
بقلم : أزلو محمد
منذ سنوات قليلة، وفي واحدة من اللحظات التي لا تُنسى في المشهد السياسي المغربي، خرج علينا عزيز أخنوش، حينما كان لا يزال وزيراً للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بتصريح أثار الكثير من الجدل والانتقاد. قال الرجل، بصراحة لا تخلو من الحزم، إن “المغاربة بحاجة إلى إعادة التربية”. تصريح كهذا في سياق سياسي واجتماعي متوتر، أشعل فتيل النقاش حول معنى “إعادة التربية”، ومن يحق له أن ينصب نفسه معلماً للشعب .
اليوم، ومع ترؤس أخنوش للحكومة، يجد المغاربة أنفسهم في مواجهة واقع اقتصادي واجتماعي معقد. الغلاء ينهش جيوبهم، والبطالة تُلقي بظلالها القاتمة على عائلاتهم، والأسعار ترتفع بشكل يكاد يفوق قدرة المواطنين على الاحتمال . في ظل هذه الظروف، يُطرح السؤال : هل ما نعيشه الآن هو “إعادة التربية” التي تحدث عنها أخنوش ؟ أم أنها مجرد مصادفة سيئة فرضتها أزمات عالمية وتوالي سنوات الجفاف ؟
_ هل هي مصادفة أم سياسة مقصودة ؟
من السهل إلقاء اللوم على الأزمات العالمية، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، باعتبارها الأسباب الكبرى وراء ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية. لكن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيداً. فالمغرب، كغيره من البلدان، تأثر بهذه الأزمات، لكنه يواجه أيضاً تحديات داخلية مرتبطة بسوء التدبير وضعف التخطيط الاقتصادي . سنوات من السياسات التي لم تُراعِ تطوير البنية التحتية الاقتصادية ودعم القطاعات الحيوية، جعلت البلاد أكثر هشاشة أمام الأزمات .
“إعادة التربية”، بهذا المعنى، قد تبدو وكأنها أخذت شكلاً قسرياً، حيث أُجبر المواطن على التأقلم مع واقع جديد من التقشف والحرمان. لكن، هل يمكن أن تكون المعاناة الاقتصادية وسيلة لتغيير سلوكيات الشعب أو إعادة تشكيل وعيه؟ يبدو أن الإجابة تحمل تناقضاً عميقاً. فبدلاً من أن تلهم هذه الأزمات روح التضامن والتغيير الإيجابي، غالباً ما تدفع الناس إلى الحيرة والغضب وفقدان الثقة في المؤسسات .
_ هل يستحق المغاربة “إعادة التربية” ؟
المغاربة شعب عريق، له تاريخ طويل من الصمود أمام المحن. إن الحديث عن “إعادة التربية” بهذا الشكل يُظهر نظرة استعلائية، وكأن الشعب بحاجة إلى من يُرشده ويُعلمه كيف يعيش. هذا التصور يتجاهل أن المغاربة قدموا الكثير من التضحيات على مر العقود، وأنهم يستحقون سياسات تحترم كرامتهم وتُعزز من قدرتهم على العيش الكريم، لا خطابات تُلقي باللوم عليهم أو تُحملهم مسؤولية أزمات ليست من صنعهم .
فما يحتاجه المغاربة اليوم ليس “إعادة تربية”، بل إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. هذه الثقة لا تُبنى بالشعارات أو الخطابات، بل تُبنى من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية تُركز على تحسين حياة الناس، وتوفير فرص العمل، وضمان العدالة الاجتماعية. المغاربة ليسوا بحاجة إلى دروس في التربية، بل إلى قادة يضعون مصلحة الشعب فوق كل اعتبار .
في النهاية : هل أخنوش أعاد تربيتنا؟
قد يكون الواقع الذي نعيشه اليوم أشبه بدرس قاسٍ، لكنه بالتأكيد ليس الدرس الذي يحتاجه المغاربة. ما يعيشه الشعب من معاناة ليس نتيجة “إعادة تربية”، بل نتيجة تراكمات من سوء التدبير والأزمات المتتالية التي لم تجد حلولاً ناجعة. إذا كان هناك درس يجب أن نتعلمه جميعاً، فهو أن المستقبل لا يُبنى بالكلمات الرنانة، بل بالعمل الجاد والالتزام بمصلحة المواطن .
و قد تكون “إعادة التربية” الحقيقية هي تلك التي تُعيد ثقة المغاربة في مؤسساتهم، وتُعيد لهم الأمل في غدٍ أفضل. أما الغلاء والبطالة، فهي ليست درساً، بل نتيجة لسياسات تحتاج إلى إعادة نظر، وربما “إعادة تربية” من جانب من يتحملون المسؤولية .