«موقع العمق» في عنق ابن كيران.

بقلم: عبد المولى المروري
يقول الله تعالى: «لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا»
على إثر العنف اللفظي والتهجم غير المبرر الذي تعرض له الصحفي ورئيس تحرير جريدة العمق خالد فاتحي من طرف عبد الإله ابن كيران بمناسبة الحوار الذي أجراه الصحفي مع الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بين متضامن مع الصحفي، ومبرر ومدافع عن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بسبب «الإحراج» و«التضييق» الذي مارسه الصحفي في حق ضيفه كما يقولون..
هذا الحدث كان مناسبة لتصفية بعض الحسابات التافهة بين مختلف الأطراف الذين هم خارج موضوع هذا الحوار.. ولا علاقة لهم بسوء الفهم بين الجانبين (موقع العمق في شخص مديره وحزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام)، فأخذوا في إلقاء الحطب والزيت على النار كي تزداد لهيبا واستعارا..
في نظري المتواضع أن من حق الصحفي أن ينتزع أكبر قدر من المعلومات، وأقوى المواقف خدمة للرسالة الإعلامية، وتنويرا للرأي العام، ولما لا من أجل إنجاح برنامجه.. هذا هو عمق مهمة الصحفي الشرس والمشاكس والملحاح.. ولكن لابد أن يبقى في إطار الاحترام والتقدير للضيف، وهذا ما أرى أن الصحفي كان موفقا فيه إلى حد بعيد.. مع بعض المقاطعات التي كان من الممكن أن يتفاداها حتى لا يقطع حبل الأفكار والتفسيرات التي يتقدم بها الدكتور الأزمي الإدريسي..
وفي نهاية المطاف يبقى ذلك شئنا خاصا بين الصحفي والضيف، لأن هذا الاخير هو المعني الأول بالدفاع عن نفسه، وعن كلامه، وعن حقه في الجواب كي لا يُحمل كلامه على أفهام وتأويلات خاطئة.. وله وحده الحق في البحث عن مخارج للمآزق التي يضعه فيها محاوره.. وعن منافذ مناسبة هروبا من الزوايا الضيقة التي يحشره فيها.. فالأزمي رجل سياسي متمرس، وله ما يكفي من التجربة في التعامل مع أسئلة الصحافة المحرجة..
للأسف الشكل الذي خرج به ابن كيران لا يوجد ما يبرره ولا ما يفسره.. كان من الممكن أن ينتقد الجوانب الفنية والشكلية في الحوار، أو يستدرك على المحاور «الألغام» الذي كان يحاول أن يضعها على طريق الأزمي.. بعيدا عن الإساءة، ودون أن يسقط في شتمه وسبه وقذفه (البرهوش)، واتهامه اتهامات مجانية (مأجور) لا تستند على دليل، ولا طائل منها.. وهذا جزء من شخصية ابن كيران عندما يغضب لأتفه الأسباب، ويطلق العنان للسانه ليقول ما يشاء في حق «خصمه المفترض»، وقد أصابني منه ما أصابني من أذى وظلم عندما كتبت بعض المقالات التي تنتقد مساره وأداءه السياسي، ولا سيما المقالات التي نُشرت في موقع العمق، في خمس حلقات تحت عنوان: «المسار السياسي لعبد الإله ابن كيران، محاولة لفهم التحول» خلال صيف 2018، وأرسل لي بعض الإخوان كي يستفسروني عن هذه الكتابات مع مطالبتي بالتوقف عن المواصلة، وكانت هذه المقالات أحد الأسباب لتحامل ابن كيران علي شخصيا، وعلى محمد لغروس مدير موقع العمق، وعلى إثرها قرر ابن كيران مقاطعته بسبب تلك المقالات.. بمعنى أن سبب التحامل والمقاطعة هي مقالات تحمل رأيا، لا أقل ولا أكثر..
هذه حقيقة لا يعرفها الكثير من قراء العمق، أن السبب المباشر الذي جعل ابن كيران يتحامل على موقع العمق ومديره هي هذه المقالات التي حملت وقائع ومحطات تاريخية عن مسار عبد الاله ابن كيران، مع قراءة تحليلية ونقدية.. وعلى إثرها اتصل بي العديد من قيادات الحزب وأعضاء الأمانة منوهين ومشجعين ومؤكدين لما أكتب، حتى قال لي أحد القادة إنني استطعت أن أقول ما عجزوا هم عن قوله طيلة ثلاثين سنة.. وفي الوقت نفسه تعرضت لحملة تشهيرية شرسة من أتباع ومريدي ابن كيران الذي يوافقونه ويؤيدونه في الخطأ والصواب، في الحق والباطل، دون تمحيص ولا تمييز .. وهذه من أخطر آفات هذا الحزب.. حيث لا رأي يميزهم.. ولا استقلالية تخصهم، فالرأي ما يراه ابن كيران، والحق ما ينطق به..
المهم الآن أن عبد الإله ابن كيران تقدم باعتذار علني إلى الصحفي خالد فاتحي.. وبصرف النظر عن كون هذا الاعتذار جاء طواعية وتلقائيا من طرف الأمين العام، أو تحت ضغط حملة التضامن مع الصحفي، وضغط بعض قياديي الحزب الذين ساءتهم خرجة ابن كيران.. فإن هذا الأخير امتلك الشجاعة ليتقدم باعتذار علني.. وهذا – شاء من شاء وكره من كره – أمر محمود ويحسب له.. وهو خلق نادرا ما يتحلى به الزعماء السياسيين الذين تأخذهم العزة بالإثم..
ربما هذا الاعتذار لم يكن مقنعا بما يكفي لموقع العمق وطاقمه الصحفي.. وإذا كان ذلك متفهما إلى حد ما، فما أتمناه من هذه الجريدة الغراء أن تقبل اعتذاره من موقع قوتها، باستغلال التضامن الواسع الذي حظيت به، وتقوم بطي هذه الصفحة الأليمة صحفيا وإعلاميا.. على أن يقوم عبد الإله ابن كيران بدعوة الطاقم الصحفي لموقع العمق إلى بيته ويرحب بهم، على رأسهم المدير محمد لغروس، ورئيس التحرير خالد فاتحي.. وبذلك سيقطع ابن كيران الطريق على كل من أراد الاصطياد في الماء العكر باستغلال هذه النازلة.. ولربما تكون فاتحة خير على تجديد العلاقة بين «الغريمين».. فموقع العمق واقف الآن في عنق ابن كيران، ولا سبيل إلى التخلص من ذلك إلا بدعوة شجاعة وكريمة منه تمحو الماضي وتنفتح على المستقبل بكل احترام وتقدير ..
وأذكر أصدقائي المخلصين بموقع العمق بقوله تعالى :
«وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»..
كما أذكر الأستاذ عبد الإله ابن كيران بقوله تعالى:
«وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ»، فقد أساء إلي شخصيا في مناسبات كثيرة دون مبرر وبدون وجه حق، واتهمني بأمور خطيرة لا توجد إلا في خياله.. دون بينة أو تتبث منه!! وهي أشد خطورة مما رمى به الصحفي خالد فاتحي.. ومع ذلك لم أحمل ذلك على محمل شخصي.. واعتبرت ذلك من الابتلاءات التي يتعرض له كل صادع بالحق.. ومركزا انتباهي على القضايا الكبرى التي تشغلني وتستبد باهتمامي.. واليوم، هذه مناسبة لأقول له ولغيره، «حسبي الله ونعم الوكيل» في من ظلمني وافترى علي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..