كلمات .. في القانون و”المحميين الجدد”

كلمات
.. في القانون و”المحميين الجدد”
———————
حكم ال7 سنوات نموذج صارخ على أن المغاربة ليسوا سواسية أمام القانون .
أحمد ويحمان ×
إنها العدالة الانتقائية مرة أخرى
القاعدة القانونية لم تعد ” مجردة ” ولا ” عامة ” ولا “شاملة ” .. فللمواطنين قانونهم .. واليهـ..ـود الصهاينة وعملاؤهم فوقه .. لأن لهم، عمليا، قانونهم وتعامل خاص !
ففي سياق يتحدث فيه الجميع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، تأتي الأحداث الأخيرة لتكشف عن ازدواجية صارخة في تطبيق العدالة. والحكم الصادر، مطلع هذا الأسبوع، عن غرفة الجنايات المختصة في جرائم الإرهاب لدى محكمة الاستئناف بالرباط، مناسبة أخرى للوقوف عند خلل فظيع في منظومتنا القانونية وفي أجرأتها بالتحديد . الحكم قضى بالسجن سبع سنوات في حق شاب بسبب تدوينة كتبها تجاه أحمد عصيد – عبّر فيها عن رأيه بشكل غير لائق بعبارة غير مقبولة ما في ذلك شك؛ “خاصو الذبح” …
غير أن الذي استوقف المتتبعين والمهتمين في هذا الحكم ليس قسوته وحسب، وإنما هذه القسوة عندما يتعلق الأمر بفئة بسيطة من المجتمع، وكذلك جدية وسرعة تحرك الجهات المعنية خلاف ما يتم تسجيله في ملفات مماثلة كلما تعلق الأمر بأفراد آخرين ارتكبوا نفس الفعل المُجرّم وأكثر منه. مع فارق بسيط_كبير هو أن لهم ارتباطات بجهات أجنبية، وهو ما يذكر بحقبة رهيبة من التاريخ الحديث للمغرب مع ما كان يعرف ب ” المحميين”؛ وهو رمز ومحطة من محطات بدأ فيها المغرب فقدانه لسيادته قبل الإعلان الرسمي عن فقدها تماما بعقد الحماية سنة 1912 ..
مفارقة انتقائية العدالة
هذه السرعة في تحريك المساطر، التحقيق، وإصدار الأحكام بحق التلميذ تُظهر مفارقة صارخة عندما نقارنها بتجميد القوانين والمساطر القضائية تجاه المتصهينين والمروجين للتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني. فهؤلاء المتصهينون، رغم تورطهم في أفعال واضحة من صنف ما تم به الحكم على الشاب ب 7 سنوات (من أجل احمد عصيد) .. بل وارتكبوا أفعالا جد خطيرة تمس السيادة الوطنية وتثبت التواطؤ والتخابر والتعاون مع استخبارات كيان الإجرام الصهيوني والتآمر على القضية الفلسطينية التي يعتبرها المغاربة ” قضية وطنية “، يظلون محميين، سواء بحكم ارتباطاتهم بمكتب الاتصال الصهيوني أو بعلاقاتهم بأجهزة الاحتلال الاستخباراتية، رغم تورطهم في أعمال مماثلة، وأحيانا أكثر بكثير، مما حكم من أجله تلميذ معهد التكوين المهني بسبع سنوات سجنا نافذا !
الأمثلة الصارخة:
من بين أبرز هذه الأمثلة، الأنشطة المشبوهة التي تقوم بها ما يسمى بجمعية “تعايش” ومؤسسة “شراكة”، حيث لا تكتفيان بالتطبيع مع الاحتلال، بل تتجاوزان ذلك إلى الإشادة بالإرهاب الصهيوني، واعتبار جرائمه عملاً مشروعاً. وقد وصل الأمر ببعض المنتسبين لهذه الجمعيات إلى الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بوصفه “صهيوني”، والادعاء على الملك أنه على علم ويبارك “فعالياتهم” التي تشمل لقاءات مع ضباط ومسؤولي جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية وارتداء قبعات ” الموساد ” في إطار الترويج والدعاية للتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية .
.. لا بل بل إن الأمر يتعدى التطبيع والإشادة بجرائم الاحتلال، إلى التهديد المباشر والصريح لمناهضي التطبيع. فقد سبق للمدعو عبد العالي الرحماني ( مقيم بالناظور اعتنق الديانة اليهودية التلمودية ويفتخر بتعاونه مع الاستخبارات الصهيونية على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي مع الدعوة لتنظيم مسيرات للشواذ جنسيا بالناظور ) .. سبق أن وجّه تهديدات علنية بالقتل ضد الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، المناضل عزيز هناوي، و بالإسم .. مع توجيهها طلبا للدولة بأن تمده بالسلاح لمسح هناوي من الوجود. وهو ما قدم بشأنه هذا الأخير شكاية رسمية و تم الاستماع إليه ( إلى هناوي طبعا وليس الرحماني) رسميا في محضر قضائي لدى شرطة مدينة سلا .. منذ شهور ..دون أي أثر او تحرك قضائي لحماية هناوي من “عمل إرهابي واضح المعالم”
كما أن الضابط الصهيوني سيمون سكيرا (وهو يهودي صهيوني و ضابط سابق من أصل مغربي سبق له المشاركة في حرب 1973 بالجولان ضد التجريدة العسكرية المغربية هناك، ومقيم بالمغرب اليوم) سبق له أن أصدر تهديدات صريحة ضد مناهضي التطبيع (في شخص عزيز هناوي مجددا منذ 2017 ) على لسان المتصهين المدعو عبد الله الفرياضي في مقالة كتبها هذا الأخير ونُشرت هذه التهديدات بشكل علني على صفحات الجرائد (حين قال : هل تريد ان نتعامل مع هناوي بطرقنا..؟.. يقصد طرق الموساد بالاغتيال) ! ..
ورغم إصدار المرصد المغربي لمناهضة التطبيع لبلاغات موثقة في هذا الشأن ضد هؤلاء الأشخاص والجهات، إلا أن القضاء لم يحرك ساكناً، وظلت النصوص القانونية في حالة شلل……. ومقارنة بذلك، نرى السرعة الفائقة في التعامل مع قضية الشاب الذي وُجّهت إليه التهمة بسبب تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أن المعني بالأمر، يصرح بنفسه أنه لم يقدم أي شكاية ضده ..
أكثر من هذا فإن واقعة كلية العلوم ببني ملال، قبل سنوات، تعدى فيها الأمر التهديد بالقتل العلني أمام الكاتبة العامة للكلية وأمام الطلبة إلى الاعتداء المادي والشروع في تنفيذ الجريمة، لولا ألطاف الله، على رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وهي القصة التي تابعها الجميع وحضر بسببها عميد الكلية ثم رئيس الجامعة شخصيا ليأخذ المعتدى عليه ( كاتب هذه السطور) وليهربه من بين أيدي من أقسموا أنهم سيقتلونه وأنه لن يخرج من الكلية حيا …
رئيس جامعة بني ملال وقتها شاهد، وهو من سلم بيده رئيس المرصد لمسؤولي المديرية الإقليمية للأمن ببني ملال بعد مكالمات هاتفية مطولة لمسؤولي الجامعة مع رئيس حكومة سابق (بن كيران) وقت حصار محاضرة رئيس المرصد في رحاب الكلية …
فمع تحرير محضر في الواقعة فإننا ” شفناكم ما شفنا أي متابعة للموضوع ” !!!
واقعة أخرى وقف عليها المرصد المغربي لمناهضة التطبيع وأصدر بشانها بلاغا موثقا، بالصوت والصورة، عن جريمة اختطاف واحتجاز وتعذيب مواطن مغربي مع تصويره والتشهير به وانتحال الصفة الضبطية من طرف اليهودية المغربية الصهيونية المدعوة “نيكول لغريسي” في أحد المنازل بمنطقة الهرهورة جوار الرباط العاصمة … لم يتم تحريك أي تحقيق أو متابعة أو محاكمة بحق هذه السيدة التي تقدم نفسها كحامية لعدد من المحميات والمحميين تحت سطوتها التي تستمدها من “إسرائيل” التي تقيم فيها الآن و تقوم بزياراتها للمغرب مع تنظيم زفة الاستقبال، في تحد للسلطات الأمنية والقضائية، بالطبل والغيطة في بوابة المطار دون ان تتحرك السلطات العمومية المسؤولة لتنفيذ القانون.
أما فضيحة الفضائح فهي حكاية ما يسمى “معهد ألفا الإسرائيلي لتدريب حراس الأمن” الذي كشفه المرصد المغربي لمناهضة التطبيع منذ 2018 وتم تقديم ملفات جد خطيرة بشأنه إلى الحكومة في مقرها الرئيسي داخل المشور قبل تنظيم ندوة صحفية كانت شكلت زلزالا مدويا .. دون أي تحرك أو متابعة أو محاكمة .. برغم كل الوثائق بالصوت والصورة عن تداريب في جبال الأطلس لشباب مغاربة من قبل ضباط صهاينة على أساس مرجعية صهيونية وتلمودية وصناعة عقيدة قتالية جد خطيرة .. مع تقديم شهادات تحمل علم “اسرائيل” ودعوة الجيش للتمرد على أسس إثنية.
والعجيب في الأمر هو أن كاتب هذه السطور والكاتب العام للمرصد ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين هما من كانا موضوع استنطاق في مكاتب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، إثر شكاية كيدية من أوكار التأمزغ المتصهين التي تحركت ضدنا سنة 2018.. و طالبت باعتقالنا أو إحالتنا على مستشفى الأمراض العقلية بسبب ما وثقناه عن فضيحة معهد ألفا الإسرائيلي.
ازدواجية العدالة وخطر الصمت
إن هذه الانتقائية ليست مجرد صدفة أو خطأ عابر، بل تُظهر توجهاً خطيراً يجعل العدالة أداةً سياسية تُستخدم لتكميم الأفواه المنتقدة، بينما تتحول إلى درع يحمي الخونة والمتصهينين. وهذه المفارقة تعطي إشارات خاطئة للمجتمع، توحي بأن هناك فئة محصنة من القانون مهما ارتكبت من خيانات وجرائم واضحة، بينما فئات أخرى تُسحق بالقوانين الصارمة لمجرد التعبير عن آرائها، ولو بأسلوب خاطئ.
ضرورة مواجهة الانتقائية
إن على الأصوات الحرة أن تتحد لكشف هذه السياسات الانتقائية والمطالبة بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء. يجب أن تُحاسب الشخصيات والجمعيات التي تشيد بجرائم الاحتلال وتهدد أمن الوطن والمواطنين بنفس الحزم الذي يُطبّق على غيرهم.
وللتذكير، فقد وضعنا شكايات وشكايات لدى نفس المحكمة؛ استئنافية الرباط، ولم نرى أي نتيجة حتى اليوم، ولا أي جزء من جزء هذه الهمة التي رأيناها في قضية ” عصيد ” . فالعدالة ليست انتقائية، ولا يجب أن تخضع لمصالح سياسية أو أجندات خارجية .
آخر الكلام
إن السكوت عن هذه الازدواجية يُعد تقصيرا في حق العدالة التي تعتبر أساس الحكم، إن صحت صح وإن رشيت أصبح الحكم كله راش وهش يمكنه الانهيار في أي حين .. إن العدالة الحقيقية هي تلك التي تُطبق بشكل منصف على الجميع، دون النظر إلى انتماءاتهم أو علاقاتهم. تطبيق القانون على الجميع هو السبيل الوحيد لضمان سيادة العدل وحماية المواقف الوطنية من التشويه أو الاختراق. ولسنا في وارد التذكير عن معنى المبدأ الأساسي في القاعدة القانونية القاضي بأنها :
“مجردة ” وبالمبدأ الدستوري القاضي بأن المواطنين “سواسية أمام القانون ” .
فهل المغاربة، والحالة هذه، سواسية أمام القانون فعلا ؟
اللهم اسق عبادك وبهائمك !
———————-
* باحث في علم الاجتماع السياسي.
* رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع