
بقلم محمد أزلو
يشكل الإسكان في المغرب أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع، حيث يبرز كموضوع حيوي يمس حياة الملايين من المواطنين بمختلف فئاتهم الاجتماعية. ومع تزايد الطلب على السكن بسبب النمو السكاني والتحضر السريع، تتفاقم أزمة الإسكان لتصبح قضية معقدة تتداخل فيها مسؤوليات الحكومة والقطاع الخاص. فإلى من تقع المسؤولية في حل هذه الأزمة؟
تشير الإحصائيات إلى وجود عجز كبير في الوحدات السكنية بالمغرب، هذا النقص يؤثر بشكل مباشر على الفئات المتوسطة والضعيفة، التي تجد نفسها عاجزة عن توفير سكن لائق يتناسب مع دخلها. وفي الوقت نفسه، تشهد المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة ارتفاعًا صاروخيًا في أسعار العقارات، ما يجعل امتلاك السكن حلمًا بعيد المنال للكثيرين.
على مر السنوات، أطلقت الحكومة المغربية العديد من البرامج والمبادرات لمعالجة أزمة الإسكان، أبرزها “مدن بلا صفيح” وبرامج دعم السكن الاجتماعي. ورغم تحقيق بعض النجاحات، إلا أن التحديات ما زالت قائمة، خصوصًا في ظل استمرار ظاهرة السكن العشوائي، وصعوبة الوصول إلى التمويل للفئات الهشة.
كما أن البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية تعتبر من العوائق الأساسية التي تعرقل تنفيذ مشاريع الإسكان بشكل سريع وفعال. ورغم تخصيص الدولة مبالغ ضخمة لدعم الإسكان الاجتماعي، إلا أن تأثيرها لم يكن كافيًا لسد الفجوة بين العرض والطلب.
يلعب القطاع الخاص دورًا محوريًا في قطاع الإسكان بالمغرب، حيث يعتمد التمويل والبناء بشكل كبير على استثمارات الشركات العقارية الكبرى. إلا أن هذا الدور يثير الكثير من الجدل، خصوصًا أن معظم مشاريع القطاع الخاص تستهدف الفئات العليا والمتوسطة العليا، بينما تظل الفئات الفقيرة خارج حسابات هذه الشركات.
ويعزو البعض هذا التوجه إلى غياب تحفيزات حقيقية من الحكومة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في السكن الاجتماعي. كما أن ضعف الرقابة على الأسعار وجودة البناء يزيد من حدة المشكلة، حيث تنتشر مشاريع عقارية بمواصفات متدنية وأسعار مرتفعة.
في ظل هذا الوضع، يبدو أن أزمة الإسكان في المغرب هي نتيجة لتراكم مشكلات هيكلية تتقاسمها الحكومة والقطاع الخاص. فمن جهة، يقع على عاتق الحكومة دور أساسي في وضع سياسات إسكانية فعالة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير الأراضي بأسعار معقولة. ومن جهة أخرى، يتعين على القطاع الخاص تحمل مسؤوليته الاجتماعية من خلال توجيه استثماراته نحو مشاريع تخدم الفئات الأكثر احتياجًا.
لحل أزمة الإسكان في المغرب، هناك حاجة ملحة لتفعيل شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص. يمكن للحكومة توفير تسهيلات ضريبية وتحفيزات مالية للشركات التي تستثمر في بناء السكن الاجتماعي. كما يجب تعزيز الرقابة على القطاع العقاري لضمان جودة المشاريع وتحقيق العدالة في الأسعار.
من جهة أخرى، ينبغي إشراك المجتمع المدني والبنوك في هذا الجهد من خلال تقديم برامج تمويل ميسرة، وتوعية المواطنين بأهمية الادخار لاقتناء السكن. كما يمكن استغلال التكنولوجيا في تخطيط المدن الذكية وبناء وحدات سكنية منخفضة التكلفة.
أزمة الإسكان في المغرب ليست مسألة بسيطة يمكن حلها بقرارات فردية أو مبادرات محدودة. إنها قضية معقدة تتطلب رؤية شمولية وتعاونًا وثيقًا بين الحكومة والقطاع الخاص، مع إشراك كافة مكونات المجتمع. فالسكن ليس مجرد جدران وسقف، بل هو حق أساسي يرتبط بالكرامة الإنسانية والاستقرار الاجتماعي.