قرأت لكم

ذ. توفيق بوعشرين : ترامب يلعب لعبته المفضلة مع العرب..

نسي ترامب أنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتصرف أمس كمطور عقاري متخصص في البناء والتشييد واستقطاب السياح. أعلن أن بلاده ستضع يدها على غزة المدمرة لمدة طويلة، وأنها ستعيد بناءها وتحولها إلى منطقة سياحية على شاكلة الريفيرا.

ولكن، ماذا ستفعل بسكان غزة يا ترامب؟ الجواب عنده بسيط: سنرحلهم إلى مصر أو الأردن أو إلى مناطق أخرى.

لم يخبره أحد من مستشاريه أن ما يقوله يعد جرائم يعاقب عليها القانون الدولي؛ فوضع دولة يدها على أرض دولة أو ارض شعب آخر يُسمى استعمارًا، وتهجير سكان أي منطقة يُعتبر جريمة حرب وتطهيرًا عرقيًا يُعاقب عليه القانون الدولي، الذي ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في وضعه وصياغته وإلزام أكثر من دولة باحترامه (مثل مبادئ ويلسون).

ترامب متعجرف، جاهل، ومتوسط الثقافة، لكنه ليس أحمق. يعرف أن مقترحًا كهذا لن يمر، لكنه ينشر الفوضى في الشرق الأوسط ويضغط على دوله ليسهل ابتزازها لاحقًا.

لقد جرب هذا الأسلوب عندما كان رئيسًا للولايات المتحدة في ولايته الأولى؛ يرفع السقف، يبتز، يهدد، ويقلب الطاولة بقرارات حمقاء، كل ذلك لخلق قوة ضغط هائلة على خصمه، ثم يتركه مدة يتخبط ويضرب أخماسًا بأسداس، وعندما يجلس معه لإبرام صفقة، يجده أكثر ليونة واستعدادًا للتنازل عن حقوقه.

بمقترحاته البائسة هذه، يرضي ترامب ممولي حملته الانتخابية من الصهاينة الأمريكيين هذا اولاً وثانيا، يضغط على حماس والفلسطينيين ليقبلوا شروط نتنياهو بشأن مستقبل غزة ما بعد الحرب، وثالثا يضغط على الدول الخليجية لتقديم مليارات الدولارات استثمارات في الاقتصاد الأمريكي ليرضي ناخبيه ويظهر لهم انه يحكم العالم، وأنه رجل الصفقات الكبرى ، ورابعا يحاول ابتزاز دول النفط العربي بالقضية الفلسطينية لتخفيض سعر النفط لتخفيف الضغط عن مواطنيه من جهة، وللضغط على بوتين من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط أمريكية.

هذا هو ترامب، ولكن، ما العمل معه ؟

على الدول العربية أن ترفض ابتزاز ترامب لها، وأن تقول له: كفى إهانة لنا أمام شعوبنا، فهذا الأسلوب لا ينفع معنا، ففي الشرق الأوسط من الفوضى ما يكفي! كما ينبغي للعواصم العربية أن تبعث المساعدات الغذائية والطبية إلى الفلسطينيين في غزة، وأن تبدأ بإعادة إعمار ما دمره نتنياهو وجيشه غير الأخلاقي. بهذه الطريقة، يساعد العرب الفلسطينيين على البقاء في أرضهم التي قدموا من أجلها تضحيات جسيمة، ودفعوا فاتورة دم غالية.

لقد صدق الفلسطينيون، عام 1948، كذبة “النزوح المؤقت”، فكانت النتيجة نكبة لا تزال مستمرة حتى اليوم. ولهذا، لن يرحلوا اليوم عن أرض رووا ترابها بدمائهم، فقط لأن مطورًا عقاريًا لا يفرق بين شراء أرض والدفاع عن سيادة، ولا بين التراب والذاكرة، ولا بين البناء والهوية. لا، لن يخرج الفلسطيني من أرض دفع من اجلها الغالي والنفيس وسجلها الشهداء في ذمة من بقي حيا جيلا بعد جيل ..

كتب درويش مرة ( غزة ليست أجمل المدن، لكنها تعدل كل جمال الأرض في عيون من فقدها ومن دافع بدمائه عنها )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى