ثقافة وفنون ومؤلفات
افتتاح الموسم الثقافي (24/25)للجديدة
إبراهيم زباير الزكراوي
بحديقة الحسن الثاني بالجديدة و بالضبط بقاعة العروض للمكتبة الوسائطية ادريس التاشفيني تم افتتاح الموسم الثقافي (24/25) للجديدة المنظم من قبل الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، بتعاون مع المديرية الإقليمية للثقافة بالجديدة، والمكتبة الوسائطية التاشفيني، وصالون مازغان للثقافة والفن. بعرض في موضوع:” العالم غدا، ذاك الذي سوف يسكنه أحفادنا “للدكتور مليم لعروسي.
وتابع الحضور النوعي، عرض الدكتور موليم لعروسي، الباحث في الجماليات، باهتمام، حيث سبح بهم فيما ينتظرهم مستقبلا، بل ما ينتظر أحفادهم في عالم الغد الذي سيسكنونه، موطئا لعرضه بتناول الدرس الفلسفي، أو ” الفلسفة التي تأتي في المساء “، لدراسة الظواهر التي تيقنا منها، مستدركا بأن الظروف اليوم تغيرت، وتتغير باستمرار وبسرعة، لذا وجب اليقظة دوما، “toujours un éveil constant ” حسب تعبير الراحل عبد الكبير الخطيبي، ضاربا المثل ” لو انسحبت أسبوعا واحدا، لعدت شخصا هرما ” نظرا لتسارع الأحداث، فما يجري الآن في العالم، يتسارع، وهنا أشار محاضرنا إلى أنه طرح في درس افتتاحي، السنة الماضية، موضوع ” أن نكون اليوم؟ “، واليوم في الدرس الافتتاحي للموسم الثقافي الجديد ” أن نكون غدا؟ “، ليعرج إلى التحول الجغرافي بفعل الحروب، النائمة، أو الموجودة، الدائرة رحاها حاليا، فالتحول الإنساني حيث تم تجاوز فكرة الإنسانية، رغم تميز الإنسان عن الحيوان، مستدلا ب ” حرب غزة ” التي ما هي إلا مقدمة لما سيأتي في القادم من الأيام من تحولات، في الشرق الأوسط بصفة عامة، ووسط هذا الضجيج، يقول باحثنا موليم لعروسي:” سوف وسوف، نرى الطريقة التي سيقع بها التحول” ( ملحوظة لابد منها، العرض قدم يوم الجمعة 06 دجنبر الحالي، ويوم الأحد 08 من الشهر نفسه، سقطت دمشق، وفر الأسد!).
ويرى الباحث في الجمال، أن عدو أمريكا الأول هو الصين، لأنها مستقرة، وتتقدم باستمرار، رغم محاولات الغرب لخنقها.
كما تطرق لثنائية الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، اللذان يعتمدان أسلوبين مختلفين ولكن الأهداف واحدة، فالجمهوريون يتبنون الضغط الاقتصادي، والديموقراطيون يختلقون الحروب، ومع الصين يسلكون التحرش بها من خلال ورقة تايوان، وبحر الصين، لجرها إلى حرب، الهدف منها إغلاق ممر ” مالاكا ” الصغير جدا ( حيث لا يتعدى عرضه كيلومترين و800 متر )، وإذا ما تم إغلاقه، ستضطر الصين إلى المرور من جهة أستراليا في الأقاصي، وتبحث أمريكا عن اختلاق أي سبب بسيط يؤدي للتوتر ، متبعة نهج ” أنا مع الحل، وضد الحل “.
والصين تعي ذلك، لذا تجدها تسعى لتقليل وصولها للممرات التجارية الدولية، وتنوع مساراتها، منذ زمان، لمواجهة الضغوط الأمريكية.
بالمقابل، أمريكا، تعرف جيدا، أن خط أنابيب غاز وبترول الصين/ مينامار ( بورما )، على صفيح ساخن ولا تتردد في صب الزيت على نار ملف الهورينغا، لكن الصين منفتحة على ميناء ” بوادار ” بباكستان على البحر الهندي، ويربطه بالصين مباشرة عبر طريق سيار طوله أكثر من 3000 كيلومتر وسط القمم العالية، من جنوب باكستان الى الصين، التي تعزز نفوذها البحري، وتربط علاقات متعددة بالمنظمات الجالبة لمناصرين لها.
وللتضييق على أمريكا، فالصين جادة في شن حرب كبيرة، بالهحوم على الدولار عبر ” منظمة بركس “، إلى جانب روسيا وغيرها من الدول التي أنهت التعامل بالدولار، المفروض بقوة السلاح عبر اتفاقية ” برايت نوت “.
وال” بريكس ” يريد اضعاف الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عسكرية، ولا يريدها أن تنهار اقتصاديا، لأن هذا سيكون له عواقب على الجميع.
وبالرجوع للدولار الذي كان مفروضا على مقتنيي البترول، فجاء مصطلح ” البترودولار ” (شراء البترول بالدولار فقط )، وإذا ما نجح ” بريكس ” في مسعاه، سينهار الدولار لا محالة حسب خبراء المال.
ومن جانبها، تستمر أمريكا في مضايقة خصومها بقرارات، آخرها منع تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين ابتداء من ثالث دجنبر الجاري، معتبرة القرار يتعلق بالأمن القومي.
وفي إطار تنويع مسارات الصين تتجه لدعم إفريقيا لتكون القوة الاقتصادية القادمة، لذلك نجد الرئيس الصيني يحل بالعاصمة الاقتصادية المغربية الدار البيضاء وهو في طريق عودته من أمريكا نحو بلاده، ويستقبل من قبل ولي العهد الأمير مولاي الحسن، ولهذا التوقف دلالة رمزية، عبر الاحترام والتقدير بين البلدين، ومواصلة الدعم المتبادل للبلدين بقوة في قضاياهما المشتركة، وذكر الأستاذ الباحث بتوقف آخر للرئيس الصيني بجزر الكناري، وهو في طريقه لأمريكا، ورشحت أنباء عن مباحثات بينه وبين مسؤولي ” الكناري ” حول إمكانية ربط جسر بين جنوب المغرب والأرخبيل الإسباني، وهي إشارة إلى قرب دعم مغربية الصحراء من قبل العملاق الآسيوي.
وفي ثنائية الصراع الصيني الأمريكي، أبحر بنا الدكتور موليم لعروسي في الحرب القادمة التي لا نعرف طبيعتها، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها العيش دون حروب بعيدة عنها، والقادم، تغيير الجغرافيا، وتغيير الطرق التجارية، وبالتالي ستتغير التسميات، تسميات الدول، وتغيير الإنسان، هذا الناطق الذي يستعمل المنطق !!!
وذكر باحثنا بتعريفات كثيرة للإنسان، ما يجعل التعريف صعبا، فهو حيوان عقلاني، وكائن اجتماعي بطبيعته، يأنس بالآخرين، ويعاضد من أجل المنفعة، فهو الناظر للأعلى عند اليونانيين، المتأمل، المتميز عن الحيوان بتفكيره، لكنه قاصر على التفكير، مقارنة مع الآلة الحديثة، ويستدرك، ليعود بنا إلى الحرب، التي يرجح كفة من يربحها لقيادة العالم.
من هنا، نجد أن الصراع بين أمريكا والصين وصل إلى أوروبا التي اعتمدت على الصين خلال جائحة كورونا، الصين التي نجحت في اكتساح العالم بلقاحها أو لقاحاتها، واعتمادها على الجيل الخامس 5G، فأصبحت بيكين مدينة ذكية ولا زالت إلى اليوم، وهي تطمع في شيء أكثر، حيث أضحى الأمن السبراني من الضروريات، هذا المجال الذي اعتبر حدثا مهما بالنسبة للذين ولجوه تدريجيا، وعبر مراحل، وحدثا مروعا بالنسبة للذين بدا لهم لأول مرة أو بشكل فجائي وعبر موجات أو أمواج متلاطمة تحيط به من كل الجوانب ( التأكيد من قبلنا )، ويخوض الدكتور موليم لعروسي في المآلات التي سيلاقيها أحفادنا ( أو ستلاقيهم )، فيصدر ” فلاش باك ” ، ويعود بنا إلى سنة 1999 حيث وصول ” غوغل ” لبلادنا، تزامنا مع وفاة الراحل، الملك الحسن الثاني، وبهذا الوصول، ستتدفق المعلومات، والأخبار، وغيرها…
كما يذكرنا مرة أخرى بأن الإنسان يتميز على الحيوان بذكائه، لكن ” غوغل ” له قدرة أكثر من المفكر، لأنه ” أعدم العلم “، وخلقه من جديد، وبذلك له الحق في السيطرة على هذا العلم، وكأنه يكرر ما قام به ” ديكارت ” صاحب مقولة ” الشك يؤدي إلى اليقين “.
ويشير باحثنا إلى تطور الفكر منذ إنسان ” مغارة ايغود ” الذي يعود إلى 315 ألف سنة وصولا إلى ” ديكارت “، حيث أصبح وزن مخ الإنسان يصل إلى 1500 غرام، وفي جزئية طريفة أشار أستاذنا إلى أن هناك من يقول بوجود مخ صغير وسط القلب!!!، وكما يقال في الجزئيات توجد التفاصيل ( التأكيد من لدننا )، وصولا إلى الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز تفكير الإنسان، ومخه، لأنه يقوم بتجارب، فيحللها، ويجعلها في مفاهيم خاصة، ويخزنها في ذاكرته، ومشكلة الإنسان في ذاكرته، لأنه متسكع حضاريا.
ولاحظ ذ. موليم فرقا في اهتمامات الشعوب، فالأمريكيون لا يعيرون للماضي اهتماما، ويتجهون دائما صوب المستقبل، عكس الأوربيين الذين يتشبثون بالماضي، بل لهم هوس به، أما العرب فمشكلتهم، ذاكرتهم.
وفي عرضه لعدة مواقف، خلص إلى أن الصينيين يعتبرون البوذية فلسفة، وليست دينا كما نعتقد نحن أو كما ” لقن ” لنا، بدليل أنهم يبيعون ثقافتهم التي نعتبرها نحن دينا، لأنهم طوروها بشكل جيد، عكس العرب الذين تجدهم في طوابير من أجل ” تافه ” بداع تدنيس المقدسات..
وبالعودة للذكاء الاصطناعي، فإنه يشتغل على ما جمعته الإنسانية، فيقوم بالتجارب، ويعالجها، ويطورها، بينما تفكير الإنسان مهدد بالاندثار، رغم أن المتفائلين يقولون بأن الطب سيتطور لنعيش 1000 سنة!!!
والخوف كل الخوف من الذكاء الاصطناعي الذي يحب، ويشعر، وقد يحس، وفي اليوم الذي يصل إلى الإحساس، ستجد سلطات الأب والأم والمدرسة، والسلطة المعرفية نفسها في مرحلة التجاوز.
ويجدر التنويه إلى أن الذكاء الاصطناعي، صنيعة الأمريكان والغرب، صنعت وشحنت ” ببراديغمات ” غربية، ناهلة من تاريخ فجر الحضارة إلى عام 2003، وتقوم المعلوميات في البحث عنها، وفيها في الحين، لكنها لن توفر لك ما يوجد في الصين، لأنها غير موجودة فيه، أو غير موجود فيها.
والذكاء الاصطناعي يحلل ويعطي البيانات وفق النظرة الغربية.
ويختم الدكتور موليم لعروسي درسه بخلاصة مفادها أن جزءا كبيرا من الرأسمال الغربي بدأ في التقلص، وتملك القيم الفردي سينتهي.