مجرد رأي

كلمات .. حول زلزال سقوط دمشق

كلمات
.. حول زلزال سقوط دمشق
———————
سقطت الدولة في سوريا… من أسقطها؟. وماذا بعد؟ .

أحمد ويحمان ×

استهلال في مشروع التقسيم

لم يكن سقوط الدولة في سوريا حدثاً طارئا أو نتيجة لصراعات داخلية بحتة؛ بل جاء في سياق مخطط استعماري محكم يستهدف تفتيت الدولة السورية كجزء من مشروع أوسع لتقسيم المنطقة العربية وفرض الهيمنة عليها ونهب ثرواتها الطبيعية . و هذا المشروع يتم بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية، مستندة على أدوات محلية وإقليمية ودولية، لتسهيل تنفيذ مخططاتها على الأرض.

فمع احتلال أمريكا لمناطق شرق الفرات واستحواذها على مقدراتها وشروعها في استنزاف خيرات البلاد، انتقل خطاب التفكيك الطائفي والمذهبي إلى السرعة الاعلى، حيث تم الترويج لفكرة تقسيم سوريا إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية، كما أصبحت تكشف عنها، وبكل “فضوح”، تدوينات شخصيات مثل مسؤول عن البروباغندا الصهيونية،إيدي كوهين، التي تتحدث عن دويلات للدروز والأكراد والعلويين …الخ

تركيز القوى الدولية على “الأقليات” غطاء للتقسيم

من أبرز مظاهر المؤامرة على سوريا تركيز المسؤولين الأمريكيين والصهاينة في تصريحاتهم وخططهم على ما يسمونه “الأقليات” الدينية والعرقية، لا سيما الأكراد والدروز. وهذه النبرة لا علاقة لها بأي حرص على الحقوق الخاصة لهذه الأقليات، بل إنها تعكس استراتيجية خبيثة تهدف إلى ضرب وحدة الشعب السوري من خلال استغلال التنوع الثقافي والإثني الموجود وتفخيخه بتحويله من مصدر للغنى الحضاري إلى أداة للصراع والتقسيم.

في المقابل، يتم تجاهل الأغلبية السورية وقضاياها الوطنية لصالح مشاريع “الحماية الدولية” لهذه الأقليات المزعومة، وهي ذات السياسة التي اتُبعت في العراق وليبيا، حيث تم تسليط الضوء على الأقليات كذريعة للتدخل العسكري والسياسي الذي أدى إلى انهيار الدولتين.

ثروات سوريا .. أولوية الأولويات في مشروع التفكيك

لطالما شكّلت سوريا محوراً استراتيجياً في المنطقة، ليس فقط بموقعها الجغرافي، ولكن أيضاً بثرواتها الطبيعية التي باتت هدفاً أساسياً في النزاع. فالسيطرة على موارد سوريا، وخاصة حقول النفط والغاز، كانت من أولويات القوى الدولية المتورطة في الحرب.
والولايات المتحدة تحتل مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط، بينما تتنافس تركيا على مناطق أخرى لفرض سيطرتها ونهب مواردها، في حين يركز الكيان الصهيوني على الاستيلاء على المناطق الغنية بالمياه والطاقة حول الجولان.

ثلاث تصريحات .. الجولاني، نتنياهو، وبايدن

من المفارقات الكبرى أن ثلاث شخصيات، من مواقع مختلفة، أجمعت، هذا اليوم، على أهمية ما جرى في سوريا؛ أبو محمد الجولاني، “الزعيم” الجديد في شمال سوريا، وبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني، وجو بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الإجماع على أهمية “زلزال دمشق” لا يمكن أن يكون مجرد صدفة؛ بل هو تعبير عن تلاقي المصالح في تفتيت سوريا وإعادة رسم خارطة المنطقة بما يخدم مصالحهم ومشاريعهم المشتركة.

مقايسة سقوط دمشق بسقوط بغداد وطرابلس

إن ما يجري في سوريا اليوم يُذكّرنا بسقوط بغداد عام 2003 وطرابلس عام 2011. ففي كلتا الحالتين، لم يكن من وصلوا إلى السلطة ممثلين حقيقيين للشعب العراقي أو الليبي، بل كانوا أدوات في يد القوى الغربية، التي دفعتهم إلى الواجهة لتحقيق مصالحها وليس مصالح شعوبهم.
في سوريا، تحرك المسلحون لإسقاط الدولة بعد ساعات فقط من تهديد بنيامين نتنياهو للرئيس السوري بشار الأسد. هذا الترابط بين التحركات العسكرية والتصريحات الصهيونية يكشف عن عمق المؤامرة ومدى ارتباطها بالمصالح الإسرائيلية والأمريكية .

وماذا بعد؟ .. البديل وانتظارات الشعب السوري

القيادة ؟
+ هل تكون انتقالية ؟ .. هل سيتولى أبو محمد الجولاني قيادة المرحلة الانتقالية، كونه الزعيم الفعلي للمسلحين في الشمال السوري؟ أم أننا سنشهد تشكيل مجلس انتقالي جديد يُعيَّن من قِبل القوى الدولية؟
+ هل نكون بإزاء “بريمر” سوريا ؟ .. من سيكون “بريمر” السوري، كما كان بول بريمر الحاكم المدني في العراق بعد الغزو الأمريكي؟ هل ستُفرض شخصية جديدة كوكيل لإدارة المرحلة الانتقالية بما يخدم الأجندات الغربية؟

الدستور والديمقراطية ؟
+ هل سيتم صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري، أم أن المصالح الخارجية هي التي ستحدد شكل النظام المقبل؟
السيادة ووحدة الأراضي ؟
+ هل يبقى القرار بيد الشعب السوري لتقرير مصيره، أم أن القوى الدولية ستتدخل في صياغة المستقبل بما يخدم أجنداتها؟

إسرائيل .. المستفيد الأكبر من الزلزال السوري

تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير أمنه كشفت عن نوايا وأطماع صهيونية واضحة للاستيلاء على محيط الجولان وجبل الشيخ، وهو ما يُعد استكمالاً لمشروع احتلال أعلى قمة في جبل حرمون والقرى المجاورة، صدر الخبر العاجل، ونحن نخط هذه الكلمات بإعلان الإعلام الصهيوني عن احتلاله ،على التو، إثر سلسلة من غارات الطيران الحربي للمنطقة ..
فهذا العدوان و التصعيد الصهيوني يهدف إلى فرض واقع جديد، بما يتجاوز اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. و المشروع ينسجم مع رؤية دونالد ترامب، الذي أشار بصددها إلى ضرورة توسيع حدود كيان الاحتلال لأنها، على حد تعبيره، تبدو صغيرة على الخريطة! فهذه الرؤية تتوافق مع السعي الصهيوني لإعادة رسم المنطقة بما يخدم مشروع وحلم كل القادة الصهاينة بما يسمى “إسرائيل الكبرى”.

خلاصة القول في سقوط دمشق كإشارة لإمكانية سقوط كل الأمة

ما يجري في سوريا ليس بالتأكيد صراع بين نظام وشعب في هذا البلد، بل هو زلزال سياسي واستراتيجي يُهدد الأمة بأكملها. فانهيار دمشق يعني انهيار خط الدفاع الأخير أمام المشاريع الصهيونية والتوسعية، من صفقة القرن إلى مشروع تقسيم المنطقة.

آخر الكلام
إن الغبار الذي يملأ سماء سوريا اليوم سينقشع، لكن ما سيبقى هو الحطام الذي يُهدد الجميع. والمطلوب الآن هو أن نستفيق من وهم ومخاطر إسقاط الدول الذي هو مطلب صهيوني واستعماري . و المحقق هو أن تفكيك سوريا لن يكون إلا بداية لمسلسل كارثي يُطيح بالمنطقة برمتها.
لا قدر الله !
وآخر دعوانا أن ؛
يا لطييييييف !
———————-
× باحث في علم الاجتماع السياس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى