كلمات .. في أصل “الصفقة ” ومعنى مخيمات الصحاري

كلمات
.. في أصل “الصفقة ” ومعنى مخيمات الصحاري
————————–
دونالد هتلر .. وجحيم الحرب العالمية الأخيرة
بقلم أحمد ويحمان ×
في بدايات الحرب العالمية الثانية، كان العالم يشهد غطرسة نازية لم تعرف الحدود. كانت ألمانيا بقيادة هتلر تمارس عربدة لا تُبقي ولا تذر، مدفوعة بوهم التفوق العرقي والتوسع الإمبراطوري. واليوم، بعد أكثر من ثمانية عقود، تعيد الولايات المتحدة بقيادة “دونالد هتلر” ترامب إنتاج المشهد نفسه، لكن بأدوات مختلفة، حيث تمارس الهيمنة المطلقة على العالم، وتتحدث بوقاحة وبكل “فضوح” عن ضم دول بأكملها واقتطاع أجزاء من أخرى، دون أدنى اعتبار لسيادة الدول وحقوق الشعوب.
لقد أعلن ترامب، بلا مواربة، عن رغبته في ضم كندا، وشراء قسري !! جزيرة غرينلاند من الدنمارك، وفرض السيطرة الأمريكية على قناة بنما، وكأن العالم ما يزال ساحة مفتوحة لمزاد القوى الكبرى. لكن الأخطر من ذلك هو نهجه الاستعماري تجاه فلسطين، إذ تبنّى مشروع اقتلاع سكان غزة من أرضهم بعد تدميرها خلال العدوان الوحشي، في مشهد لا يختلف عن التطهير العرقي الذي مارسته النازية والفصل العنصري الذي ارتكبه نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.
وإذا كانت جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تُرتكب اليوم بحق الفلسطينيين قد أودت وتودي بحياة مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمشردين، فإنها ليست سوى امتداد لمخطط طويل بدأ يتبلور منذ عدة سنوات، تحت مسمى “صفقة القرن”، وهي في الحقيقة ليست سوى أساس سابق لما سيسمى فيما بعد بـ”خطة الجنرالات”، التي وضعها الإرهابي الصهيوني غيورا آيلاند، الذي حرر قبلها “صفقة القرن” ونشرها في دراسة أنجزها لصالح ما يسمى “مركز بيغن-السادات للسلام” منذ سنة 2010، أي قبل سبع سنوات من تبنيها رسميًا من قبل إدارة ترامب عام 2017.
إن تهجير الفلسطينيين إلى “مخيمات الصحاري”، التي أُقيمت في الأردن وصحراء سيناء المصرية قرب الإسماعيلية، لم يكن سوى جزء من هذا المخطط الجهنمي، الذي أُعدّ بعناية ليكون حلقة جديدة في سلسلة التهجير القسري لشعب فلسطين. والأخطر من ذلك أن هذه المخيمات لم تُبنَ في الخفاء أو بعيدًا عن أنظار الأنظمة العربية المعنية، بل على العكس، تمت على أراضٍ شاسعة على بعد عشرات الكيلومترات فقط من عمان في الأردن، ومن مدينة الإسماعيلية في مصر، ما يكشف حجم التواطؤ الرسمي مع هذا المشروع الإجرامي. ولم يكن ذلك سوى الخطوة الأولى، إذ كان البديل المطروح، في حال رفض مصر والأردن، هو نقل الفلسطينيين إلى الصومال والمغرب، في مشهد يعيد للأذهان مشاريع الاستيطان الصهيوني الأولى، التي كانت قد درست إقامة “إسرائيل” في الأرجنتين أو أوغندا، قبل أن تستقر على فلسطين!
ولولا “طوفان الأقصى” الذي انطلق يوم 7 أكتوبر المجيد، وما تلاه من ملاحم بطولية امتدت على مدى 14 شهرًا، لكان هذا السيناريو قد أصبح واقعًا مفروضًا. لقد قدّم الشعب الفلسطيني، ومعه قوى المقاومة في لبنان واليمن وإيران وسوريا، تضحيات جسامًا دفاعًا عن قضيته، دافعًا ثمنًا باهظًا من الدماء والأرواح الطاهرة.
وإمعانًا في العربدة والإجرام، لم يكتف ترامب بالتواطؤ مع الصهاينة في خطط التهجير والاقتلاع، بل مضى إلى حد توجيه تهديدات مباشرة ومهينة للفلسطينيين، حين حدد ظهر يوم السبت أجلاً لتحرير جميع الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، دون الحديث عن الأسرى الفلسطينيين، مهددًا الفلسطينيين بجحيم غير مسبوق إن لم يذعنوا! وهو ما يعكس بوضوح الانحياز الأعمى للعدو، ويكشف مجددًا أن واشنطن ليست مجرد داعم للصهاينة، بل هي شريك كامل في عدوانهم وجرائمهم.
إن ما يجري اليوم لا يكشف فقط طبيعة المشروع الصهيوني، بل يكشف أيضًا إفلاس النظام العالمي، الذي صار مصير البشرية فيه بين يدي مجرمين اثنين: الأول، ترامب، متابع بـ42 تهمة، معظمها جنايات، أمام محاكم بلاده، ومن بينها تهمة الهجوم على مبنى الكابيتول، رمز الإرادة الشعبية الأمريكية! أما الثاني، نتنياهو، فهو مجرم حرب بمقتضى مقررات وأحكام قضائية صادرة عن أعلى هيئة قضائية دولية، محكمة الجنايات الدولية، ويتابع بجرائم الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية.
آخر الكلام
لقد انفضح المخطط، وسقطت الأقنعة عن المتواطئين، كما انكشف الصلف والإجرام الأمريكي والصهيوني، اللذان تجاوزا كل الحدود ولم يبقيا قطرة من ماء الوجه لحكام العرب، لا سيما بعد احتقار وإهانة الإرهابي نتنياهو لحكام السعودية، وترامب لملك الأردن! فهل نشهد حدًا أدنى من انتفاضة الحكام العرب لكرامتهم وكرامة شعوبهم، أم يتكرس الانطباع العام لدى الشعوب بأن هؤلاء لا كرامة لهم؟!
إن المشهد اليوم يعيد إنتاج دروس التاريخ، ومع ثابت جوهري؛ فكما سقط هتلر تحت ضربات المقاومة العالمية، فإن مصير “دونالد هتلر” الجديد لن يكون مختلفًا، لأن إرادة الشعوب التي تصدت للنازية والفاشية ستتصدى اليوم للصهيونية والإمبريالية، حتى تحرير فلسطين.. كل فلسطين.
وفي هذا السياق، جاء رد الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، صادمًا ومزلزلًا، حين أعلن أن تحرير الأسرى الصهاينة لن يتم ظهر السبت، وأن الأمر قد رُحّل إلى أجل غير مسمى، في تحدٍ يجسد إرادة الشعوب في مواجهة القوى الاستعمارية الغاشمة، ويؤكد أن المقاومة ليست مجرد رقم في معادلات السياسة، بل هي معادلة قائمة بذاتها، تفرض شروطها وتقرر مصيرها بإرادتها الحرة. وأنه كما اندحرت القوات الأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان، ستندحر من فلسطين ..
هذا وعد الله .. وهذا منطق التاريخ !
————————-
× باحث في علم الاجتماع.. رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع