أخبار

مع ” المرأة و الوردة ” للكاتب ” محمد زفزاف”

 

بين ” الرواية” و ” السيرة الذاتية ” يتربع هذا الكتاب ماسكا بتلابيب الإبداع الأدبي .

استطاع ” محمد زفزاف” في هذا المدون ، أن يستحضر التراث الأدبي الإسباني عبر جنس ” البيكارسكية”Novela Picaresca ، و هي ضرب من الكتابة النثرية ، تعنى بتتبع عادات و تقاليد الطبقات المسحوقة في المجتمع عموما ، و الشطار و العيارين خصوصا ، متعرضة بالوصف الواقعي لتجاربهم الخليعة في الحياة بلا ثورية و لا ايحاءات ، بل تعتمد التصريح و التصوير الفوتوغرافي الواضح المعالم ،كتصوير تجارب و مغامرات ( الجنس، العهر، الشذوذ، المسكرات، الالحاد، مختلف الجرائم …) مكونة بذالك عمل أدبي يتماهى فيه القارئ لاشعوريا مع شخوص العمل الإبداعي القريبة منه واقعيا و معاشيا ..

كتاب ” المرأة و الوردة ” تحكي السيرة الذاتية ل ” محمد زفزاف” هذا الاخير الذي نشأ في طنجة المغربية ، ذاق البؤس فيها ، تنفس الحرمان، تكلم كبتا و أسر ألما، حاور الجوع و صاحب القسوة، في ظل أب جلاد يسميه محمد ب ” اللاشيء” .

يوجه زفزاف الرجل الثلاثيني رؤاه و كيانه للشمال، مستقرا بإسبانيا، أين يختبر هناك و يتذوق الحياة الحق، الحرية المسلوبة تعود، الكبت يضمحل، فتنفتح نفسه على مقارعة لذائذ الحياة و طيباتها ، فينغمس لأذنيه في عوالم النساء و ما صاحبها من قول و عمل ، فما فاته إدراكه بطنجة لا يفوته استدراكه بإسبانيا ، و كأن صرخة ” مصطفى سعيد” في لندن في رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال” ” جئتكم فاتحا ” يردد صداها محمد زفزاف بإسبانيا في تجسيد لمبدأ ” الفحولة السردية” الحاكمة لعلاقة الشمال بالجنوب، ( يستحضر في ذاتي حوار المشرق و المغرب بين الجابري و حسن حنفي..استطراد و تشويش )

علاقة البطل ب سوزي” الدنماركية ( الوردة) ينقل الكاتب الى مستوى إدراك ذاته و الاحساس بقيمة الحرية و التحرر بعيد عن القمع المنتهج جنوبا، فالمرأة لعبت في هذا العمل ” البيكارسكي” صمام الأمان لتحقيق التوازن الذاتي لشخصية محمد المتشظية مع بث روح الاحساس بقيمة الحرية و ان يكون الانسان سيد ذاته.

هذا العمل بالرغم من ” وجوديته ” الطافحة و فلسفته العدمية، فإنه دائم البحث عن ماهية الهوية و علاقتها بالأرض و الذات ، فالحضور الغربي يفرض نفسه كمعادل بحث عن الجذور التي أوجدت شخصا ( عربي/ أمازيغي) في حضارة مغايرة، و هو ما سيعجل بفرض سؤال الهوية و البحث عن الذات في الأدب العربي خصوصا و الأطر المعرفية عموما العربية عموما .

محمد زفزاف، محمد شكري ، طاهر بنجلون، الطيب صالح ، سهيل ادريس، يحي حقي، مالك حداد ، …أدباء حاولوا عبر أدبهم تفسير الصلة الممكنة بين الشمال و الجنوب، محاولين فرض منطق الابداع لتقريب الهوة بين الضفتنين، و لعل تجربة محمد زفزاف ان تكون لبنة معرفية لهذا الحوار الحضاري المبني على جدلية اتباث الذات عبر نغمات ( الفحولة/ الإستعمار/ التنوير/ التجهيل، التحرر/ الإنقياد، الكبت / الإشباع…) .

لكن، هل الغرب مقصور على إمرأة؟ و التحرر مقترن بإشباع عاطفي؟ مع تجاوز التراث و الولوج الى الحداثة بعباءة ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى