونعرف ان الفاشلين لا يحتفلون وان المنهزمين لا يحتفلون، وان الكسالى لا يختفلون، وعليه، فقد كان هذا الاحتفال حقا مشروعا لمن يستحقه، وليس فقط لمن يريده ويطلبه ..
ان الاحتفال بالمجان هو بالتاكيد احتفال مجاني لا قيمة له
والاحتفال بلا موضوع جاد وجديد، هو احتفال لا معنى له بكل تاكيد
والاحتفال خارج اي سياق منطقي وواقعي هو في أغلب الحالات احتفال لا محل له على خرائط الاحتفالات الواقعية والتاريخية الحقيقية .
من يحق له الاحتفال في الحياة؟
وهذا الذي نسميه الاحتفال ليس مجرد مظاهر برانية فقط، ولكنه حالات وجدانية ايضا، وبهذا فهو فعل اولا، وهو فاعلية ثانيا، وهو انفعال ثالثا، وهو تفاعل فيزيائي وكيميائي ووجداني وفكري وروحي رابعا، ويرى الاحتفالي في ( بيان كازابلانكا للاحتفالية المتجددة) ان (أسوأ كل الناس، في المنظور الاحتفالي، هو من لا يتصور شيئا، وهو من لا يتخيل شيئا، وهو من لا يفعل شيئا، وهو من لا ينتظر شيئا، وهو من لا يعشق شيئا، وهو من لا يؤسس شيئا، وهو من لا يجدد حياته القديمة بالعيد الجديد
وأسوأ كل الناس أيضا، هو من تتشابه كل أيام حياته، لتكون كلها يوما واحدا، لا شيء فيه يبهر، ولا شيء فيه يدهش، وبحسب الاحتفالي، العاشق للجديد والتجدد، فإن أجمل وأصدق وأسمى ما في هذا العيد هو أنه مجرد ساعة في عمر الزمن، وتحديدا فهو تلك الساعة الأخرى الحقيقية، والمدهشة والمقنعة والممتعة دائما، والممكنة الوجود في هذا الوجود) والتي يمكن أن تشير الى كل شئ، وان تختزل كل شيء..
وان تكون صنما مثلا، او ان تكون صورة مرسومة على جدار، فإنه لا يجوز لك ان تحتفل، وان تكون في عالم الناس الأحياء، مجرد شيء من الأشياء، فإنه لا يحق لك ان تحتفل ايضا. كن إنسانا حيا اولا، وكن ثانيا إنسانا عاقلا ومفكرا ومجتهدا ومناضلا ومبدعا ومنتصرا حتى يكون من حقك ان تحتفل
وهذا الاحتفال، في معناه الحقيقي، ليس تظاهرة فلكلورية، كما فهم ذلك بعض النقاد المغاربة والعرب، وليس رقصا وغناء وأهازيح شعبية بالضرورة، لأن الأساس هو روح الاحتفال، وهو معنى الاحتفال قبل مبناه، وهو فلسفته قبل أشكاله الفرجوية العابرة، ولعل أهم وأخطر ما لم يلتفت إليه أغلب هؤلاء النقاد هو أن هذا الاحتفال هو أساسا ( فعل وجودي، وذلك قبل أن يكون فعلا اجتماعيا، إنه تقليد طقوسي ـ ديني ـ اجتماعي ـ اقتصادي، وفي هذا الطقس تحقق الطبيعة دورتها، وتحقق الأيام دورتها، ويحقق المجتمع دورته، ويجدد الجسد دورته الدموية، وتجسد الروح دورتها الروحية)
وهذا الاحتفال العيدي، هو أساسا حياة وحيوية، وهو حرية وتحرر، وهو بهذا ضد الجبر والجبرية، وضد سلطة الضرورة، وهو مرادف للتلقائية والعفوية دائما، وهو تعبير صادق عن العيش الصادق بكل تأكيد، ومرادف للإحساس الصادق في اللحظة الصادقة، وكما نكون نحن يكون احتفالنا بكل تأكيد، وبهذا فقد كان مرآة نفوسنا ومرآة أرواحنا قبل كل شيء، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( ليس هناك احتفال بالطلب، وليس هناك احتفال بفرمان أو بأوامر عليا تقول لنا (احتفلوا بهذا الشكل، ولا احتفلوا بغيره)
فعندما نحتفل، نحتفل بصدق، وبحرية، ونحتفل جماعيا أو لا يكون، ولذلك نؤكد، وأكدنا دائما على “نحن ـ الآن ـ هنا” ) ولقد ورد الكلام في حوار بعنوان (عبد الكريم برشيد: الاحتفالية هي التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر) وقد أجرى هذا الحوار عبد الحميد خليفة احساب مجلة ( الحياة المسرحية) السورية
لقد راهنت هذه الاحتفالية دائما على الجديد والمتجدد، وأساسا على عنصر الإدهاش في فعل التجديد، ولقد أكدت على أن الرهان على الجديد المجدد والمتجدد، هو رهان مؤثث دائما بشيء كثير من المخاطرة الصادقة، ولقد اقتنعت بأن في كل مخاطرة ـ علمية كانت أو أدبية أو فكرية أو فنية أو استكشافية ـ تكمن نسبة من الحق والحقيقة، ومن الجمال والكمال، ومن الحياة الحقيقة في الوجود الحقيقي، كما أكدت على أن الاحتفال هو اليوم الجديد، وهو الموقف الجديد، وهو الساعة الجديدة، وهو الحالة الجديدة، وهو الإحساس الجديد، وهو الزي الجديدة، وهو الكشف الجديد، وهو الاختيار الجديد، وهو الرؤية الجديدة، وهو العلاقة الجديدة، وهو البنية الجديدة، وهو اللغة الجديدة، وهو الأبجدية الجديدة، وهو الكتابة الجديدة، وهو القراءة الجديدة، وهو المتعة الجمالية الجديدة، ولعل هذا هو ما يجعل التيار الاحتفالي حركة قبل كل شيء، ويجعله طاقة محركة ومجددة ومتجددة على الدوام، ويجعله يعطي لكل حادث حديث، ويعطي لكل مقام مقاله الذي يليق به..
ونحن نعرف، وكل العالم بعرف، بان اليوم الاحتفالي هو يوم مسرحي، تماما كما أن اليوم المسرحي هو يوم احتفالي وعيدي أيضا، وهذا اليوم الاستثنائي، في حياة الناس الأحياء، هو سلطان كل الأيام والأعوام، تماما كما هي الحالة الاحتفالية ايضا، فهي أفصح وأبلغ وأصدق كل الحالات، تماما كما هو الإحساس الاحتفالي كذلك، في جدته وغناه، فهو بالضرورة أجمل وأنبل وأكمل كل الأحاسيس، وتماما كما هي اللغة الاحتفالية هي أبلغ كل اللغات الحية، وبهذا يكون الخطاب الاحتفالي هو الأقرب إلى روح وجوهر الحقيقة، لأنه خطاب متعدد ومتجدد وغني وشامل ومتكامل، وهو يتضمن كل شيء، ولا يقصي أي شيء من الأشياء، أو أية فكرة من الأفكار، أو أي عنصر من العناصر، ففيه العلم والفكر، وفيه الفن والصناعة، وفيه الشعر والنثر، وفيه الحكي والمحاكاة، وفيه الواقع والتاريخ، وفيه الحقيقة والخيال، وفيه الممكن والمحال، وفيه الوجه والقناع، وفيه الأجساد والأزياء، وفي الأضواء والظلال، وفيه الألوان والأصباغ، وفيه الخرافة والأسطورة
الممثل الاحتفالي اسئلة ومسائل
وبالنسبة لهذه الاحتفالية، الغنية والمركبة، في علاقاتها بشخص الممثل، فإن أهم ما يميزها هو أنها لم تأخذ بالمسلمات وبالبديهيات وبالتعليمات المدرسية ولا بالخطابات السياسية، ولو أنها فعلت ذلك ما كانت منسجمة مع فلسفتها القائمة على التحدي والتجاوز، أي تجاوز الكائن الموجود إلى الوجود الممكن، وهي بهذا تقول وتردد وتكتب نفس الأسئلة القديمة، من غر أن تسلم بأجوبتها المدرسية الجاهزة والمعروفة والمتعارف عليها، ولقد حاولت دائما أن تعطي لكل الأسماء معانيها ودلالاتها الجديدة والمتجددة، ابتداء طبعا من كلمة الاحتفال، والتي حررتها من المعنى الفلكلوري، ومن كلمة العيد، والتي أعطتها معانيها العلمية والفلسفية، بعيدا عن المعنى السطحي الشائع، ولقد تم هذا انطلاقا من اعتبار أن التمثيل المسرحي هو مظهر عيدي، وأن الممثل هو بالضرورة كائن احتفالي، وبان هذه الحياة هي مسرحية احتفالية
وتؤكد الاحتفالية على السؤال الفكري أولا، وترى أن السؤال الأساسي في ( المنهجية المدرسية هو سؤال تقني دائما، ويمكن أن يختزل هذا السؤال في كلمة واحدة هي كلمة كيف، أي كيف نمثل ، ولكن الاحتفالية ـ باعتبارها أساسا فلسفة وجود وفلسفة حياة وفلسفة في الجمال ـ هي بالضرورة أكبر وأخطر من أن تكون مجرد تقنية آلية وكفى، ولعل هذا هو ما يفسر أن تكون أسئلتها أسئلة فكرية بالدرجة الأولى، وأن تكون هذه الأسئلة كثيرة ومتنوعة وحارقة ومتناسلة وشفافة وشاملة ومتكاملة وجديدة ومتجددة، ومن هذه الأسئلة يمكن ان نجد الأسئلة التالية:
من هو المخرج؟
وما هي حدود تدخلاته؟
ومن هو الممثل؟
وأين ومتى يمثل هذا الممثل، ومتى لا يمثل؟
وهل يمثل ذاته الواحدة المحتفلة أم يمثل ذواته الأخرى المتعددة والممكنة، والتي تمثلها الشخصيات المتخيلة؟
وماذا يمثل هذا الممثل تحديدا؟
هل يمثل الواقع والوقائع الظاهرة أم يمثل الحقائق الخفية؟
ومن أجل ماذا يمثل هذا الممثل؟
من أجل قيم مادية نسبية أم من أجل قيم إنسانية، رمزية ومطلقة؟
وما هي مسؤولية هذا الممثل في ما يقوله ويفعله في الفضاء المسرحي؟
وما هي حدوده في مسرحه؟
وهل يمكن لهذا الممثل أن يكون حرا إذا كان موظفا لدى الدولة أوكان مجرد أجير لدى صاحب المقاولة المسرحية؟
وهل هذا الممثل مبدع أم مجرد تابع؟
في هذه الاحتفالية لا وجود لقوانين قمعية وزجرية، ولا وجود لأحكام نهائية، ولا وجود لتعاليم قبلية يمكن أن تفرض على الممثل المسرحي فرضا، وهي لا تلقن الممثل الحي في الحياة المسرحية أبجديات حيواته المفتوحة على كل الممكنات والاحتمالات، والفضاء المسرحي يظل على الدوام فارغا ومحايدا وقابلا لأن يكون كل شيء، وهي لا تقول للممثل مثل بهذا الشكل، ولا تمثل بأي شكل آخر، ولو فعلت ذلك لناقضت نفسها، ولخالفت مبادئها الأساسية القائمة على الحرية والتحرر، وعلى الحياة والحيوية، وعلى الشفافية والتلقائية، وعلى الاحتكام أساسا إلى سياقات اللحظة الآن ـ هنا، بكل ما فيها من حالات ومواقف، ومن أحلام وأوهام، ومن هذيان خلاق، ولعل هذا هو ما جعل هذه الاحتفالية ـ في كل بياناتها وأدبياتها ـ تركز أساسا على المبادئ العامة وحدها في مجال التمثيل، وجعلها تبتعد ـ بالقدر الذي تستطيع ـ عن الغوص في التفاصيل وفي الجزئيات وفي ( القوانين) التي يمكن أن تحد من حرية الممثل، ويمكن أن تنزلق بصدق الأداء المسرحي لديه نحو الآلية والتصنع، ونحو التكلف واستظهار الدروس النظرية والمجردة الباردة، وبهذا نجد الاحتفالية تلتقي مع أوجينيو باربا الذي أكد دائما على أن التمثيل ( ليست له قواعد ثابتة، ولكنه بالمقابل له بعض ( المبادئ المتكررة، وله نصائح صغيرة) وهذا ما أوضحه الاحتفالي في كتاب ( الصدمة المزدوجة ــ المسرح والحداثة) والذي صدر عن ( دائرة الثقافة والإعلام ) بالشارقة سنة 2004
الممثل الاحتفالي، يمثل او لا يمثل؟
كل المسرحيات إذن، تشترك في نفس المبادئ العامة، وكل الممثلين أيضا يشتركون في هذه المبادئ المشتركة والمقتسمة، وبغير هذا، فإنه لا وجود للمثل الاحتفالي المبدع والخلاق، ولا للمثل الساحر والمجنون، ولا للممثل الذي يكون سيد نفسه وسيد عالمه، ويكون سيد لحظته المسرحية الحية، والتي لا أحد يملكها إلا هو، ولا أحد يمكن أن يحسها وأن يعيشها إلا هو، ولهذا تعول الاحتفالية أساسا على الممثل العبقري، وذلك من أجل أن يوجد لكل احتفال مسرحي ( منهجيته) الخاصة،ويوجد له طقسه ومناخه ولعبه وجده وهزله وايقاعه وكل مفردات لغته المسرحية الخاصة
والإنسان الاحتفالي هو أساسا كائن بيني، وهو بهذا وجود مركب، وهو هوية مضاعفة، وهو فيض حركات، وهو حزمة تحولات، وهو خزان ممكنات، وهو وجوه وأقنعة، وهو جسد وظلال، وهو أزياء وأدوار، ولهذا فقد كان أساسا حركة، وكان حياة وحيوية، وكان حرية وفعلا للتحرر، ولهذا فهو جسد ( مقيم) في السفر، وليس في أية محطة ثابتة، وماذا يمكن أن يكون التمثيل ـ في معناه الحقيقي ـ سوى أنه ( السفر الذهني، وهو السفر الوجداني والروحي، إنه الانتقال من هوية إلى أخرى، ومن حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، ومن مكان إلى مكان، ومن زمن إلى زمن، إنه العبور من ( الأنا) إلى الآخر، ومن الرجل إلى المرأة، ومن جسد الرجل إلى جسد الطفل، وهو أيضا انتقال من المواطن ( في وطنه) إلى الغريب، ومن المجسد إلى المجرد، ومن الشخص إلى الشخصية، ومن المتبع إلى المبدع، ومن اللحظة الآن إلى الزمن الذي كان، وأيضا إلى ذلك الزمن الآخر الممكن، والذي سوف يكون غدا، أو قد لا يكون أبدا) نفس المرجع السابق ..
وميزة هذا الممثل الاحتفالي أنه لا يمثل، ولكنه فقط يحتفل، وهو مطالب بأن ينسى بأنه يمثل، وأن يجعل ضيوفه في الاحتفال المسرحي ينسون بأنه يمثل، وإذا شعرنا بأنه يمثل ( علينا) فإنه لابد ان تسقط اللعبة من أساسها، ويصبح فعل الإقناع الفني صعبا ومستحيلا، ويصبح التكلف سيد الموقف، ومع وجود التكلف يغيب الصدق والمصداقية بكل تأكيد، ويموت السحر