مدونة الأحوال الشخصية في ضوء التعديلات الجديدة

بقلم ذ محمد غولي.
بعد مخاض عسير ، ونقاش عميق خرجت بعض ملامح التعديلات الجديدة التي صادق عليها المجلس الأعلى للعلماء ، تعديلات وإن كانت لاترقى في نظر الحداثيين إلى سقف طموحاتهم وانتظاراتهم ؛ فإنها شكلت قفزة نوعية في اتجاه تحديث المجتمع المغربي في نظرهم نحو مصاف الدول الحداثية التقدمية التي قطعت مع النهج المحافظ التقليدي الذي لازال في نظرهم يرتمي في أحضان الماضي البعيد عن الحاضر وعن المستقبل…وهي في نظر عامة المجتمع تعديلات أخذت منحى الإجحاف في حق الرجل بدل الإنصاف ، وانحازت بشكل كبير للمرأة في علاقتها بالرجل لاسيما على مستوى الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما على المستوى الأسري…لكن وباستحضار السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي جاءت فيه هذه التعديلات ، وباستحضار الهاجس الحقوقي والسند الشرعي الذي من المفترض أن يكون حاضرا في مختلف بنوذ مدونة الأسرة المعدلة بالاستناد للمرجعية التي اعتمدت عليها ، لابد من تسجيل بعض الملاحظات قبل الخوض في مختلف البنوذ المعدلة أو التي من المرتقب تعديلها بعد الصياغة النهائية :
1- معظم الفقرات المعدلة تتحدث عن المرأة سواء في علاقتها بالزوج أو الخطيب أو باقي أفراد أسرتها…على اعتبار الهاجس الحقوقي والذي جعل منها ضحية سهلة لكل الممارسات المشينة التي تتعرض لها ، سواء كانت زوجة أو بنتا أو أختا أو زميلة في العمل…وفي اعتقاد هذا الطرح أن الرجل هو المسؤول الحقيقي لكل الأوضاع المزرية التي وصلت إليها المرأة ، نظرا للعقلية الذكورية السائدة والتي ينبغي تغييرها بالتشريعات والقوانين وعلى رأس هذه التشريعات مدونة الأحوال الشخصية المنظمة للعلاقة الأسرية داخل المجتمع …
ولمناقشة هذا الهاجس أو على الأصح التوجس الحقوقي تنبغي الإشارة أن ثقافة المجتمع لاتعالج بين ليلة وضحاها ، بتغيير الثوابت وتغيير العقليات؛ بل أن عملية التغيير المنشود تخضع لصيرورة زمنية طويلة يتداخل فيها ماهو ثقافي بماهو اعتقادي واقتصادي واجتماعي وتاريخي في مراحل زمنية ليست بالقصيرة قد تمتد لأجيال وقرون ، ثم أن إلقاء اللوم على بنوذ وفصول مدونة الأحوال الشخصية المراد تعديلها فيه نوع من مجانبة الصواب ؛ لأن تلك البنوذ تفترض مجتمعا ذو مقومات إسلامية سمحة يطغى الجانب الشرعي الأخلاقي على معظم سلوك أفراده …
والحال أن هذا الجانب هو مايفتقد على العموم من داخل المجتمع ، إذ كان واجبا هو البحث عن تعزيز قيم السلوك الإسلامي داخل المجتمع بتشريعات أخرى مستندة لتعاليم الشرع الحكيم سواء في الجانب القانوني أو الاقتصادي أو المدني أو التربوي … لتوفير المقومات الحقيقية لإنجاح العلاقة الأسرية بين الرجل والمرأة كثمرة طبيعية لهذا المسار القيمي السمح المستند لتعاليم الشريعة الإسلامية …
2- نزوع معظم التعديلات الجديدة للطابع المادي في علاقة الزوج بزوجته أو طليقته وكأن مايجمع الاثنين هو هذا الجانب… في حين أن مايجمع بينهما أكبر من ذلك بكثير…مايجمع بين الزوج وزوجه هي المودة والرحمة والسكينة وتكثير سواد الأمة…وما الأمور المادية إلا وسيلة لتحقيق هذه الغايات السامية، فكان الأولى هو العمل على توفير الإمكانيات المادية للشباب بتحسين الظروف الاقتصادية ، وتقديم يد المساعدة من قبل الدولة، بدل تكثيف التشريعات الملزمة بالجوانب المادية وكأننا نعيش حالة التكاثر المهول الذي ينبغي الحد منه ، في حين أن الإحصاء الأخير بين بما لايدع للشك أننا نعيش وضعا انكماشيا لمعدل الخصوبة داخل المجتمع ، مما ينذر بهرمية مهولة في سلم النمو الديمغرافي عما قريب لا قدر الله…وهذا أمر يتعارض تمام الاعتراض مع الحكمة من تشريع الزواج ألا وهي التكاثر ورفع معدل الخصوبة ….
3- في القواعد الشرعية الأصولية أن الظلم يرفع باجتهاد العلماء كيفما هذا الظلم ، سواء تعلق الأمر بالزوجة أو الأولاد أو الرجل ، لكن أن تميل كفة الظلم من اتجاه الزوجة للزوج فهذا أمر مخالف لقواعد الشريعة الإسلامية وهو أمر يدعو للاستغراب … فكيف يمكن تفسير انتقال حضانة الأطفال الصغار للمطلقة رغم زواجها من زوج آخر ، وانتزاعهم من أبيهم رغم توفر الشروط المناسبة الكفيلة بضمان حقوقهم ؟!!! في نظري كان على المشرع أن يضع الأمر في نظر القاضي حسب الوضع المادي والاجتماعي والتربوي لكل من المطلق والمطلقة ، وألا يجازف بنقل حضانة الأطفال للمرأة المطلقة مباشرة ولو في حالة زواجها دون البحث في الوضعية المناسبة لكل من المطلق والمطلقة؛ لأن هذه الحالة قد تكون سببا في استغلال المطلقة لظروف زوجها السابق بغض النظر عن أهليته للحضانة من عدمها ، وهنا قد نسقط في نفس الفخ الذي نسقط فيه دائما ألا وهو الشطط في استعمال النصوص التشريعية للانتقام من الطرف الآخر….
4- فلسفة التعديلات التشريعية الجديدة تقوم على سد ثغرات المدونة السابقة لاسيما في الشق المتعلق بحقوق المرأة على وجه الخصوص ، من أجل تمكينها اقتصاديا وحقوقيا وقانونيا … وكأننا في صراع وتجاذب مستمر بين الزوج والزوجة لمن تكون الغلبة…في حين أن الأسرة المسلمة جاءت بالأساس لتذويب هذا الصراع بين الرجل والمرأة ، وتعويضه بمفهوم الأسرة المستند للمودة والرحمة والسكينة كخلية خصبة في تكوين مجتمع قوي متضامن بين الرجل والمرأة ، كلاهما لهما أدوارا أسرية وتربوية وأخلاقية وقيمية اتجاه الناشئة التي عليها الرهان الأساسي في تقدم الأمم والشعوب …
وفي الختام تنبغي الإشارة أن التعديلات أو بالأحرى الاجتهادات الشرعية مهما بلغ
صوابها ورجاحتها لايمكن أن تؤدي لأسرة مسلمة متماسكة قوية مالم تتعزز بإعادة النظر في العوامل الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والحقوقية والقانونية التي تخضع لها كل الأسر شاءت أو أبت في تحديد نجاحها أو إخفاقها، بل هي من تضع السياق العام للمجتمع قبل الحديث عن الخصوصيات الخاصة للعلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة ….