
بقلم محمد أزلو
في زمن أصبحت فيه الشاشات جزءًا لا يتجزأ من يومياتنا، تثار تساؤلات عديدة حول مستقبل القراءة التقليدية، ومدى قدرتها على الصمود أمام سيل المحتوى الرقمي. فمع ظهور الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والمنصات الترفيهية التي تقدم النصوص، والصور، والفيديوهات القصيرة، يبدو أن علاقتنا بالكتاب الورقي التقليدي أصبحت على المحك. فهل انتهى عصر الكتاب حقًا؟ أم أن القراءة التقليدية قادرة على البقاء في هذا العالم الرقمي المتسارع؟
_الشاشات: إغراء الحداثة وسرعة الوصول
لا يمكن إنكار أن الشاشات تقدم مزايا لا تضاهى. فهي تمنحنا القدرة على الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات بنقرات بسيطة. تطبيقات الكتب الإلكترونية، والمقالات المتاحة عبر الإنترنت، وحتى المحتوى المختصر على وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت القراءة أسهل وأكثر تنوعًا من أي وقت مضى.
لكن الإشكالية تكمن في أن هذا النوع من القراءة غالبًا ما يكون سريعًا وسطحيًا، حيث يطغى التمرير السريع على التعمق في المحتوى. فبدلاً من التفاعل مع النصوص ببطء واستيعابها، نجد أنفسنا نقرأ بعجالة، مما قد يؤثر على قدرتنا على التركيز والفهم الطويل الأمد.
_الكتاب الورقي: تجربة لا تموت
رغم الإغراء الرقمي، يظل الكتاب الورقي محتفظًا بسحره الخاص. فهو ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو تجربة حسية ونفسية متكاملة. ملمس الورق، ورائحة الصفحات، وإمكانية تخصيص وقت خاص للقراءة بعيدًا عن الإشعارات المزعجة، كلها أمور تجعل من الكتاب الورقي خيارًا محببًا لدى الكثيرين.
الدراسات الحديثة تشير أيضًا إلى أن القراءة من الكتب الورقية تعزز من الفهم والتركيز مقارنة بالقراءة من الشاشات. فالكتاب الورقي يقدم محتوى ثابتًا يتيح للقارئ التفاعل معه دون تشتيت، مما يساعد على بناء علاقة أعمق مع النص.
_القراءة كعادة تتغير مع الزمن:
عندما نتحدث عن “عصر الكتاب”، فإننا لا نناقش فقط وسيطًا ماديًا، بل نتحدث عن عادة ثقافية ونفسية. القراءة في العصر الرقمي قد تغيرت من حيث الشكل، لكنها لم تختفِ. ما يحدث اليوم هو إعادة تشكيل لعاداتنا في القراءة، حيث باتت تتأرجح بين النصوص الطويلة في الكتب، والمحتوى المختصر على الإنترنت.
التحدي الآن يكمن في إيجاد توازن بين هذين العالمين. فبينما توفر الشاشات وسيلة سريعة للحصول على المعرفة، يظل الكتاب الورقي ضروريًا للتأمل والفهم العميق.
_هل انتهى عصر الكتاب؟:
الإجابة على هذا السؤال ليست بسيطة. من المؤكد أن الكتاب الورقي يواجه تحديات كبيرة في زمن الشاشات، لكنه لم ينتهِ بعد. هناك شريحة واسعة من الناس ما زالت ترى في الكتاب ملاذًا من صخب التكنولوجيا، ومصدرًا للمعرفة التي تدوم.
لكن من ناحية أخرى، فإن تطور التكنولوجيا قد يفرض على الكتاب الورقي أن يتكيف مع الزمن. ربما نرى مستقبلاً أشكالًا جديدة تجمع بين جماليات الكتاب الورقي ومرونة الشاشات الرقمية.
ختامًا القراءة في زمن الشاشات ليست نهاية لعصر الكتاب، بل هي بداية لعصر جديد من التفاعل بين الإنسان والمعرفة. وفي النهاية، يبقى السؤال الحقيقي ليس حول وسيط القراءة، بل حول قدرتنا على الحفاظ على عادة القراءة نفسها، سواء كان ذلك عبر الورق أو عبر الشاشة.