مجرد رأي

مسلسل ” الناس لملاح” رقص على الجراح.

 بقلم: عبد الرحيم مفكير


توطئة :
أثار فيلم الناس لملاح العديد من ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض الفيلم خطوة نحو إبراز صورة مغرب التعايش والتنوع الثقافي، ذهب آخرون أن الفيلم محاولة للتطبيع في زمن خاطئ وظرفية صعبة تمر منها القضية الفلسطينية، لا سيما بعد طوفان الأقصى والهجمة الشرسة للكيان الصهيوني، الذي يقوم بإبادة جماعية بدعم من دول عظمى وصمت للحكام العرب في سابقة من نوعها، لم يعرفها الصراع العربي الإسرائيلي على مر العصور، ويرجع هؤلاء الرافضون والمطالبون بتوقيف بث المسلسل على القناة الثانية إلى مشاركة يهودية من أصول مغربية مؤيدة للحرب على غزة.
اليهود في السينما المغربية:
المكون العبري في المغرب لم يكن إشكالا بين المغاربة في بلد عرف تعايشا بين ساكنيه باختلاف أجناسهم ومعتقداتهم. ويعد اليهود المغاربة ومنذ القدم سكانا استقروا بالبلد بكل طواعية وعاشوا مع باقي المغاربة مسلمين ومسيحيين، لا سيما بعد النزوح الكبير إثر سقوط غرناطة 1492، وبداية محاكم التفتيش، وكان عدد اليهود المغاربة يزيد على 250 ألفاً في عام 1940، إلا أنه راح يتناقص منذ خمسينيات القرن الماضي بسبب تهجيرهم إلى الكيان الإسرائيلي، والذي كان وراءه الموساد الإسرائيلي والوكالة اليهوديّة. وحسب الرحالة الفرنسي شارل دوفوكو الذي تجول في المغرب في 1884 وحرر كتابه “التعرف على المغرب”. فلقد كان اليهود يشكلون حوالي عشر سكان المغرب، وقد شرع اليهود في الهجرة مع الاستعمار الفرنسي، وكانوا حوالي 500000 يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية. كما أنهم حظوا بمكانة كبيرة عند محمد بن يوسف واعتبرهم مواطنين مغاربة، ويذهب بعض حاخاماتهم أن الحسن الأول طلب منهم أن يدعوا معه إلى جانب الفقهاء المسلمين، وعاشوا في كنف الدولة العلوية معززين مكرمين إلا أن جاءت الرحلة نحو أرض الميعاد حسب زعمهم. وهنا أثيرت إشكالية الهجرة أم التهجير، وتجذر اليهود في المغرب بالرغم من مغادرته، أكثر ستين سنة، في اتجاهات مختلفة أهمها إسرائيل بسبب الدعاية القوية للجمعيات الصهيونية؛ متجذر، ويزعم المؤرخ الإسرائيلي يغال بن نون حين جاء إلى المغرب أن السلطة في المملكة رخصت لهجرة اليهود لإسرائيل مقابل خمسين دولارا للفرد.
الذين هاجروا أو هجروا إلى أرض فلسطين المحتلة تبدد عندهم الوهم حيث وجدوا أنفسهم ضمن الدرجة الثانية من المواطنين بعد إخوانهم اليهود الأوروبيين والأمريكيين، وأقل منهم يهود الفلاشا. وبالرغم من العنصرية المغلفة إلى أن جلهم لم يرجع إلى المغرب، بل إن الجيل الحالي لا يكاد يعرف شيئا عن بلده الأصلي، والأسوأ منه أن حكومة إسرائيلية ضمت أزيد من 6 وزراء من أصول مغربية عتوا في الأرض فسادا ذبحوا وشردوا وقتلوا نساء وأطفالا بغزة والضفة الغربية، وبعد السابع من أكتوبر كانوا أشرس من غيرهم على الفلسطينيين.
وجاءت السينما لتجلي بعض الحقائق عن اليهود المغاربة وهجرتهم، وطرحت قضية التعايش والسلم بالمغرب والاستقرار الذي عرفه اليهود أثناء وجوده بالغرب الإسلامي، في مدن موكادور ومازاكان وغيرها، لاسيما المدن التي يوجد بها الأحياء اليهودية ” الملاح” والمقابر (المِيعَارة) وغيرها من الشواهد الدالة على تفاعل هؤلاء الناس مع كافة أطياف الثقافة المغربية، بل هناك عادات وتقاليد يهودية ضاربة في الثقافة المغربية كشعائر الختان والزواج والحمل والولادة والحجامة.. كما أن كتابات بعض المهاجرين منهم ظلت شاهدة على أثر الثقافة المغربية في كيانهم ووجدانهم، فضلا عن إبراز منجزات بعضهم لتعدد روافد الثقافة المغربية وانصهار مختلف مكوناتها داخل بوتقة ذات أبعاد إنسانية كونية.
وقد اختلفت تيمات معالجة التواجد اليهودي بالمغرب، ومناقشة الهجرة/ التهجير. وكان من أبرز هذه الأفلام الفيلم الروائي القصير «زُهر Zohar» “2012” للمخرجة أسماء المتقي، والفيلمان الروائيان الطويلان «وداعا أمهات» 2007 لمحمد اسماعيل، و»فين ماشي يا موشي؟» 2007 لحسن بنجلون، والفيلمان الوثائقيان «أرضي» 2010 لنبيل عيوش، و»تنغير – جيروزاليم» 2012 للمخرج كمال هشكار. وهناك أفلام أخرى ترسم صورة معينة لليهود المغاربة كفيلم «كنوز الأطلس» 1997 لمحمد أوملود عبازي الذي يُبْرِزُ بعض الحرف التي كان يتعاطاها اليهود في منطقة الأطلس من مثل «العَطَّار»، واسماعيل فروخي الذي تناول في فيلمه «الرجال الأحرار» 2011 بطريقته الخاصة علاقة المسلمين باليهود من خلال حادثة مسجد باريس الشهيرة. وقد أنجز المخرج جيروم كوهنأوليڤار فيلما روائيا طويلا حول مسار المغني المغربي اليهودي بوطبول سَمَّاه «أوركسترا منتصف الليل» 2015 م .
سجلت الأفلام السينمائية مقارنة بباقي فنون الأدب تقدما معتبرا، فالأعمال الإبداعية التي تناولت حياة اليهود بالمغرب، فيما عكف كتاب على رصد وسرد تاريخ اليهود المغاربة، وإقامتهم في مختلف أحياء الملاح، ثم هجرتهم إلى إسرائيل. ومن بين الأعمال الإبداعية التي تطرقت إلى موضوع اليهود المغاربة رواية “أنا المنسي” للكاتب المغربي محمد عز الدين التازي، حيث حاول سبر أغوار المجتمع اليهودي المصغر داخل المغرب، مقتفيًا أثر هذه الشريحة من المجتمع من حيث تاريخها منذ قرون خلت، إلى حين هجرة اليهود إلى “أرض الميعاد”، وفقًا لتعبيرهم. ومن أهم الكتابات الأدبية، كتابات الكاتب الراحل اليهودي من أصول مغربية “إدمون عمران المالح”، المتوفى في 2010، الذي كتب باللغة الفرنسية العديد من المؤلفات التي خصها للحديث عن قيم المساواة والعدل ورفض الظلم، حيث انحاز إلى قضية الفلسطينيين في خضم المحنة التي يعيشونها. وقد اعتنى المالح ” بموضوع التعايش الحضاري بين المسلمين واليهود، من خلال مثال المجتمع المغربي الذي تساكن فيه الطرفان جنبًا إلى جانب بشهادته الخاصة، باعتبار أنه عاش أغلب فترات حياته في المملكة، كما كتب كثيرًا عن العادات المغربية، وقارنها بالعادات والتقاليد اليهودية، ولم يفته انتقاد السياسات الصهيونية.
وبخصوص مجال السينما سنقدم بإيجاز بعض الأعمال السينمائية التي تؤرخ لليهود المغاربة، حيث يعتبر شريط “يا حسرة دوك ليام”، ومعناه “يا ندمي على تلك الأيام”، أحد الأعمال السينمائية التوثيقية التي عملت على إبراز حياة اليهود المغاربة، خاصة خلال سنوات الخمسينيات من القرن الفائت، مسجلًا كيف وصل اليهود إلى المملكة، كما صور طقوسهم التعبدية الخاصة، واحتفالاتهم الدينية مثل “يوم ميمونة”، وعاداتهم الاجتماعية الكثيرة، ومظاهر أخرى من حياتهم في أحياء الملاح. ويرجع بعض النقاد السينمائيين اهتمام المخرجين بهذا الموضوع إلى استمالة المنتجين وقنص الدعم.
فيلم “عايدة”شكل الفيلم الروائي: “عايدة” (العائدة) للمخرج إدريس المريني (سنة 2015) نقلة نوعية في السينما المغربية، باقتحامه لتيمة الهوية اليهودية المغربية عن طريق قصة تشد المشاهد لها من خلال سرد سيرة ذاتية للدكتورة عايدة كوهين اليهودية ذات الأصول المغربية التي قدمت إلى المغرب لقضاء ما تبقى من سنوات عمرها بعد داء السرطان الميئوس منه، وإقامتها الطويلة بفرنسا (أكثر من 35 سنة). وقد لعب دور البطولة كل من نفيسة بنشهيدة، لطيفة أحرار، ماجدولين الإدريسي، إدريس الروخ. وكانت بداية الفيلم مشوقة حيث تنتقل بطلة الفيلم، التي كانت تعمل أستاذة للموسيقى في جامعة باريسية، إلى بلدها الأصلي، المغرب، وإلى مدينتها الصويرة التي ولدت وقضت طفولتها فيها، وعبر ذلك، إلى كل تلك الذكريات والصور والألحان التي كانت تؤسِّس طفولتها، وخصوصاً إلى الموسيقى الأندلسية، التي كان والدها أحد رموزها، والتي ستختارها مجالاً للبحث والتدريس في منفاها الباريسي. ستقودها هذه العودة إلى لقاء صديق طفولتها المسلم، يوسف، والذي عاشت برفقته في طفولتها. يوسف الذي كان يعاني من روتين العمل في مكتب الهندسة، سيتمكّن عبر لقائه بعايدة من العودة إلى الموسيقى من جديد، حتى أنه يمكننا القول في هذا السياق، بأننا أمام عائدين وليس أمام “عايدة” لوحدها. وعندما يعدّان معاً حفلاً خيرياً رفقة فرقة للموسيقى الأندلسية، سيكتشفان معاً نفسيهما من جديد. وبفضل هذه الصداقة وهذه الموسيقى وهذه المصالحة مع الماضي والذاكرة، ستتمكن عايدة من تجاوز مرضها، إذ إنَّ القدر كان يخبئ لها نهاية أخرى، كما لو أنه لم يكن ينتظر سوى عودتها.
نجح الفيلم في تجسيد نفسية “عايدة” (العائدة)، التي تعاني من مرض السرطان، ولم يخل من صور سحرية تعكس نفسية البطلة، وتعبر في قوة عن هوية ممزقة بين عالمين، وعن ذاكرة لم يستطع اللجوء أن يفقدها شيئاً من قوتها وسحرها. كما لو أننا لا نهاجر في النهاية إلا لنعود. إن الفيلم تعبير عن رحلة البحث عن الذات، تلك الرحلة المضنية والمؤلمة والمبهجة في آن، وعبر ذلك يمثل الفيلم احتفاءً بالحياة والأمل والصداقة، وحاول أن يركز على قيمة التسامح الذي طبع ولا يزال يطبع المجتمع المغربي بمكوناته المختلفة، والذي يتسلل إلينا عبر مشاهد من عروض موسيقية أندلسية. وتم توظيف ” فيد باك” عبر استحضار الذاكرة الطفولية لموكادور / الصويرة حاليا، حيث جذورها وذكرياتها وأنينها وشغفها بالموسيقى، وبمجرد دخولها إلى المدينة تنبعث موسيقى ”كناوة” بما لها من تحولات تراثية ممتدة في العمق الإفريقي، تجوب أحياء المدينة لتطرق بيت الولادة، وعن طريق تقنية الفلاش باك يرسم المخرج طفولة بريئة وتأثيرات متعددة على نفس الصبية وعلاقتها برفيقها في الصبا، وتذكرها لمجالس والدها الشغوف بموسيقى أندلسية ويهودية مغربية. وهو ماتكرر في مسلسل ” ناس الملاح “، الشيء الذي يطرح سؤال الفرار القادم من المرض الخبيث نحو استحضار ماض جميل. لم يسقط الفيلم في الصراع الصهيوني وما افتعلته آلة التهجير المقيتة، في مغاربة تركوا ديارهم ونزحوا إلى المجهول تلبية لنداء أرض الخلاص، وتجسيدا لعقدة أبناء الله، الذين سيعيدون بناء هيكل سليمان. تجاوز كل ذلك ليستدعي الموسيقى باعتبارها لغة يفهمها الجميع باختلاف توجهاتهم وتصوراتهم ومبادئهم، لغة تحرك الوجدان وتخاطب الفطرة الإنسانية السليمة التواقة للحب والعيش المشترك، والبعيدة عن الصراع والقتل والحقد والكراهية.
إلا أن فيلم ” عايدة لم يسلم من النقد، التقنية منها بالأساس وهي كثيرة، والمثير فيه أنه مغلف بغلاف ديني، ويشاع أنه عن التسامح بين الأديان وما إلى ذلك. لكن ما دور اليهودية في الفيلم ؟ ما الإضافة التي قدمتها اليهودية كدين وكطقوس في سياق الفيلم؟ وما مدى توظيفها في حوارات الفيلم (وفي شكل السيناريو والمادة الكتابية عموما)؟ ولنفرض أن شخصية عايدة مسيحية واستبدلنا لمحة الطقوسية في الفيلم بطقوس مسيحية أو بأي دين أو بدونها ! كيف يخدم هذا التغليف والحضور الديني عقدة الفيلم أو توازي الأحداث فيه؟ ما الداعي إلى اختيار اليهودية بالتحديد في الفيلم؟ يشار إلى أن هذا الفيلم الطويل الذي يعد الثالث في مسيرة المخرج المغربي إدريس المريني للأفلام الروائية الطويلة. تم اختياره لتمثيل المغرب في فئة أحسن فيلم أجنبي بجوائز الأوسكار سنة 2016م، كما تم يوم 20 مارس 2018م تقديمه بالمعهد الفرنسي بإسطنبول في إطار أسبوع الفرنكفونية، وذلك بمبادرة من القنصلية العامة للمغرب بإسطنول.
فيلم “فين ماشي ياموشي” للمخرج حسن بنجلون
يتناول الفيلم هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل عقب استقلال المغرب في الستينيات من خلال مقاربة وطنية تتنازع فيها الرغبة في الرحيل أو البقاء والوئام الذي ساد بين اليهود والمسلمين المغاربة أنداك..وهو ما يعتبره مخرج الفيلم موضوعا يستحق المعالجة لأنه يعني المغرب أكثر مما يعني إسرائيل أو الدعاية لها ، معللا ذلك بأن هجرة 256 ألف يهودي مغربي إلى إسرائيل خسارة للمغرب لأن هذا الأخير أنفق مبالغ ضخمة لتكوينهم وتأهيلهم لتستقبلهم بعد ذلك إسرائيل دون أن تنفق عليهم ولا درهما واحدا ، مضيفا أن فيلمه يكشف الحقيقة للأجيال الصاعدة وهو أول الأفلام الذي يتناول هذه المرحلة المهمة من تاريخ المغرب المسكوت عنه. بنجلون وفي مواجهة الحديث عن الخلفية السياسية والتجارية التي تحكمت في خروج فيلمه اعتبر أن مثل هذه الموضوعات من شأنها المساعدة على فهم عدة قضايا منها القضية الفلسطينية ، وبالحيثيات التاريخية والمادية لتعمير إسرائيل وتكوين جيش قوي لعب دورا كبيرا في حرب 1967م.
ماروك للمخرجة ليلى المراكشي:
فيلم مغربي إنتاج 2005 في أول تجربة إخراجية لليلى المراكشي، أثار جدلا بسبب مضمونه الذي حاول أن يتخطى طابو زواج اليهود بالمسلمين من خلال قصة حب بين شاب يهودي مغربي وفتاة مسلمة ، وقد أثار سخطا عارما لجرأة مخرجته التي اختارت أن تكون بعض المشاهد الجنسية حاضرة بقوة..ولكونه وحسب بعض الأصوات التي عارضته يقدم صورة مشوهة عن المغرب. المخرجة ليلى المراكشي اعتبرت أن الفليم هو دعوة إلى التسامح والتعايش معتبرة أن الحب بين اليهود والمسلمين ليس بالأمر المستحيل برغم استحالة زواج اليهودي بالمسلمة انطلاقا من ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وغاب عنها أن اليهود يحرمون الزواج بغير جنسهم ومن لا أصول يهودية له من جهة الأم. وأوضحت المخرجة أن الفيلم لقي إقبالا منقطع النظير من خلال إحصاءات المتابعة في القاعات السينمائية (عرض 77 أسبوعا) وأيضا من خلال الجوائز التي نالها في المهرجانات الوطنية والدولية .
الفيلم يبدأ بقصة أصدقاء من الطبقة الميسورة في حي آنفا الراقي بمدينة الدار البيضاء يدرسون معا رغم اختلاف عرقهم (يهود – عرب) يسهرون معا يسوقون السيارات الفارهة معا دون تمييز عنصري، ولكن حين تغرم غيثا المسلمة (تلعب دورها مرجانة العلوي) بيوري اليهودي (يلعب دوره ماثيو بوجناح) ، تطفو على السطح مشاكل عدم قبول التعايش مع إنسان من دين مختلف فأصدقاء يوري رفضوا ذلك، وأسرة غيثا أيضا التي تلقت النقد من أخيها الملتزم الذي يعيش في لندن ماو (يلعب دوره أسعد بواب)، فتطلب غيثا من يوري حلا مستحيل التحقيق لوضعهما وهو اعتناقه الإسلام الأمر الذي تناساه وتوفي إثر حادثة سير وهو مخمور لتنتهي العلاقة بينهما. الفيلم إضافة لمشاكل التعايش بين لنا مظهرا آخر لمدينة الدار البيضاء بعيدا عن الأحياء الشعبية ومساكن المهمشين حيث اقتحم الأحياء الميسورة للمدينة التي يعيش ساكنتها في فيلات فخمة حياة البذخ والعيش وفق نمط بورجوازي متأثر بالغرب. وقد استغرق تصوير الفيلم 6 أسابيع بطاقم شاب يخوض غمار فيلم سينمائي لأول مرة. ماروك يعتبر واحدا من فيلمين عربيين أدرجا ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان سنة 2005.
فيلم “وداعا أمهات ” للمخرج محمد اسماعيل
تناول هذا الفيلم موضوع هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل ويحكي الشريط الذي كتبت فيه السيناريو كاتبة يهودية مغربية قصة أسرة مسلمة لامرأة يهودية وابنتها بعد أن غرق زوجها في البحر أثناء محاولة هجرته إلى إسرائيل ، ويلعب فيه دور البطولة أيضا الممثل المغربي اليهودي سيمون الباز .
مخرج الفيلم محمد إسماعيل اعتبر أن الفيلم مغربي 100 في المائة، نظرا لأن مخرجه ومنتجه مغربيان بالإضافة إلى مغربية الموضوع، موضحا أنه لم يتلق أي دعم من أي جهة كانت جمعوية أو مؤسساتية باستثناء دعم المركز السينمائي المغربي مصرا على ضرورة مناقشة الفيلم من حيث المناطق المعتمة التي نجهلها تاريخيا، وليس من خلال الخلفيات الضيقة التي لن تفيد السينما المغربية في شئ.
شريط تنغير ــ القدس:
عد شريط تنغير ــ القدس من أهم الأفلام السينمائية التي عرضت لحياة اليهود المغاربة، للمخرج كمال هشكار، وفيلم “أوركسترا منتصف الليل” للمخرج جيروم كوهين أوليفار، و”عايدة” للمخرج إدريس لمريني، وشريط “إلى أين أنت ذاهب يا موشي” للمخرج حسن بنجلون، و”وداعًا أمهات” للمخرج محمد إسماعيل. وجدير بالذكر أن فيلم “تنغير – القدس” أثار جدلًا كبيرًا حين عُرض عام 2012، حيث انقسم المغاربة بين رافض للفيلم باعتبار أنه يدعو إلى التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وإظهار اليهود كشعب مسالم ومتسامح، وبين مؤيد للفيلم بدعوى أنه يحث على نشر قيم السلام بين العرب والإسرائيليين. وقد استضافت مدينة الدار البيضاء قبل عرض الفيلم مهرجانًا للأفلام عن يهود المغرب، وهو ما أثار كذلك سجالًا حادًا، حيث اعتبر الرافضون أنه مهرجان سينمائي يقوم على السعي إلى التطبيع مع إسرائيل من بوابة السينما والفنون والثقافة، كما اتهموا الأفلام بكونها ممولة من شركات صهيونية. وانتقدت جهات معادية للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، تنظيم مهرجان عن أفلام تناقش موضوع اليهود المغاربة، يستندون في ذلك أنها أعمال ترتكز على الدعاية للثقافة الصهيونية، تحت غطاء إظهار حياة اليهود بالمغرب، وبأنها أفلام تجعل من المغرب “خارجًا” من إجماع الأمة الإسلامية الرافضة للتطبيع مع الإسرائيليين، وهو ما تغير بعد التوقيع الأخير على الاتفاق مع أمريكا والكيان، وبالمقابل، ذهبت أطراف ساندت تنظيم مثل هذه المهرجانات الفنية التي تقارب موضوع اليهود المغاربة، إلى “أن الفن لا هوية ولا دين له، وبأنه ليس جريمة تناول حياة فئة من المجتمع المغربي بغض النظر عن ديانتها أو عقيدتها، وبأن سماء الفن السابع شاسعة ورحبة تظل الجميع، مسلمين ومسيحيين ويهوداً”. وقد عرض في مهرجان البيضاء عدد من الأفلام التي اتخذت اليهود موضوعًا لها، منها فيلم “فين ماشي يا موشي” لحسن بنجلون، وفيلم “وداعا أمهات” لمخرجه محمد إسماعيل، وفيلم “موت للبيع” لفوزي بنسعيدي، وفيلم “ماروك” لليلى المراكشي، وفيلم “الرجال الأحرار” لإسماعيل فروخي.
ومواكبة لهذا النموذج من الأفلام، والأشرطة الوثائقية، شهدت العاصمة الألمانية برلين تظاهرةً سينمائية نظمتها جمعية أصدقاء متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي، والمتحف اليهودي في برلين، حيث تم عرض فيلم “العودة إلى أولاد مومن” للمخرجة إيزة جنيني، و”من أجل إشبيلية جديدة” للمخرجة “كاثي وازانا”، و”يهود المغرب مصائر متناقضة” للمخرج يونس الغراري.
مسلسل ” ناس الملاح ” تعايش أم إساءة
أعاد مسلسل ” ناس الملاح” الجدال حول مشروعية طرح قضية العودة إلى البلد الأمن لا سيما في الظرفية الحالية التي تتسم بالصراع مع الكيان الصهيوني والإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة بدعم دولي وصمت عربي للحكام مريب. وفي الوقت الذي تتعالى فيها أصوات المجتمعات بالعالم منددة بهمجية الكيان الصهيوني تفتح القناة الثانية الباب على مصراعيه لمسلسل وظف مجندة بطلة له تحن إلى ماضي أجدادها وتعشق بلدها الأم بعد أن غادرتها لسنوات مضت، ومن هنا تبدا الحكاية، وينقسم الشارع المغربي بين مؤيد للمسلسل ورافض له.
لا جديد في المسلسل لا من حيث التيمة التي تعرض له، ولا كتابة السيناريو الذي حاكى العديد من الأفلام التي عرفنا ببعضها، بل إنه تأثر بها، وناقش موضوع لم يعد من الطابوهات وهو عن هجرة اليهود المضادة لبلدهم الأصلي وحقهم فيه.
يحاول المسلسل أن يقدم بعض الأسرار والمؤامرات في قلب ملاح مدينة الصويرة وبالأحرى “موكادور” التي أصبحت قبلة لليهود بل الصهاينة، صراعات عائلية من أجل الإرث والثروة.. « الناس لملاح”، مسلسل جديد بطولة عبد الحق بلمجاهد، ربيع القاطي وهدى صدقي.. ففي حي الملاح بمدينة الصويرة، تعيش عدة أسر مسلمة ويهودية من بينها أسرة الحاج إبراهيم وجارته مسعودة. تنقلب حياة أسرة الحاج إبراهيم رأسا على عقب بعد مقتل أخيه عبد العزيز. جريمة اتهمت فيها مليكة، أرملة عبد العزيز، الحاج إبراهيم بالوقوف وراءها لتتفجر الكثير من الصراعات بين الطرفين. صراعات سيدخل فيها أيضا أبناء الحاج إبراهيم، والذين كانوا يطمعون في توزيع أملاك والدهم، جزء من هذه الأملاك يعود لعبد العزيز، وهو أمر لن يسكت عنه ورثته، وسيزيد الطين بلة.وبعيدا عن خلافات أسرة الحاج إبراهيم، تنتظر جارته مسعودة قدوم ابنتها جينين من كندا، هذه الأخيرة لا تنوي التفريط في منزل والدتها الذي أثار أطماع أحد السماسرة، وستعمل جاهدة على إعادة ترميمه مع الحفاظ على طابعه الأصيل. “الناس لملاح” ، دراما اجتماعية من 15 حلقة، شارك فيها عدد من الممثلين المغاربة من بينهم: عبد الحق بلمجاهد، ربيع القاطي، هدى صدقي، منصور بدري، محسن مالزي، سارة فارس، الصديق مكوار… والإخراج لجميلة البرجي بنعيسى.
المثير في المسلسل هو استدعاؤه لشخصية لا علاقة لها بمجال الفن فهي مجندة في الجيش الإسرائيلي، كارهة للفلسطينيين، لتسلط عليها الأضواء وتصبح بطلة الفليم، إنها شخصية “مسعودة”، وهي شخصية حقيقية تعود للمرأة اليهودية المغربية التي كانت تعيش في حي درب لعلوج بمدينة الصويرة.
إيفا قادوش، الممثلة المغربية اليهودية التي تؤدي دور “مسعودة”، جسدت دور يهودية مغربية، عاشت في الصويرة وكانت معروفة بطيبوبتها، وأخلاقها العالية، وتعاملها الإنساني مع كل من زار مطعمها في حي درب لعلوج ، هذه الشخصية تحاول أن تعكس حسب السيناريست التراث المغربي الأصيل المبني على التسامح والتعايش بين مختلف الديانات والثقافات.
المبشرون المساندون للمسلسل:
أول من بشر بالمسلسل ودافع عنه الممثلون وبطلته مسعودة ومخرجه، عبرت الممثلة اليهودية ” إيفا قادوش” عن فخرها الكبير بهويتها المغربية، مشيرة إلى أنها لن تسمح لأي شخص بالتشكيك في مغربيتها أو في حبها لوطنها.وصرحت للصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي أنها مغربية قبل كل شيء، وعبرت عن اعتزازها بجذورها اليهودية التي لا تتعارض أبدا مع وطنيتها، وتفتخر بأن تكون جزءا من هذا العمل الذي يعكس التنوع الغني الذي يميز المغرب، وتدعو دائما للسلام والتعايش. وحاول السيناريست والمخرج تقديمه على أساس أنها رمز للطيبة والتسامح والكرم.
ومن أهم المبشرين الممثلة المغربية هدى صدقي التي سجلت عودة جديدة إلى عالم الدراما التلفزيونية بعد سنوات من الغياب، شرعت هدى المعروفة في عالم التواصل الاجتماعي، في الترويج للمسلسل عبر صفحاتها الرسمية بمنصات التواصل الاجتماعي من أجل جذب الجمهور لمشاهدته، خاصة أنه يعرض خارج السباق الرمضاني الذي يعرف زخما في الإنتاجات الدرامية. وتُعد عودة هدى صدقي إلى عالم الدراما محطة جديدة في مسيرتها الفنية، إذ حققت شهرة واسعة بفضل مشاركاتها في العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية، ولطالما اعتُبرت من أبرز الممثلات في الساحة الفنية المغربية قبل أن تغيب وتختار التفرغ لعائلاتها ولنشاطها عبر منصات التواصل حيث أنشأت قبل سنوات قناة على منصة تحميل الفيديوهات “يوتيوب” وشرعت في تقديم فيديوهات روتينية وصناعة المحتوى المتعلق بعالم الطبخ والأسرة. وكان آخر عمل تلفزيوني للممثلة المغربية سلسلة رمضانية بعنوان “سالف عذرا”، عرضت عبر القناة الأولى، تدخل في خانة الأعمال التاريخية. ومن الطبيعي أن تكون بطلة المسلسل أقوى المدافعات عنه إلى جانب المخرج، تؤكد إيفا كادوش أنها ضد الحرب والعنف في أي مكان، وترفض أي تشكيك في وطنيتها أو في حبها لبلدها، وهددت بمتابعة قانونيًا كل من يحاول تشويه صورتها أو تحريض الناس ضدها من خلال نشر أكاذيب أو فبركة صورها. وتحدث لوسائل الإعلام عن مكان ولادتها في الرباط، وتعيش حاليًا في مراكش، ومنذ صغرها وهي تحب الفن وتمارسه. وتتمنى أن يستمر ‘الناس لملاح’ في توصيل رسالة السلام والوحدة، وأن يعكس الصورة الحقيقية لمغرب التسامح والتعايش”.
من جهته أبرز أحمد بوعروة المنتج والسيناريست إلى جانب جميلة البرجي بنعيسى، للمسلسل موقفه الثابت ضد الصهيونية وكل أشكال التفرقة، وأنه يؤمن بأهمية الوحدة بين المغاربة بكل خلفياتهم، ومن الجدير بالذكر أن قيم التعايش ليست جديدة علينا، فهي جزء من إرثنا الثقافي والديني. واستحضر في هذا السياق تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود، حيث رهن درعه عند يهودي في آخر أيامه قبل وفاته، وهي قصة تحمل عبرة عميقة عن التسامح وحسن المعاملة، وأشار بوعروة أنه فخور بالنجاح الذي حققه مسلسل “الناس لملاح”، والذي تجاوز توقعات الطاقم العامل منذ انطلاقه، حيث لاقى إقبالاً كبيراً من الجمهور وحقق نسب مشاهدة عالية. والمسلسل من وجهة نظره، يهدف إلى تقديم صورة حقيقية عن المجتمع المغربي بكل تنوعه وتعدديته، مع التركيز على قيم التعايش والمحبة والسلام بين جميع مكوناته من مسلمين، يهود، مسيحيين، أمازيغ وعرب. وأضاف أن المسلسل أثار نقاشات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا دليل على تأثيره في تحفيز الحوار بين أفراد المجتمع. ومع الأسف، تعرض بعض أعضاء فريق العمل لتشكيك غير مبرر في وطنيتهم، إلا أننا نؤكد، يقول، أن المسلسل يحمل رسالة الوحدة الوطنية، وأن كل شخص شارك فيه يؤمن بإبراز الوجه الأصيل والمشرق للمغرب، ويأمل من خلال هذا العمل، أن يعزز روح الانتماء والوحدة. الممثل القاطي المعروف بتنديده بالمجازر الصهيوني فاجأ محبيه بالمشاركة في هذا العمل، ولم يستسيغوا سر مشاركته إلى جانب مجندة، تحقد على سكان غزة، القاطي اعتبر أن مسلسل “ناس الملاح” يسلط الضوء على عودة يهود مغاربة إلى منطقة الملاح بعد سنوات من الهجرة لملاقاة أجدادهم وسط أملاكهم، مبرزا أن هذا الرجوع تصاحبه قصص ومواقف إنسانية سيكون المشاهد المغربي على موعد معها عبر شاشة القناة الثانية. وأضاف المتحدث ذاته أن هؤلاء المهاجرين اليهود من أصول مغربية سيقررون العودة إلى بلدهم الأم بعدما هاجروا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. وأفصح ربيع أنه سيجسد أحد أدوار البطولة في هذا المسلسل، حيث سيكتشفه الجمهور المغربي في دور مختلف تماما عن شخصية “ميلود” بمسلسل “لمكتوب” الذي عرض في رمضان المنصرم. وقال إنه يجسد في “ناس الملاح” شخصية “فريد”، رجل مغربي يعيش في مدينة الصويرة التي تجري فيها جل الأحداث، ويمتهن التجارة الحرة، ولديه أطماع في بعض العقارات، حيث ستتقاطع مصالحه مع مصالح بعض الشخصيات الأخرى، ما ينتج عدة مواقف إنسانية، وصراعات وخديعة.
الرافضون :
ما مبررات الرافضين لمسلسل يريد أن يبرز أسس التعايش والتمازج الثقافي بين أناس سبق لهم أن عاشوا سنين تحت فضاء واحد وبنفس الجغرافية وتبادلوا الملح، وجاءت ظروف أبعدتهم عن بعضهم، وفرضت على جزء منهم أن يهاجروا خارج الوطن ،هذا وغيره من الأسئلة يبدو مشروعا، لكن مبررات الرافضين قوية، حيث تصاعدت المطالب بوقف بث مسلسل “ناس الملاح” الذي يُعرض على القناة الثانية، والمبرر الأول مشاركة الممثلة الإسرائيلية من أصول مغربية، إيفا كادوش، التي كانت مجنّدة سابقة، ومعروفة بدعمها لقيادة الجيش الإسرائيلي في الحرب المتواصلة على قطاع غزة، إضافة إلى تدويناتها المحرضة على قتل الفلسطينيين، ونشرها صورا لقنابل وقذائف موقعة، وموجهة إلى تدمير منازل، ومستشفيات، ومراكز إيواء. وقد عدَّ مناهضو التطبيع حضور كادوش في هذا المسلسل، محاولة لتجميل وجوه الصهاينة في ظل حرب الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني. واجتهدت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر القناة الثانية بالعاصمة الرباط للمطالبة بوقف عرض هذا المسلسل، وبينما يقول القائمون على المسلسل إنه يهدف إلى إبراز التنوع الذي يميز النسيج المجتمعي المغربي والتعايش الذي طالما عرفت عنه المملكة بين اليهود والمسلمين، يرى عزيز هناوي عضو المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أن الأمر لا يعدو أن يكون “بروباغاندا لإضفاء الشرعية الساقطة عن الصهاينة من أصل مغربي” . وقال في حديث مع “الجزيرة نت” إن بث المسلسل بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة ولبنان، هو بمثابة “تجميل للصهاينة القتلة”، وانتقد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة مواطنة إسرائيلية داعمة لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين في هذا المسلسل. وأكدوا في تدوينات أن هذا الفعل لا يتناسب مع حجم التضامن الكبير، والرفض المستمر للمغاربة؛ لما تقترفه إسرائيل من قتل وتدمير في قطاع غزة ولبنان.
ووصف الإعلامي المغربي مصطفى الفن في تدوينة على صفحته في موقع فيسبوك، هذا المسلسل بالـ “مشبوه” . وقال إن رسالته “مسيئة للوطن” ، وهي: “أيها اليهود الذين غادرتم المغرب في سياق ما، عودوا إلى أرضكم المغرب قبل فوات الأوان. والسبب أن المغاربة المسلمين يتربصون بممتلكاتكم وبأراضيكم، ويريدون السطو عليها”.وأضاف متحدثا عن كاتب سيناريو المسلسل والقناة الثانية “لا سامحهما الله لأنهما اختارا التوقيت الغلط لتلميع مستوطنة إسرائيلية من تل أبيب ليس لها سوى أمنية واحدة ووحيدة في الحياة وهي محو غزة من الأرض وقتل أهاليها وسكانها أجمعين”.
عزيز هناوي عضو المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، يؤكد بأن المرصد كان يتابع نشاطات إيفا كادوش منذ سنوات ولم يعرف عنها أنها ممثلة، بل كانت تنشر وصفات طبخ مغربية في مواقع التواصل وتنسبها إلى إسرائيل، وأضاف أن هذه السيدة التي تدعي أنها تقيم في مراكش هي في الحقيقة تسكن في تل أبيب ولم تحصل على بطاقة التعريف الوطنية المغربية وجواز السفر المغربي إلا في منتصف عام 2022 م، وقد نشرت صورا لها توثق لتلك اللحظة. وأوضح للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، أنها نشرت على صفحاتها في مواقع التواصل صورا لها مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وضابط الموساد “سام بنشتريت” وشاركت صورا لقذائف وصواريخ مكتوب عليها عبارات “أتمنى أن تقصفكم هذه الصواريخ بشكل مباشر” وعلقت على الصورة “أرسل لهم مرحبا ولا إلى اللقاء”، كما نشرت تدوينات تدعو لمحو قطاع غزة وتدعم الجيش الإسرائيلي في ذلك. ولفت إلى أن المرصد وثق كل هذه الصور والتدوينات قبل أن تحذفها بالتوازي مع صدور تصريح منتج المسلسل في الجريدة المغربية وتركت فقط تلك التي تظهر وصفات الطبخ. وقال محمد الغفري المنسق الوطني للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع للجزيرة نت “إن المناهضين للتطبيع ليس لديهم أي مشكلة مع اليهود المغاربة لأن منهم من ينشط ضمن الهيئات المدافعة عن القضية الفلسطينية في المملكة وأيضا يناهضون الصهيونية في كل أنحاء العالم”، إلا إنه يشير إلى أن الممثلة التي قدمها مسلسل “ناس الملاح” سيدة صهيونية ومجندة سابقة في الجيش الإسرائيلي معتبرا وجودها ضمن طاقم هذا المسلسل “ضربة في ظهر المغاربة وخيانة للشعب المغربي المعروف بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية”. وأضاف أن عرض القناة هذا العمل التلفزيوني بمشاركة ممثلة صهيونية بالتزامن مع حرب الإبادة ضد الفلسطينيين يبرهن على أنها “مفصولة عن الواقع وتخالف مشاعر المغاربة بمختلف تلاوينهم الذين يجمعون على التضامن مع فلسطين من منطلقات دينية وقومية وحقوقية وإنسانية” وأضاف ” هذه طعنة في ظهر الشعب المغربي من قناة تمول من جيوب المواطنين المغاربة”.
توظيف الموسيقى لإخفاء أخطاء المسلسل:
لقد جسدت الموسيقى الأندلسية بالمغرب تلاقح الحضارات. وسبق أن هاجرت الموسيقى الأندلسية إلى شمال إفريقيا مع هجرة الموريسكيين إليها في القرن السادس عشر، واستقرت مع استقرارهم في المغرب الإسلامي، مما يفسر عدم امتدادها إلى المشرق. وتُؤدّى الموسيقى الأندلسية من طرف المجموعة باستثناء المواويل، ويلتزم كل أفراد الفرقة بارتداء الزي التقليدي الأصيل، كما يضعون الطرابيش الحمراء، وهو الشكل الذي كان يعرف به رجال العلم وعلية القوم في المغرب، مما يحفظ لهذا اللون الموسيقي طابعه الراقي.
وتستعمل في العزف الآلات الوترية والنفخية والإيقاعية الكلاسيكية، ويحاول عشاق هذه الموسيقى الابتعاد عن الآلات الحديثة خصوصاً الكهربائية، فيما يسعى رواد الموسيقى الشبابية إلى تقديم طرب الآلة في حلة جديدة.
إن اليهود، وهم من أقدم مكونات التركيبة السكانية للمغرب، يحفظون عبر موسيقاهم آثار الحضارات المختلفة التي نشأت في هذا البلد وهي الأمازيغية والشرق أوسطية القديمة والأندلسية. وكان اليهود يتأثرون من جهة، كونهم من سكان المناطق الداخلية من أراضي المغرب خاصة بجنوب البلاد وجبال الأطلس، بالثقافة الموسيقية الأمازيغية؛ إلا أنهم تأثروا أيضًا، من جهة ثانية، بالموسيقى الأندلسية الكلاسيكية العائدة جذورها إلى عصور الحكم العربي الإسلامي لبعض الأراضي الإسبانية.
وعليه تتميز التقاليد الموسيقية اليهودية في المغرب بشدة تنوّعها لتشمل فيما تشمله ألحان الصلوات والأناشيد والموشحات باللهجة العربية- اليهودية .
وكان الكثير من الموسيقيين اليهود يساهمون في تنمية التقاليد الموسيقية الأندلسية العريقة، بل كانت هناك حالة من المؤاخاة الفنية الخالصة بين رجال الموسيقى اليهود والمسلمين، حيث تدل على ذلك الفِرق الموسيقية المختلطة التي كانت تقدم أعمالها في بعض الأحيان باللغتيْن العبرية والعربية على السواء، علمًا بأن هذا الأسلوب الغنائي المتميز أطلِق عليه اسم “مطروز” وأصبح له حضور بارز خاصة ابتداءً من القرن الـ16 للميلاد. وكانت هناك فِرق يهودية تعزف أمام جمهور المسلمين فيما كانت هناك فرق مسلمة تقدم عروضها أمام اليهود. ومن الآلات التي كانت الفرق اليهودية تعتاد العزف عليها كل من الربابة والكمان والعود والدربوكة. وهو ما تم توظيف جزء منه في المسلسل، وللأسف، لإخفاء بعض عيوبه العديدة والتي تتجلى في صياغة حوارات لم تكن بالدقة اللازمة لا سيما أثناء التحقيق في جريمة القتل، ومحاولة بعض الممثلين أن يقلدوا لهجة اليهود، كما أن الحوارات مع رجال الأمن غريبة وتصورهم أثناء التحقيق بصورة ليست واقعية، فهم يعرفون كل شادة وفادة عن سكان ناس الملاح، إلى درجة معرفة نوع المقهى وطبيعتها التي يشربها المستوجب، وليضيفي السيناريو طابع التعايش والحب بين اليهود المغاربة والمسلمين، جعل مربط المحبة والداعية للسلم والقائمة بالصلح بين المتنافرين من أبناء الحاج بطل الفيلم، وكيد سمسار يرغب في أخذ عقار تتشبث به ميلودة فهو مكان الولادة وذكرى من أبويها، والداهية السمسار دافعه الحقد الدفين، مثل تاجر البندقية في تصور شكسبير، فقد تم طرده هو وإخوته من مسكنهم بالملاح وعاش التشرد والفاقة، والغربة، ورجع ليستولي على كل عقار الملاح. تتداخل مكونات شخصيات المسلسل بين طمع وتآمر، وكره بين أبناء الأب الواحد، وخيانة زوجية، وعقاب إلهي للأب البطل على ما اقترفه من ظلم في حق المستضعفين بما فيهم أخوه الذي قتله، وحاول منع باقي أبنائه من الميراث مما دفعهم لمحاولة قتل أخيه من أبيهم يوسف، و” ميلودة” الحنونة تقرأ تراتيلها في صورة درامية إلى جانب أمه التي تحمل المصحف وهو في الانعاش، وهنا توحي الصورة بالتقاء الأديان، وأنه لا فرق بين يهودية محرفة، ولا إسلام خاتم جاء مصححا لما قبله، ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه” إنه التعايش الوهمي. لقد بقي الفضاء العام الملاح عنوانه الأكبر الفرحة و” النشاط” باللغة الدارجة، لكل ما تحمله من معنى، من أجل خلق فرجة متوهمة، تخفي التنافر والتآمر والطمع والجشع، والخبث. إن الحبكة الدرامية ومحاولة تقديم صورة غير حقيقية ل “تمغربيت” تنقصها الدقة. حاول القائمون على هذا المسلسل أن يستميلوا عطف المشاهد تتعرض ” مسعودة” لكل محاولات الكيد والمكر ن لكنها امرأة عهدها من القوة والتشبث بمنزلها ووطنها ما يجعلها صامدة، ولا تفكر في الرجوع إلى بلد الميعاد خوفا من ” إرهاب” مفترض، وتضييق معايش. فكم هو غريب هذا الطرح اللاواقعي والبعيد عن كل قيم المجتمع المغربي في علاقته بمكوناته التي تعايشت في حقبة تاريخية، سرعان ما اختار مكون منها الهجرة أو التهجير إيمانا منه بأنه راحل ﻷرض الميعاد، الأرض المقدسة، وتورط جيل في تقتيل السكان الأصليين لبلد عمروه زمنا طويلا، وبه ممتلكاتهم وسكنهم، فتم طردهم عنوة وتقتيلهم وتهجيرهم، والآن تتم عملية الإبادة الجماعية بشكل مأساوي، وكأن أهل الكيان يعيدون ما اشتكوا منه سنين، بسرديتهم عن المحرقة، وما تعرضوا له من طرف الرجل الأبيض.

إن أسوأ ما في المسلسل محاولة توظيف ممثلة هي مجندة في جيش الكيان، تفوهت بكلمة مزلزلة ” ستمحى غزة” تواجه بها شعبا مغربيا من أكثر الشعوب تضامنا مع أهل فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي، إنها إيفا كدوش، التي جسدت دور “مسعودة”، إسم مثير وغير مألوف لمستوطنة إسرائيلية ظهرت في جنريك المسلسل، وسط عدد من أسماء ممثلين مغاربة، ألفتهم الشاشة ويعرفهم الجمهور. المستوطنة الإسرائيلية تقيم في تل أبيب حسب المعطيات التي ذكرتها صحيفة “صوت المغرب”، وليس هناك ما يؤكد أنها ممثلة، إذ تركز منشوراتها على الطبخ والتعريف بمأكولات شعبية تنسبها إلى إسرائيل، إضافة إلى منشورات أخرى متطرفة تتمنى من خلالها الموت والإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على القطاع الذي مازال يعيش منذ عام تحت وطأة جرائم حرب إبادة راح ضحيتها مايقرب من 42 ألف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء. وعبرت عن سعادتها بالمشاركة في المسلسل باعتبارها الممثلة اليهودية في المسلسل، وابتهجت بالملصق، ودعت الجمهور لمتابعة المسلسل، وهي القائلة ” غزة ستمحى اليوم”. وسبق لها أن نشرت، في 23 نونبر 2023، صورة صاروخ إسرائيلي -متوجه إلى قطاع غزة- كُتِب عليه بخط اليد “أتمنى أن تقصفكم هذه الصواريخ بشكل مباشر”، وتزامن توقيت نشر هذا المنشور مع إقدام عدد من المستوطنين على حجز مكان لرسائلهم المتطرفة على الصواريخ التي يرسلها جيش الاحتلال لتدمر منازل المدنيين وتقتل الأطفال والنساء في غزة. وكتبت إيفا كدوش مع الصورة ذاتها، على حسابها الشخصي: “أرسل لهم: مرحباً ولا إلى اللقاء”.لم تبدأ رسائل كدوش إلى الفلسطينيين في هذا التاريخ، حيث سبق لها أن نشرت في السابع من أكتوبر 2023، عبارة تدعو من خلالها إلى إبادة أزيد من 2.124.000 إنسان في غزة، وكتبت قائلة: “غزة ستُمحى اليوم”. كما نشرت عدة منشورات أخرى تدعم من خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي وتدعو له بالنصر من تخوم لبنان إلى صحراء مصر. فما الرسالة التي تحملها مجندة متصهينة للشعب المغربي؟ هل غض الذي سهروا على هذا العمل، وباسم الفن، الطرف عن كل الفظاعات والإبادة الجماعية لشعب أعزل؟ ما السردية التي يتبنون باسم الإبداع، وهو منهم براء؟ إنها لحظات فارقة تفرض مقاطعة كل الأعمال التافهة التي ترغب في محو الذاكرة، وتقديم السلم في جلباب الخنوع والاستكانة والتواطؤ والصمت المذل.
خلاصة:
هل هو نبش بالذاكرة وبحث في الماضي، أم مجرد استجداء لمساعدات أجنبية من مراكز سينمائية مشبوهة؟أسئلة تبحث في الأسباب، والتوقيت، والمقاربة المستعملة في التعامل مع الموضوع، وأهم من ذلك في الصورة التي تقدمها هذه الأفلام لليهود المغاربة؟ وهل هي صورة أملتها قناعات المخرجين الشخصية والخلاصات التي توصلوا إليها من خلال البحث في الأرشيف الموجود على قلته، أم أن حسابات سياسية وتجارية تحكمت في الموضوع؟ تضج، اليوم ، منصات التواصل الاجتماعي بمطالب دعت إلى وقف مسلسل “الناس الملاح” الذي عرض على القناة الثانية في ١٥ حلقة، ﻷنهم يعتبرونه اختراقا ثقافيا بطريقة خطرة، وفي الجانب الآخر يعتبر آخرون أن المسلسل يدخل يدافع عن حرية التعبير، مؤكدين أن المسلسل يهدف إلى خلق قيم التعايش ويعرض صورة تاريخية توضح كيف كان المغاربة واليهود يتعايشون معا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى