واقع السينما بالمغرب
المصطفى طالب يكتب :
ونحن نعيش فورة المهرجانات السينمائية والأنشطة السينمائية والتكاوين السينمائية والكتابات السينمائية حتى يخيل للمرء أن المغرب يتوفر على صناعة سينمائية لا مثيل لها في العالم العربي، لابد من الاعتراف أن حال السينما المغربية (في مجملها) لا يرقى إلى تطلعات المجتمع المغربي الذي بالفعل لازالت عدة قضايا اجتماعية واقتصادية وقيمية وسياسية تؤرق جفنه، فسينمانا في واد ومجتمعنا في واد آخر (,وأقولها بدون مبالغة، بل استقراء لانتاجاتنا السينمائية). فاليوم هذا الإنتاج يتوزع على صنفين: كوميديا حامضة وتافهة (إلا بعض الاستثناءات). وأما الصنف الثاني الذي فرض نفسه على المجتمع فأفلام اتخذت مما يمكن تسميته بالثالوث “المباح” على غرار ما يسمى ب التالوث المحرم : الدين، الجنس، السياسة (التي لحد الآن لم يتجرأ أي مخرج لولوجها).
التالوث المباح اليوم هو : 1-“تخسار الهضرة” (السمطة لتحت) بشكل فج و وقح أحيانا أكثر من “قاع الزنقة”، وصل الأمر إلى درجة الانحطاط الفكري والدناءة والسفالة واللاآدمية.
2-المثلية أو الشذوذ وكأنه موضوع يهم المجتمع المغربي، لدرجة أن أي فيلم اليوم لا يخلو من شخصية مثلية او خنثى، بل إن شخصية الرجل سحقت بشكل غير طبيعي (أقولها بدون شوفنية)، بحيث أصبح الرجل هو مصدر كل الشرور في العديد من الأفلام.
صحيح أن هناك لوبيات عالمية (لا دين ولا ملة لها) تفرض الشذوذ على جميع الانتاجات السينمائية اليوم، ضدا على الفطرة الإنسانية والكرامة الإنسانية، لكن غالبية الشعوب (حتى الأحزاب اليمينية في اوروبا وامريكا) ترفض هذه الظاهرة الشاذة التي يجب أن تعالج بشكل عقلاني وجدي، لأنها تشكل خطرا على الأطفال (البيدوفيليا) وعلى النشء بصفة عامة، وعلى مستقبل البشرية ككل.
3- الأمر الثالث هو ت…( احتراما للقارئ) أقول “تشمكيرة” la clochardise وكأن أفراد المجتمع “شمكارة”، و”تشمكيرة” هي وسيلة للتمرد على المجتمع وقيمه وثقافته ومعتقداته، وإلا فلا معالجة تذكر لهذه الفئة من المجتمع في الأفلام التي لا تجرأ على تسمية الأشياء بمسمياتها، هذه “تشمكيرة” التي تخيم على غالبية الأفلام في الآونة الأخيرة، وخاصة لدى المخرجين الشباب الذين استفادوا من تكاوين في أوروبا، بحيث اول شيء يقومون به هو توجيه سهامهم نحو مجتمعهم، خاصة عندما يكون المنتج أجنبي ويفرض شروطه.
المخرجين الذين عانقوا هذا التوجه عندما تسمعهم يتحدثون تعجبك خطاباتهم، لكن عندما ترى أفلامهم تتساءل أين حسهم الثقافي والأخلاقي (الإنساني) والقيمي والمجتمعي؟ أين أدبنا وتراثنا وتاريخنا وثقافتنا؟ أين الإحساس بالمسؤولية اتجاه المجتمع الذي يمولهم من جيبه والذي على حسابه يغتانون حتى كون بعضهم إمبراطورية للإنتاج؟ بل إن المجتمع المغربي يقدم في أبشع الصور (العدمية والسودوية) كما أنهم (المخرجين) يستغلون واقع “التهميش” من أجل استقطاب الجمهور فقط. خاصة الشباب التي تستهويه شخصيات “شمكارة”.
لا أريد أن أطيل ولكن يبدو أن هذا التالوث يفرض نفسه اليوم حتى يظن المتتبع أنه للحصول على الدعم لابد من الامتثال له. بل حتى الممثلين والممثلات امتثلوا لذلك. وكم من ممثل كنا نحترمه فإذا بنا نراه في أدوار لا تليق بمقامه ولا تزيده شيئا لرصيده الفني، إلا أنه قدم تنازلات قد يندم عليها في مشواره الفني.
ما يحز في النفس هو صمت المعنيين بالأمر والذين لا يعجبهم هذا الواقع السينمائي، لكنهم خوفا من “سماع الهضرة” أو نفاقا او لضمان “لعراضات” يصفقون ويخرصون”. غير انهم تناسوا ان التاريخ سيسائل الكل وان الوطن لا ينسى من “ياكل الغلة ويسب الملة”.
عزاؤنا أن هناك أفلاما رغم قلتها تحترم ذوق وذكاء و”أذن” المشاهد (ههه) بل وترفعه من مستوى تفكيره وذائقته الفنية، كنا أن مخرجوها ومخرجاتها يحترمون أنفسهم. ناهيك عن الذين ترفض مشاريعهم المستقاة من تاريخ المغرب وادبه.
“فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.” صدق الله العظيم.