
بقلم محمد أزلو
في عصرنا الحالي، أصبح الشباب يشكّلون حجر الأساس في المشهد السياسي، حيث لم يعد دورهم مقتصرًا على كونهم جمهورًا يتابع الأحداث أو كتلة انتخابية تُستغل أثناء الحملات الانتخابية، بل باتوا فاعلين رئيسيين في صياغة القرارات والتأثير على التوجهات السياسية في مختلف أنحاء العالم. فقد أثبتت الأجيال الشابة أنها تمتلك رؤية واضحة، طاقة متجددة، وطموحًا يدفعها لإحداث التغيير الذي تنشده المجتمعات.
من أبرز سمات الشباب في المشهد السياسي اليوم قدرتهم على التكيّف مع المستجدات واستيعاب التحديات المعاصرة مثل التغير المناخي، حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية، والرقمنة. هذه القضايا لم تعد مجرّد شعارات، بل أصبحت محاور رئيسية في البرامج السياسية التي يتبناها الشباب. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، استطاعوا تحويل تلك القضايا إلى حملات عالمية، كما رأينا في حركات مثل “جمعية العدالة المناخية” و”حياة السود مهمة”، التي لعب فيها الشباب دورًا محوريًا.
رغم الحماس الكبير الذي يبديه الشباب، إلا أنهم يواجهون العديد من التحديات التي تعيق مشاركتهم الفعّالة في السياسة. من أبرز تلك التحديات، النظرة النمطية التي تعتبرهم قليلي الخبرة وغير مؤهلين لاتخاذ قرارات مصيرية. بالإضافة إلى ذلك، هناك عوائق مؤسسية وقانونية في بعض الدول تحول دون تمكين الشباب من الوصول إلى مراكز صنع القرار، مثل تحديد أعمار مرتفعة للترشح للانتخابات أو غياب الدعم المالي والسياسي لهم.
لا يمكن الحديث عن دور الشباب في السياسة دون الإشارة إلى الدور الكبير الذي تلعبه التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذا الدور. فقد أتاحت هذه الوسائل للشباب فرصة التعبير عن آرائهم بحرية، تنظيم حملات ضغط سياسي، والتواصل المباشر مع جمهور واسع. كما أنها وفّرت لهم منصة لفضح الفساد، تسليط الضوء على القضايا المهمشة، والدعوة إلى إصلاحات جذرية.
هناك العديد من الأمثلة البارزة التي تُظهر مدى تأثير الشباب في المشهد السياسي. ففي نيوزيلندا، استطاعت رئيسة الوزراء السابقة جاسيندا أرديرن أن تقود بلدها برؤية شابة ومبتكرة، رغم صغر سنها مقارنة بزعماء عالميين آخرين. كذلك، شهدت الولايات المتحدة صعوداً لعدد من السياسيين الشباب مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، التي أصبحت رمزًا لجيل جديد من السياسيين التقدميين.
مع تزايد الوعي السياسي بين الشباب، يبدو المستقبل واعدًا بمزيد من الحضور والتأثير لهم في السياسة. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب من الحكومات والمؤسسات السياسية العمل على تمكين الشباب من خلال توفير منصات تشاركية، وتخفيف القيود التي تعيق دخولهم إلى المشهد السياسي. فالشباب ليسوا فقط قادة المستقبل، بل هم صانعو الحاضر أيضًا.
في النهاية، يمكن القول إن دور الشباب في السياسة اليوم لم يعد خيارًا بل ضرورة. فبفضل رؤيتهم المتجددة وأفكارهم المبتكرة، يمكنهم قيادة المجتمعات نحو مستقبل أفضل يعتمد على العدل، المساواة، والتنمية المستدامة.