صوت الجالية

فرنسا : لقاء مع د. نجيب لحلو تحت عنوان “الهوية المغربية بين الجذور الحضارية والاندماج الايجابي” من تنظيم جمعيات مغاربة ليزيفلين.

نظمت الجمعية الفرنسية المغربية لأصدقاء الأطلس المتوسط AFMAMA تحت إشراف جمعية مغاربة لزيفلين 78 يوم السبت 21 دجنبر 2024 بمدينة كاريير سو بواسي لقاءً مع الكاتب والمحاضر المغربي الدكتور نجيب لحلو تحت عنوان : “الهوية المغربية “تامغربيت” بين الجذور الحضارية والاندماج الإيجابي”.

تطرق د. نجيب لحلو إلى مجموعة من النقاط تهم الجالية المغربية المقيمة بالخارج وأيضا مجموعة من النقاط والأفكار تتعلق بالمغرب بصفة عامة ويرى الدكتور أن الجالية المغربية تشكل نموذجاً يمكن أن يحتذى به نتيجة “تفهم معظم المهاجرين المغاربة لواقع الحياة في فرنسا، وإتقانهم للغة الفرنسي وتبوئهم وظائف في عدة مجالات.

واضاف الدكتور، في ندوته أن الشعب الفرنسي واع، وعلينا نحن المغاربة خصوصا التمسك بكل العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع، والتخلي عن السلبيات” وفق تعبيره.

وتقوم الجمعيات المغربية الفرنسية بفرنسا من خلال عدة أنشطة بتوعية المجتمع المدني عبر عدة قنوات، خصوصا الإعلامية بمقالات تربوية هادفة، وبالتعريف بثقافة وعادات وتقاليد المغرب في كل الملتقيات الثقافية، الشيء الذي لقي ترحيبا كبيرا لدى الفرنسيين.

وقال الناشط الجمعوي المغربي عبد العزيز جوهري والمقيم بفرنسا منذ سنوات،” أشعر أنني مواطن مغربي وفرنسي، ولست ضيفا على فرنسا، وإنما فرد من المجتمع الفرنسي، وبحسب القانون الأساسي لفرنسا، فإنه لدي حقوق وعلي واجبات يجب الالتزام بها”..

وأكد د. نجيب لحلو أن تاريخ المغرب الزاخر وتراثه العريق مستوحيان من ينابيع مغربية أصيلة، وروافد وافدة متداخلة متعددة، وإن اختلفت مصادرها، وتباينت ينابيعها، وتعددت لغاتها، وألسنتها بين أمازيغية بربرية، وعربية إسلامية، وصحراوية حسانية، وأندلسية، وإفريقية أصيلة.

فهذا الغيث المنهمر والمتنوع من الإبداعات الرفيعة في مختلف الميادين لا يمكنه أن يحيا وينمو ويزدهر من لا شيء، أو داخل حدود ضيقة أو منغلقة، بل إنه ظهر وترعرع وازدهر ووقف شامخا اعتمادا على نبعه الأصيل، وهو تاريخ المغرب، وتراثه، وثقافته المتميزة، وموروثاته الحضارية ذات الروافد الثقافية المتعددة والينابيع المتنوعة الثرية.

وبحكم موقع المغرب الجيو-استراتيجي المتميز كحلقة وصل، وآصرة وملتقى الحضارات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، يعتبر المغرب من البلدان التي حباها الله تعالى موقعا متميزا على الصعيد الجغرافي، مما هيأ لها أن تقوم بدور تاريخي، وحضاري، وثقافي مرموق في الشمال الغربي الإفريقي، وفى الأندلس، وجنوب الصحراء.

لا سيما أن المغرب تميز منذ أقدم العهود بتعدد حضاري وتنوع عرقي وثقافي غني، حيث تعاقبت عليه، دول، وحضارات، وثقافات قديمة على امتداد التاريخ، منها الحضارات الفينيقية، والبونيقية، والموريتانية، والرومانية، وصولا إلى الفترة الإسلامية التي تميزت باعتناق ساكنة هذه البلدان للإسلام.

وقد أقر دستور 2011 المغربي هذه التأثيرات والمكونات للتنوع الثقافي واللغوي في البلاد، كما تم في هذا السبيل إنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لتنمية مكونات الهوية المغربية الأمازيغية، والعربية، والصحراوية الحسانية، وصونها، مع روافدها التي هبت عليها من إفريقيا، والمشرق العربي والأندلس، فضلا عن رافد حوض المتوسط، وسواها من التأثيرات الأجنبية الأخرى الوافدة.

المغرب إذن بلد متعدد الأعراق والإثنيات، وهو يزخر بثقافة متنوعة، وحضارة ثرية، تمتد جذورها في عمق تاريخه الطويل، بالإضافة إلى سكانه الأصلييّن من الأمازيغ، فقد توافدت عليه العديد من الهجرات المتوالية القادمة من المشرق، ومن جنوب صحراء إفريقيا، ومن الشمال، وكان لكل هذه المجموعات والفئات البشرية أثر كبير على التركيبة الاجتماعية للمغرب التي عرفت معتقدات سماوية منذ أقدم العهود، كاليهودية، والمسيحية، وأخيرا الإسلام؛ ولكل منطقة من المناطق المغربية خصوصياتها التي تتميز بها عن سواها من المناطق الأخرى، وقد أسهمت هذه الخصوصيات في صنع فسيفساء الثقافة المغربية، ووضع الإطار المتميز والمتنوع للإرث الحضاري المغربي، الذي أصبح ذا طابع معروف في العالم أجمع؛ كما أصبح لهذا التنوع الثقافي والحضاري خصوصيات، وعناصر متعددة مكونة لنسيجه الاجتماعي على اختلاف مناطقه وجهاته، ومن أبرز هذه المكونات والعناصر التي تطبع هذه الأنسجة الحضارية الثرية ذات الألوان الفسيفسائية المتنوعة العنصر البشري، واللغوي، والثقافي، حيث تنطوي تحت هذه العناصر برمتها مكونات في العديد من المظاهر الثقافية، والحضارية التي تطبع المغرب بطابع خاص.

الحديث عن التعدد الثقافي والتنوع الحضاري في المغرب يحلو ويطول، إن الزائر الذي يأتي إلى هذا البلد يلمس التاريخ حيا نابضا قائما في كل مظهر من مظاهر الحياة فيه.

والخلاصة، فإنه في بلد مثل المغرب، لا يمكن تقوية الحوار، واحترام التنوع الثقافي والتعدد الإثني، كما لا يمكن لهما أن يصبحا واقعا حقيقيا ملموسا على الصعيدين المحلي، والعالمي إلا إذا مكن تبني مبدأيهما، وترسيخهما، وفسح المجال لتحقيق أهداهما النبيلة من طرف كل مواطن، ومواطنة؛ حتى من ولد خارج أرضه وذلك انطلاقا من الموروثات التاريخية المتعددة العريقة والأصيلة فيه، وصون هويته العريقة القائمة على تواصل التفاعل الإيجابي، وتجدده بين مقومات الوحدة والتنوع، والمزج والتآلف بين روافد، ومنابع هذه الهوية، والتشبث بالقيم الإنسانية والكونية وترسيخ ميثاق حقيقي لضمان وتأكيد الحقوق، وتبيان الواجبات، وتأصيل الحريات الأساسية، والتشبث بقيم، ومبادئ الانفتاح، والاعتدال، والتسامح والتعايش، وتأصيل الاحترام المتبادل بين الأفراد والجماعات، ونشر الحوار، والتفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات، والحضارات الإنسانية، فضلا عن تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة، وانصهار، وتمازج كل مكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية الأصيلة، والصحراوية الحسانية، الثرية بروافدها، ومنابعها الإفريقية، والأندلسية، ومن مختلف ينابيع حضارات، وثقافات حوض البحر الأبيض المتوسط.

وتجدر الإشارة إلى أن واقعنا المعاش في الوقت الراهن يحتم علينا المزيد من التعارف، والتآلف، والتقارب، والتداني، والتصالح، والتصافح، والتكتل والاندماج، وإقصاء، ونبذ، وتجاوز كل منظور فكري ضيق، وتأصيل، وترسيخ مفهوم أوسع فضاء، وأكثر شمولية، يجعل من هذه الشعوب، والمجتمعات لبنات ثابتة، وجذورا راسخة، ومتنوعة لبلد واحد مشتركٍ ومتماسك، قائم الذات، تتجلى، وتتبلور، وتتجسم فيه أرقى، وأنقى معاني الإنسانية، والتوحد، والشمول، دون التهميش، أو التناسي، أو التفريط والمَطالب المشروعة لأي مكون من هذه المكوّنات الأساسية برمتها التي طبعت المغرب على امتداد العصور، والتي لولاها لانفرطت قلادة التعايش وتناثرت حباتها، وتهاوت صروحها وانشرخت لبناتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى